للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِلْمَسْجِدِ، وَحُكْمُ التَّبَعِ حُكْمُ الْأَصْلِ فَكَأَنَّهُ فِي جَوْفِ الْمَسْجِدِ، وَهَذَا إذَا كَانَ لَا يَشْتَبِهُ عَلَيْهِ حَالُ إمَامِهِ، فَإِنْ كَانَ يَشْتَبِهُ لَا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ وُقُوفُهُ مُتَقَدِّمًا عَلَى الْإِمَامِ لَا يُجْزِئْهُ لِانْعِدَامِ مَعْنَى التَّبَعِيَّةِ، كَمَا لَوْ كَانَ فِي جَوْفِ الْمَسْجِدِ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ عَلَى سَطْحٍ بِجَنْبِ الْمَسْجِدِ، مُتَّصِلٍ بِهِ، لَيْسَ بَيْنَهُمَا طَرِيقٌ، فَاقْتَدَى بِهِ - صَحَّ اقْتِدَاؤُهُ عِنْدَنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ مَكَانَ الصَّلَاةِ بِالْجَمَاعَةِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ.

(وَلَنَا) أَنَّ السَّطْحَ إذَا كَانَ مُتَّصِلًا بِسَطْحِ الْمَسْجِدِ كَانَ تَبَعًا لِسَطْحِ الْمَسْجِدِ، وَتَبَعُ سَطْحِ الْمَسْجِدِ فِي حُكْمِ الْمَسْجِدِ، فَكَانَ اقْتِدَاؤُهُ وَهُوَ عَلَيْهِ كَاقْتِدَائِهِ وَهُوَ فِي جَوْفِ الْمَسْجِدِ إذَا كَانَ لَا يَشْتَبِهُ عَلَيْهِ حَالُ الْإِمَامِ.

وَلَوْ اقْتَدَى خَارِجَ الْمَسْجِدِ بِإِمَامٍ فِي الْمَسْجِدِ: إنْ كَانَتْ الصُّفُوفُ مُتَّصِلَةً جَازَ، وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ بِحُكْمِ اتِّصَالِ الصُّفُوفِ يَلْتَحِقُ بِالْمَسْجِدِ هَذَا إذَا كَانَ الْإِمَامُ يُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ، فَأَمَّا إذَا كَانَ يُصَلِّي فِي الصَّحْرَاءِ: فَإِنْ كَانَتْ الْفُرْجَةُ الَّتِي بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْقَوْمِ قَدْرَ الصَّفَّيْنِ فَصَاعِدًا - لَا يَجُوزُ اقْتِدَاؤُهُمْ بِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الطَّرِيقِ الْعَامِّ أَوْ النَّهْرِ الْعَظِيمِ فَيُوجِبُ اخْتِلَافَ الْمَكَانِ وَذُكِرَ فِي الْفَتَاوَى أَنَّهُ سُئِلَ أَبُو نَصْرٍ عَنْ إمَامٍ يُصَلِّي فِي فَلَاةٍ مِنْ الْأَرْضِ كَمْ مِقْدَارُ مَا بَيْنَهُمَا حَتَّى يَمْنَعَ صِحَّةَ الِاقْتِدَاءِ؟ قَالَ إذَا كَانَ مِقْدَارُ مَا لَا يُمْكِنُ أَنْ يَصْطَفَّ فِيهِ جَازَتْ صَلَاتُهُمْ، فَقِيلَ لَهُ: لَوْ صَلَّى فِي مُصَلَّى الْعِيدِ؟ قَالَ: حُكْمُهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ.

وَلَوْ كَانَ الْإِمَامُ يُصَلِّي عَلَى دُكَّانٍ وَالْقَوْمُ أَسْفَلَ مِنْهُ أَوْ عَلَى الْقَلْبِ - جَازَ وَيُكْرَهُ.

(أَمَّا) الْجَوَازُ فَلِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَقْطَعُ التَّبَعِيَّةَ وَلَا يُوجِبُ خَفَاءَ حَالِ الْإِمَامِ، (وَأَمَّا) الْكَرَاهَةُ فَلِشُبْهَةِ اخْتِلَافِ الْمَكَانِ، وَلِمَا يُذْكَرُ فِي بَيَانِ مَا يُكْرَهُ لِلْمُصَلِّي أَنْ يَفْعَلَهُ فِي صَلَاتِهِ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - وَانْفِرَادُ الْمُقْتَدِي خَلْفَ الْإِمَامِ عَنْ الصَّفِّ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الِاقْتِدَاءِ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ.

وَقَالَ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ مِنْهُمْ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَل: يَمْنَعُ، (وَاحْتَجُّوا) بِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «لَا صَلَاةَ لِمُنْفَرِدٍ خَلْفَ الصَّفِّ» ، وَعَنْ وَابِصَةَ أَنَّ «النَّبِيَّ ﷺ رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي فِي حُجْرَةٍ مِنْ الْأَرْضِ فَقَالَ: أَعِدْ صَلَاتَكَ فَإِنَّهُ لَا صَلَاةَ لِمُنْفَرِدٍ خَلْفَ الصَّفِّ» .

(وَلَنَا) مَا رُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ﵁ أَنَّهُ قَالَ: «أَقَامَنِي النَّبِيُّ ﷺ وَالْيَتِيمَ وَرَاءَهُ وَأَقَامَ أُمِّي أُمَّ سُلَيْمٍ وَرَاءَنَا» جَوَّزَ اقْتِدَاءَهَا بِهِ عَنْ انْفِرَادِهَا خَلْفَ الصُّفُوفِ، وَدَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ مُحَاذَاةَ الْمَرْأَةِ مُفْسِدَةٌ صَلَاةَ الرَّجُلِ؛ لِأَنَّهُ أَقَامَهَا خَلْفَهُمَا مَعَ نَهْيِهِ عَنْ الِانْفِرَادِ خَلْفَ الصَّفِّ، فَعُلِمَ أَنَّهُ إنَّمَا فَعَلَ صِيَانَةً لِصَلَاتِهِمَا.

وَرُوِيَ أَنَّ «أَبَا بَكْرَةَ ﵁ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ رَاكِعٌ فَكَبَّرَ وَرَكَعَ وَدَبَّ حَتَّى الْتَحَقَ بِالصُّفُوفِ، فَلَمَّا فَرَغَ النَّبِيُّ مِنْ صَلَاتِهِ قَالَ: زَادَكَ اللَّهُ حِرْصًا وَلَا تَعُدْ أَوْ قَالَ: لَا تَعْدُ» جَوَّزَ اقْتِدَاءَهُ بِهِ خَلْفَ الصَّفِّ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ تَبَيَّنَ أَنَّ مَنْ بِجَنْبِهِ كَانَ مُحْدِثًا تَجُوزُ صَلَاتُهُ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ كَانَ هُوَ مُنْفَرِدًا خَلْفَ الصَّفِّ حَقِيقَةً، وَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى نَفْيِ الْكَمَالِ، وَالْأَمْرُ بِالْإِعَادَةِ شَاذٌّ، وَلَوْ ثَبَتَ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِمَامِ مَا يَمْنَعُ الِاقْتِدَاءَ، وَفِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ قَالَ: فِي حُجْرَةٍ مِنْ الْأَرْضِ، أَيْ نَاحِيَةٍ، لَكِنَّ الْأَوْلَى عِنْدَنَا أَنْ يَلْتَحِقَ بِالصَّفِّ الْأَوَّلِ إنْ وَجَدَ فُرْجَةً ثُمَّ يُكَبِّرُ، وَيُكْرَهُ لَهُ الِانْفِرَادُ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ، وَوَجْهُ الْكَرَاهَةِ نَذْكُرهُ فِي بَيَانِ مَا يُكْرَهُ فِعْلُهُ فِي الصَّلَاةِ.

وَلَوْ انْفَرَدَ ثُمَّ مَشَى لِيَلْحَقَ بِالصَّفِّ ذُكِرَ فِي الْفَتَاوَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ أَنَّهُ إنْ مَشَى فِي صَلَاتِهِ مِقْدَارَ صَفٍّ وَاحِدٍ لَا تَفْسُدُ، وَإِنْ مَشَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَسَدَتْ، وَكَذَلِكَ الْمَسْبُوقُ إذَا قَامَ إلَى قَضَاءِ مَا سُبِقَ بِهِ فَتَقَدَّمَ حَتَّى لَا يَمُرَّ النَّاسُ بَيْنَ يَدَيْهِ أَنَّهُ إنْ مَشَى قَدْرَ صَفٍّ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَسَدَتْ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ فِي الصَّحْرَاءِ وَمَشَى مِقْدَارَ صَفٍّ وَوَقَفَ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ، وَقَدَّرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا بِمَوْضِعِ سُجُودِهِ، وَبَعْضُهُمْ بِمِقْدَارِ الصَّفَّيْنِ، إنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ.

[فَصْلٌ وَاجِبَاتُ الصَّلَاةِ]

(فَصْلٌ) :

وَأَمَّا وَاجِبَاتُهَا فَأَنْوَاعٌ بَعْضُهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ، وَبَعْضُهَا فِي الصَّلَاةِ، وَبَعْضُهَا عِنْدَ الْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ، وَبَعْضُهَا فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ بَعْد الْخُرُوجِ مِنْهَا.

(أَمَّا) الَّذِي قَبْلَ الصَّلَاةِ فَاثْنَانِ: أَحَدُهُمَا - الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ.

وَالْكَلَامُ فِي الْأَذَانِ يَقَعُ فِي مَوَاضِعَ: فِي بَيَانِ وُجُوبِهِ فِي الْجُمْلَةِ، وَفِي بَيَانِ كَيْفِيَّتِهِ، وَفِي بَيَانِ سَبَبِهِ، وَفِي بَيَانِ مَحَلِّ وُجُوبِهِ، وَفِي بَيَانِ وَقْتِهِ، وَفِي بَيَانِ مَا يَجِبُ عَلَى السَّامِعِينَ عِنْدَ سَمَاعِهِ.

(وَأَمَّا) الْأَوَّلُ فَقَدْ ذَكَر مُحَمَّدٌ مَا يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ فَإِنَّهُ قَالَ: إنَّ أَهْلَ بَلْدَةٍ لَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى تَرْكِ الْأَذَانِ لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَيْهِ، وَلَوْ تَرَكَهُ وَاحِدٌ ضَرَبْتُهُ وَحَبَسْتُهُ، وَإِنَّمَا يُقَاتَلُ وَيُضْرَبُ

<<  <  ج: ص:  >  >>