للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَانَ عَنْهُ قَابِلٌ، أَوْ كَانَ بِالرِّسَالَةِ أَوْ بِالْكِتَابَةِ أَمَّا الرِّسَالَةُ فَهِيَ أَنْ يُرْسِلَ رَسُولًا إلَى رَجُلٍ، وَيَقُولَ لِلرَّسُولِ: إنِّي بِعْتُ عَبْدِي هَذَا مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ بِكَذَا، فَاذْهَبْ إلَيْهِ، وَقُلْ لَهُ: إنَّ فُلَانًا أَرْسَلَنِي إلَيْكَ، وَقَالَ لِي: قُلْ لَهُ: إنِّي قَدْ بِعْتُ عَبْدِي هَذَا مِنْ فُلَانٍ بِكَذَا فَذَهَبَ الرَّسُولُ، وَبَلَّغَ الرِّسَالَةَ فَقَالَ الْمُشْتَرِي فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ: قَبِلْتُ انْعَقَدَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ الرَّسُولَ سَفِيرٌ، وَمُعَبِّرٌ عَنْ كَلَامِ الْمُرْسِلِ نَاقِلٌ كَلَامَهُ إلَى الْمُرْسَلِ إلَيْهِ فَكَأَنَّهُ حَضَرَ بِنَفْسِهِ فَأَوْجَبَ الْبَيْعَ، وَقَبِلَ الْآخَرُ فِي الْمَجْلِسِ.

وَأَمَّا الْكِتَابَةُ فَهِيَ أَنْ يَكْتُبَ الرَّجُلُ إلَى رَجُلٍ أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ بِعْتُ عَبْدِي فُلَانًا مِنْكَ بِكَذَا فَبَلَغَهُ الْكِتَابُ فَقَالَ فِي مَجْلِسِهِ: اشْتَرَيْتُ؛ لِأَنَّ خِطَابَ الْغَائِبِ كِتَابُهُ فَكَأَنَّهُ حَضَرَ بِنَفْسِهِ، وَخَاطَبَ بِالْإِيجَابِ، وَقَبِلَ الْآخَرُ فِي الْمَجْلِسِ، وَلَوْ كَتَبَ شَطْرَ الْعَقْدِ ثُمَّ رَجَعَ صَحَّ رُجُوعُهُ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَ لَا يَكُونُ فَوْقَ الْخِطَابِ، وَلَوْ خَاطَبَ ثُمَّ رَجَعَ قَبْلَ قَبُولِ الْآخَرِ صَحَّ رُجُوعُهُ فَهَهُنَا أَوْلَى، وَكَذَا لَوْ أَرْسَلَ رَسُولًا ثُمَّ رَجَعَ؛ لِأَنَّ الْخِطَابَ بِالرِّسَالَةِ لَا يَكُونُ فَوْقَ الْمُشَافَهَةِ، وَذَا مُحْتَمِلٌ لِلرُّجُوعِ فَهَهُنَا أَوْلَى، وَسَوَاءٌ عَلِمَ الرَّسُولُ رُجُوعَ الْمُرْسِلِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا وَكَّلَ إنْسَانًا ثُمَّ عَزَلَهُ بِغَيْرِ عِلْمِهِ لَا يَصِحُّ عَزْلُهُ؛ لِأَنَّ الرَّسُولَ يَحْكِي كَلَامَ الْمُرْسِلِ، وَيَنْقُلُهُ إلَى الْمُرْسَلِ إلَيْهِ فَكَانَ سَفِيرًا، وَمُعَبِّرًا مَحْضًا فَلَمْ يُشْتَرَطْ عِلْمُ الرَّسُولِ بِذَلِكَ.

فَأَمَّا الْوَكِيلُ فَإِنَّمَا يَتَصَرَّفُ عَنْ تَفْوِيضِ الْمُوَكِّلِ إلَيْهِ فَشُرِطَ عِلْمُهُ بِالْعَزْلِ صِيَانَةً لَهُ عَنْ التَّعْزِيرِ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ، وَكَذَا هَذَا فِي الْإِجَارَةِ، وَالْكِتَابَةِ أَنَّ اتِّحَادَ الْمَجْلِسِ شَرْطٌ لِلِانْعِقَادِ، وَلَا يَتَوَقَّفُ أَحَدُ الشَّطْرَيْنِ مِنْ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ عَلَى وُجُودِ الشَّطْرِ الْآخَرِ إذَا كَانَ غَائِبًا؛ لِأَنَّ كُلَّ، وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ إلَّا إذَا كَانَ عَنْ الْغَائِبِ قَابِلٌ أَوْ بِالرِّسَالَةِ أَوْ بِالْكِتَابَةِ كَمَا فِي الْبَيْعِ.

وَأَمَّا فِي النِّكَاحِ فَهَلْ يَتَوَقَّفُ بِأَنْ يَقُولَ رَجُلٌ لِلشُّهُودِ: اشْهَدُوا أَنِّي قَدْ تَزَوَّجْتُ فُلَانَةَ بِكَذَا، وَبَلَغَهَا فَأَجَازَتْ أَوْ قَالَتْ امْرَأَةٌ: اشْهَدُوا أَنِّي زَوَّجْتُ نَفْسِي مِنْ فُلَانٍ بِكَذَا فَبَلَغَهُ فَأَجَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمُحَمَّدٍ لَا يَتَوَقَّفُ أَيْضًا إلَّا إذَا كَانَ عَنْ الْغَائِبِ قَابِلٌ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَتَوَقَّفُ، وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ عَنْهُ أَحَدٌ، وَكَذَا الْفُضُولِيُّ مِنْ الْجَانِبَيْنِ بِأَنْ قَالَ: زَوَّجْتُ فُلَانَةَ مِنْ فُلَانٍ وَهُمَا غَائِبَانِ فَبَلَغَهُمَا فَأَجَازَا لَمْ يَجُزْ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ، وَهَذِهِ مَسْأَلَةُ كِتَابِ النِّكَاحِ.

، وَالْفُضُولِيُّ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فِي بَابِ الْبَيْعِ إذَا بَلَغَهُمَا فَأَجَازَا لَمْ يَجُزْ بِالْإِجْمَاعِ، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى - أَعْلَمُ.

وَأَمَّا الشَّطْرُ فِي بَابِ الْخُلْعِ فَمِنْ جَانِبِ الزَّوْجِ يَتَوَقَّفُ بِالْإِجْمَاعِ حَتَّى لَوْ قَالَ: خَالَعْتُ امْرَأَتِي الْغَائِبَةَ عَلَى كَذَا فَبَلَغَهَا الْخَبَرُ فَقَبِلَتْ جَازَ.

وَأَمَّا مِنْ جَانِبِ الْمَرْأَةِ فَلَا يَتَوَقَّفُ بِالْإِجْمَاعِ، حَتَّى لَوْ قَالَتْ: اخْتَلَعْتُ مِنْ زَوْجِي فُلَانٍ الْغَائِبِ عَلَى كَذَا، فَبَلَغَهُ الْخَبَرُ فَأَجَازَ لَمْ يَجُزْ، وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الْخُلْعَ فِي جَانِبِ الزَّوْجِ يَمِينٌ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ بِقَبُولِ الْمَالِ فَكَانَ يَمِينًا، وَلِهَذَا لَا يُمْلَكُ الرُّجُوعُ عَنْهُ، وَتَصِحُّ فِيهِ الْإِضَافَةُ إلَى الْوَقْتِ، وَالتَّعْلِيقُ بِالشَّرْطِ بِأَنْ يَقُولَ الزَّوْجُ: خَالَعْتكِ غَدًا، وَإِنْ قَدِمَ فُلَانٌ فَقَدْ خَالَعْتكِ عَلَى كَذَا، وَإِذَا كَانَ يَمِينًا فَغَيْبَةُ الْمَرْأَةِ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْيَمِينِ كَمَا فِي التَّعْلِيقِ بِدُخُولِ الدَّارِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ.

وَأَمَّا مِنْ جَانِبِ الْمَرْأَةِ فَهُوَ مُعَاوَضَةٌ، وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ مِنْ جَانِبِهَا، وَلَا تَصِحُّ إضَافَتُهُ إلَى، وَقْتٍ، وَتَمْلِكُ الرُّجُوعَ قَبْلَ إجَازَةِ الزَّوْجِ، وَإِذَا كَانَ مُعَاوَضَةً فَالشَّطْرُ فِي الْمُعَاوَضَاتِ لَا يَتَوَقَّفُ كَمَا فِي الْبَيْعِ، وَغَيْرِهِ.

وَكَذَا الشَّطْرُ فِي إعْتَاقِ الْعَبِيدِ عَلَى مَالٍ مِنْ جَانِبِ الْمَوْلَى يَتَوَقَّفُ إذَا كَانَ الْعَبْدُ غَائِبًا، وَمِنْ جَانِبِ الْعَبْدِ لَا يَتَوَقَّفُ إذَا كَانَ الْمَوْلَى غَائِبًا؛ لِأَنَّهُ مِنْ جَانِبِهِ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِالشَّرْطِ، وَمِنْ جَانِبِ الْعَبْدِ مُعَاوَضَةٌ وَالْأَصْلُ أَنَّ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَا يَتَوَقَّفُ الشَّطْرُ عَلَى مَا، وَرَاءِ الْمَجْلِسِ؛ يَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْهُ، وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ، وَإِضَافَتُهُ إلَى الْوَقْتِ كَمَا فِي الْبَيْعِ، وَالْإِجَارَةِ، وَالْكِتَابَةِ، وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَتَوَقَّفُ الشَّطْرُ عَلَى مَا وَرَاءَ الْمَجْلِسِ لَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْهُ، وَيَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ، وَإِضَافَتُهُ إلَى الْوَقْتِ كَمَا فِي الْخُلْعِ مِنْ جَانِبِ الزَّوْجِ، وَالْإِعْتَاقِ عَلَى مَالٍ مِنْ جَانِبِ الْمَوْلَى، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى - أَعْلَمُ.

[فَصْلٌ فِي الشَّرْط الَّذِي يَرْجِعُ إلَى الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ]

(فَصْلٌ) :

وَأَمَّا الَّذِي يَرْجِعُ إلَى الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَأَنْوَاعٌ (مِنْهَا) : أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا فَلَا يَنْعَقِدُ بَيْعُ الْمَعْدُومِ، وَمَالَهُ خَطَرُ الْعَدَمِ كَبَيْعِ نِتَاجِ النِّتَاجِ بِأَنْ قَالَ: بِعْتُ وَلَدَ وَلَدِ هَذِهِ النَّاقَةِ وَكَذَا بَيْعُ الْحَمْلِ؛ لِأَنَّهُ إنْ بَاعَ الْوَلَدَ فَهُوَ بَيْعُ الْمَعْدُومِ، وَإِنْ بَاعَ الْحَمْلَ فَلَهُ خَطَرُ الْمَعْدُومِ، وَكَذَا بَيْعُ اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ؛ لِأَنَّهُ لَهُ خَطَرٌ لِاحْتِمَالِ انْتِفَاخِ الضَّرْعِ.

، وَكَذَا بَيْعُ الثَّمَرِ، وَالزَّرْعِ قَبْلَ ظُهُورِهِ؛ لِأَنَّهُمَا مَعْدُومٌ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الطُّلُوعِ جَازَ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِمَا إذَا لَمْ يُشْتَرَطْ التَّرْكُ، وَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ قَالَ: لَا يَجُوزُ

<<  <  ج: ص:  >  >>