للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِلزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُ حَدَثَ فِي وَقْتٍ لَمْ تَكُنْ الْمَرْأَةُ فِيهِ مِنْ أَهْلِ الْمِلْكِ، وَمَا أَحْدَثَا مِنْ الْمِلْكِ بَعْدَ الْعِتْقِ، فَالْجَوَابُ فِيهِ، وَفِي الْحُرَّيْنِ سَوَاءٌ.

وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ مُسْلِمًا، وَالْمَرْأَةُ ذِمِّيَّةً، فَالْجَوَابُ فِيهِ كَالْجَوَابِ فِي الزَّوْجَيْنِ الْمُسْلِمَيْنِ؛ لِأَنَّ الْكُفْرَ لَا يُنَافِي أَهْلِيَّةَ الْمِلْكِ بِخِلَافِ الرِّقِّ.

وَكَذَا لَوْ كَانَ الْبَيْتُ مِلْكًا لِأَحَدِهِمَا لَا يَخْتَلِفُ الْجَوَابُ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْيَدِ لَا لِلْمِلْكِ هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ تُقِرَّ الْمَرْأَةُ أَنَّ هَذَا الْمَتَاعَ اشْتَرَاهُ لِي زَوْجِي، فَإِنْ أَقَرَّتْ بِذَلِكَ سَقَطَ قَوْلُهَا؛ لِأَنَّهَا أَقَرَّتْ بِذَلِكَ لِزَوْجِهَا، ثُمَّ ادَّعَتْ الِانْتِقَالَ، فَلَا يَثْبُتُ الِانْتِقَالُ إلَّا بِدَلِيلٍ، وَقَدْ مَرَّتْ الْمَسْأَلَةُ.

[فَصْلٌ الْكَفَاءَةُ فِي إنْكَاحِ غَيْرِ الْأَبِ]

(فَصْلٌ) :

وَمِنْهَا الْكَفَاءَةُ فِي إنْكَاحِ غَيْرِ الْأَبِ، وَالْجَدِّ مِنْ الْأَخِ، وَالْعَمِّ، وَنَحْوُهُمَا الصَّغِيرُ، وَالصَّغِيرَةُ، وَفِي إنْكَاحِ الْأَبِ، وَالْجَدِّ اخْتِلَافُ أَبِي حَنِيفَةَ مَعَ صَاحِبَيْهِ.

وَأَمَّا الطَّوْعُ فَلَيْسَ بِشَرْطٍ لِجَوَازِ النِّكَاحِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، فَيَجُوزُ نِكَاحُ الْمُكْرَهِ عِنْدَنَا.

وَعِنْدَهُ لَا يَجُوزُ، وَهَذِهِ مِنْ مَسَائِلِ كِتَابِ الْإِكْرَاهِ، وَكَذَلِكَ الْجِدُّ لَيْسَ مِنْ شَرَائِطِ جَوَازِ النِّكَاحِ حَتَّى يَجُوزَ نِكَاحُ الْهَازِلِ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ الْجِدَّ، وَالْهَزْلَ فِي بَابِ النِّكَاحِ سَوَاءً قَالَ النَّبِيُّ:«ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ، وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ وَالنِّكَاحُ» وَكَذَلِكَ الْعَمْدُ عِنْدَنَا حَتَّى يَجُوزَ نِكَاحُ الْخَاطِئِ وَهُوَ الَّذِي يَسْبِقُ عَلَى لِسَانِهِ كَلِمَةُ النِّكَاحِ مِنْ غَيْرِ قَصْدِهِ.

وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ شَرْطٌ، وَالصَّحِيحُ قَوْلُنَا؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْخَطَأِ لَيْسَ إلَّا الْقَصْدُ، وَأَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِجَوَازِ النِّكَاحِ بِدَلِيلِ نِكَاحِ الْهَازِلِ، وَكَذَلِكَ الْحِلُّ أَعْنِي كَوْنَهُ حَلَالًا غَيْرَ مُحْرِمٍ أَوْ كَوْنَهَا حَلَالًا غَيْرَ مُحْرِمَةٍ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِجَوَازِ النِّكَاحِ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ شَرْطٌ حَتَّى يَجُوزَ نِكَاحُ الْمُحْرِمِ، وَالْمُحْرِمَةِ عِنْدَنَا لَكِنْ لَا يَحِلُّ وَطْؤُهَا فِي حَالِ الْإِحْرَامِ، وَعِنْدَهُ لَا يَجُوزُ (وَجْهُ) قَوْلِهِ أَنَّ الْجِمَاعَ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ، فَكَذَا النِّكَاحُ؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ دَاعٍ إلَى الْجِمَاعِ، وَلِهَذَا حُرِّمَتْ الدَّوَاعِي عَلَى الْمُحْرِمِ كَمَا حُرِّمَ عَلَيْهِ الْجِمَاعُ، وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ ﵄ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ ﵂ وَهُوَ حَرَامٌ» ، وَأَدْنَى مَا يُسْتَدَلُّ بِفِعْلِ النَّبِيِّ ﷺ هُوَ الْجَوَازُ، وَلَا يُعَارِضُ هَذَا مَا رَوَى زَيْدُ بْنُ الْأَصَمِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ، وَهُوَ حَلَالٌ بِسَرَفٍ» ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ مَا تَزَوَّجَهَا إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً، فَيَقَعُ التَّعَارُضُ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِرِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ أَوْلَى لِوَجْهَيْنِ أَحَدِهِمَا: أَنَّهُ يُثْبِتُ أَمْرًا عَارِضًا، وَهُوَ الْإِحْرَامُ إذْ الْحِلُّ أَصْلٌ، وَالْإِحْرَامُ عَارِضٌ، فَتُحْمَلُ رِوَايَةُ زَيْدٍ عَلَى أَنَّهُ بَنَى الْأَمْرَ عَلَى الْأَصْلِ، وَهُوَ الْحِلُّ تَحْسِينًا لِلظَّنِّ بِالرِّوَايَتَيْنِ، فَكَانَ رَاوِي الْإِحْرَامِ مُعْتَمِدًا عَلَى حَقِيقَةِ الْحَالِ، وَرَاوِي الْحِلِّ بَانِيًا الْأَمْرَ عَلَى الظَّاهِرِ، فَكَانَتْ رِوَايَةُ مَنْ اعْتَمَدَ حَقِيقَةَ الْحَالِ أَوْلَى، وَلِهَذَا رَجَّحْنَا قَوْلَ الْجَارِحِ عَلَى الْمُزَكِّي كَذَا هَذَا، وَالثَّانِي أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ ﵄ أَفْقَهُ، وَأَتْقَنُ مِنْ زَيْدٍ، وَالتَّرْجِيحُ بِفِقْهِ الرَّاوِي، وَإِتْقَانُهُ تَرْجِيحٌ صَحِيحٌ عَلَى مَا عُرِفَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ؛ وَلِأَنَّ الْمَعَانِيَ الَّتِي لَهَا حُسْنُ النِّكَاحِ فِي غَيْرِ حَالِ الْإِحْرَامِ مَوْجُودَةٌ فِي حَالِ الْإِحْرَامِ، فَكَانَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْحَالَيْنِ فِي الْحُكْمِ مَعَ وُجُودِ الْمَعْنَى الْجَامِعِ بَيْنَهُمَا مُنَاقَضَةً، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْمَعْنَى يَبْطُلُ بِنِكَاحِ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ، فَإِنَّهُ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ كَانَ النِّكَاحُ سَبَبًا دَاعِيًا إلَى الْجِمَاعِ، وَاَللَّهُ ﷿ أَعْلَمُ.

[فَصْلٌ جَوَازُ وَإِفْسَادُ نِكَاحِ أَهْلِ الذِّمَّةِ]

(فَصْلٌ) :

ثُمَّ كُلُّ نِكَاحٍ جَازَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَهُوَ الَّذِي اسْتَجْمَعَ شَرَائِطَ الْجَوَازِ الَّتِي وَصَفْنَاهَا، فَهُوَ جَائِزٌ بَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ.

وَأَمَّا مَا، فَسَدَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْأَنْكِحَةِ، فَإِنَّهَا مُنْقَسِمَةٌ فِي حَقِّهِمْ مِنْهَا مَا يَصِحُّ، وَمِنْهَا مَا يَفْسُدُ، وَهَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ.

وَقَالَ زُفَرُ: كُلُّ نِكَاحٍ، فَسَدَ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ، فَسَدَ فِي حَقِّ أَهْلِ الذِّمَّةِ حَتَّى لَوْ أَظْهَرُوا النِّكَاحَ بِغَيْرِ شُهُودٍ يُعْتَرَضُ عَلَيْهِمْ، وَيُحْمَلُونَ عَلَى أَحْكَامِنَا، وَإِنْ لَمْ يُرْفَعُوا إلَيْنَا.

وَكَذَا إذَا أَسْلَمُوا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا عِنْدَهُ، وَعِنْدَنَا لَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ تَحَاكَمَا إلَيْنَا أَوْ أَسْلَمَا بَلْ يُقَرَّانِ عَلَيْهِ (وَجْهُ) قَوْلِهِمْ إنَّهُمْ لَمَّا قَبِلُوا عَقْدَ الذِّمَّةِ، فَقَدْ الْتَزَمُوا أَحْكَامَنَا وَرَضُوا بِهَا، وَمِنْ أَحْكَامِنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ النِّكَاحُ بِغَيْرِ شُهُودٍ، وَلِهَذَا لَمْ يَجُزْ نِكَاحُهُمْ الْمَحَارِمَ فِي حُكْمِ الْإِسْلَامِ؛ وَلِأَنَّ تَحْرِيمَ النِّكَاحِ بِغَيْرِ شُهُودٍ فِي شَرِيعَتِنَا ثَبَتَ بِخِطَابِ الشَّرْعِ عَلَى سَبِيلِ الْعُمُومِ بِقَوْلِهِ ﷺ «لَا نِكَاحَ إلَّا بِشُهُودٍ» .

وَالْكُفَّارُ مُخَاطَبُونَ بِشَرَائِعَ هِيَ حُرُمَاتٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ الْأَقْوَالِ، فَكَانَتْ حُرْمَةُ النِّكَاحِ بِغَيْرِ شُهُودٍ ثَابِتَةً فِي حَقِّهِمْ.

(وَلَنَا) أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَدَيَّنُونَ النِّكَاحَ بِغَيْرِ شُهُودٍ، وَالْكَلَامُ فِيهِ، وَنَحْنُ أُمِرْنَا بِتَرْكِهِمْ، وَمَا يَدِينُونَ إلَّا مَا اُسْتُثْنِيَ مِنْ عُقُودِهِمْ كَالزِّنَا، وَهَذَا غَيْرُ مُسْتَثْنًى مِنْهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>