للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَدَلَالَةُ الْوَصْفِ أَنَّهُ أَقَرَّ بِالنِّكَاحِ وَالْإِقْرَارُ بِالنِّكَاحِ إقْرَارٌ بِمَنَافِعِ الْبُضْعِ وَإِنَّهَا غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ كَانَ الْمَهْرُ لَهَا لَا لِلْأَبِ بِخِلَافِ الْأَمَةِ فَإِنَّ مَنَافِعَ بُضْعِهَا مَمْلُوكَةٌ فَكَانَ ذَلِكَ إقْرَارًا بِمَا مَلَكَ فَأَبُو حَنِيفَةَ اعْتَبَرَ وِلَايَةَ الْعَقْدِ وَمِلْكَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَهُمَا اعْتَبَرَا وِلَايَةَ الْعَقْدِ فَقَطْ - وَاَللَّهُ ﷿ أَعْلَمُ -.

[فَصْلٌ وِلَايَةُ النَّدْبِ وَالِاسْتِحْبَابِ فِي النِّكَاحِ]

(فَصْلٌ) :

وَأَمَّا وِلَايَةُ النَّدْبِ وَالِاسْتِحْبَابِ فَهِيَ: الْوِلَايَةُ عَلَى الْحُرَّةِ الْبَالِغَةِ الْعَاقِلَةِ بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ وَقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلِ، وَفِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَأَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ الْوِلَايَةُ عَلَيْهَا وِلَايَةٌ مُشْتَرَكَةٌ.

وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ هِيَ وِلَايَةٌ مُشْتَرَكَةٌ أَيْضًا لَا فِي الْعِبَارَةِ فَإِنَّهَا لِلْمَوْلَى خَاصَّةً، وَشَرْطُ ثُبُوتِ هَذِهِ الْوِلَايَةِ عَلَى أَصْلِ أَصْحَابِنَا هُوَ رِضَا الْمُوَلَّى عَلَيْهِ لَا غَيْرُ.

وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ هَذَا وَعِبَارَةُ الْوَلِيِّ أَيْضًا، وَعَلَى هَذَا يُبْنَى الْحُرَّةُ الْبَالِغَةُ الْعَاقِلَةُ إذَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْ رَجُلٍ أَوْ وَكَّلَتْ رَجُلًا بِالتَّزْوِيجِ فَتَزَوَّجَهَا أَوْ زَوَّجَهَا فُضُولِيٌّ فَأَجَازَتْ جَازَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ وَأَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلِ سَوَاءً زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْ كُفْءٍ أَوْ غَيْرِ كُفْءٍ بِمَهْرٍ وَافِرٍ أَوْ قَاصِرٍ غَيْرَ أَنَّهَا إذَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ فَلِلْأَوْلِيَاءِ حَقُّ الِاعْتِرَاضِ.

وَكَذَا إذَا زَوَّجَتْ بِمَهْرٍ قَاصِرٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ - فِي مَوْضِعِهَا وَفِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ حَتَّى يُجِيزَهُ الْوَلِيُّ وَالْحَاكِمُ، فَلَا يَحِلُّ لِلزَّوْجِ وَطْؤُهَا قَبْلَ الْإِجَازَةِ وَلَوْ وَطِئَهَا يَكُونُ وَطْئًا حَرَامًا وَلَا يَقَعُ عَلَيْهَا طَلَاقُهُ وَظِهَارُهُ وَإِيلَاؤُهُ، وَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا لَمْ يَرِثْهُ الْآخَرُ سَوَاءً زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْ كُفْءٍ أَوْ غَيْرِ كُفْءٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرُ، رَوَى الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ عَنْهُ.

وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَةٌ أُخْرَى أَنَّهَا إذَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْ كُفْءٍ يَنْفُذُ وَتَثْبُتُ سَائِرُ الْأَحْكَامِ.

وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إذَا كَانَ لِلْمَرْأَةِ وَلِيٌّ لَا يَجُوزُ نِكَاحُهَا إلَّا بِإِذْنِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلِيٌّ جَازَ إنْكَاحُهَا عَلَى نَفْسِهَا.

وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ رَجَعَ إلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ مِثْلُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ نِكَاحُهَا بِدُونِ الْوَلِيِّ إلَّا أَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِعِبَارَتِهَا وَيَنْفُذُ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ وَإِجَازَتِهِ، وَيَنْعَقِدُ بِعِبَارَةِ الْوَلِيِّ وَيَنْفُذُ بِإِذْنِهَا وَإِجَازَتِهَا فَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا عِبَارَةَ لِلنِّسَاءِ فِي بَابِ النِّكَاحِ أَصْلًا حَتَّى لَوْ تَوَكَّلَتْ امْرَأَةٌ بِنِكَاحِ امْرَأَةٍ مِنْ وَلِيِّهَا فَتَزَوَّجَتْ لَمْ يَجُزْ عِنْدَهُ.

وَكَذَا إذَا زَوَّجَتْ بِنْتَهَا بِإِذْنِ الْقَاضِي لَمْ يَجُزْ، احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ﴾ [النور: ٣٢] هَذَا خِطَابٌ لِلْأَوْلِيَاءِ وَالْأَيِّمُ اسْمٌ لِامْرَأَةٍ لَا زَوْجَ لَهَا بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا وَمَتَى ثَبَتَتْ الْوِلَايَةُ عَلَيْهَا كَانَتْ هِيَ مُوَلَّيًا عَلَيْهَا ضَرُورَةً فَلَا تَكُونُ وَالِيَةً وَقَوْلِهِ «لَا يُزَوِّجُ النِّسَاءَ إلَّا الْأَوْلِيَاءُ» وَقَوْلِهِ «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ» لِأَنَّ النِّكَاحَ مِنْ جَانِبِ النِّسَاءِ عَقْدُ إضْرَارٍ بِنَفْسِهِ وَحُكْمِهِ وَثَمَرَتِهِ أَمَّا نَفْسُهُ: فَإِنَّهُ رِقٌّ وَأَسْرٌ قَالَ النَّبِيُّ «النِّكَاحُ رِقٌّ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ أَيْنَ يَضَعُ كَرِيمَتَهُ» وَقَالَ «اتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّهُنَّ عِنْدَكُمْ عَوَانٌ» : أَسِيرَاتٌ وَالْإِرْقَاقُ إضْرَارٌ.

وَأَمَّا حُكْمُهُ: فَإِنَّهُ مِلْكٌ فَالزَّوْجُ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي مَنَافِعِ بُضْعِهَا اسْتِيفَاءً بِالْوَطْءِ وَإِسْقَاطًا بِالطَّلَاقِ، وَيَمْلِكُ حَجْرَهَا عَنْ الْخُرُوجِ وَالْبُرُوزِ وَعَنْ التَّزَوُّجِ بِزَوْجٍ.

وَأَمَّا ثَمَرَتُهُ فَالِاسْتِفْرَاشُ كُرْهًا وَجَبْرًا وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا إضْرَارٌ إلَّا أَنَّهُ قَدْ يَنْقَلِبُ مَصْلَحَةً وَيَنْجَبِرُ مَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ إذَا وَقَعَ وَسِيلَةً إلَى الْمَصَالِحِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ، وَلَا يُسْتَدْرَكُ ذَلِكَ إلَّا بِالرَّأْيِ الْكَامِلِ وَرَأْيُهَا نَاقِصٌ لِنُقْصَانِ عَقْلِهَا فَبَقِيَ النِّكَاحُ مَضَرَّةً فَلَا تَمْلِكُهُ.

وَاحْتَجَّ مُحَمَّدٌ بِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ» وَالْبَاطِلُ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ مَا لَا حُكْمَ لَهُ شَرْعًا كَالْبَيْعِ الْبَاطِلِ وَنَحْوِهِ، وَلِأَنَّ لِلْأَوْلِيَاءِ حَقًّا فِي النِّكَاحِ بِدَلِيلِ أَنَّ لَهُمْ حَقَّ الِاعْتِرَاضِ وَالْفَسْخِ وَمَنْ لَا حَقَّ لَهُ فِي عَقْدٍ كَيْفَ يَمْلِكُ فَسْخَهُ، وَالتَّصَرُّفُ فِي حَقِّ الْإِنْسَانِ يَقِفُ جَوَازُهُ عَلَى جَوَازِ صَاحِبِ الْحَقِّ كَالْأَمَةِ إذَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا.

(وَجْهُ) مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا إذَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْ كُفْءٍ يَنْفُذُ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْأَوْلِيَاءِ فِي النِّكَاحِ مِنْ حَيْثُ صِيَانَتُهُمْ عَمَّا يُوجِبُ لُحُوقَ الْعَارِ وَالشَّيْنِ بِهِمْ بِنِسْبَةِ مَنْ لَا يُكَافِئُهُمْ بِالصِّهْرِيَّةِ إلَيْهِمْ وَقَدْ بَطَلَ هَذَا الْمَعْنَى بِالتَّزْوِيجِ مِنْ كُفْءٍ، يُحَقِّقُهُ أَنَّهَا لَوْ وَجَدَتْ كُفْئًا وَطَلَبَتْ مِنْ الْمَوْلَى الْإِنْكَاحَ مِنْهُ لَا يَحِلُّ لَهُ الِامْتِنَاعُ وَلَوْ امْتَنَعَ يَصِيرُ عَاضِلًا

<<  <  ج: ص:  >  >>