ثَابِتٌ بِاتِّفَاقِ الْأَخْبَارِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ فَلَا يَجُوزُ إسْقَاطُهُ إلَّا بِمِثْلِهِ.
وَبَعْدَ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ اخْتَلَفَتْ الْآثَارُ فَلَا يَجُوزُ إسْقَاطُ ذَلِكَ الْوَاجِبِ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْآثَارِ بَلْ يُعْمَلُ بِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ وَيُحْمَلُ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ ﵄ عَلَى الزِّيَادَةِ الْكَثِيرَةِ حَتَّى تَبْلُغَ مِائَتَيْنِ وَبِهِ نَقُولُ: إنَّ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: إنَّ الْوَاجِبَ فِي كُلِّ مَالٍ مِنْ جِنْسِهِ فَنَعَمْ إذَا احْتَمَلَ ذَلِكَ فَلِمَ قُلْتُمْ: إنَّ الزِّيَادَةَ تَحْتَمِلُ الْوَاجِبَ مِنْ الْجِنْسِ فَإِنَّ الزِّيَادَةَ لَا يُمْكِنُ إلْحَاقُهَا بِالْمِائَةِ وَالْعِشْرِينَ لِبَقَاءِ الْحِقَّتَيْنِ فِيهَا كَمَا كَانَتْ، وَمَعَ بَقَاءِ الْحِقَّتَيْنِ فِيهَا عَلَى حَالِهِمَا لَا يُمْكِنُ الْبِنَاءُ فَلَا تَكُونُ الزِّيَادَةُ مَعَ بَقَاءِ الْحِقَّتَيْنِ بَعْدُ مُحْتَمِلَةً لِلْإِيجَابِ مِنْ جِنْسِهِ، فَلِهَذَا صِرْنَا إلَى إيجَابِ الْقِيمَةِ فِيهَا كَمَا فِي الِابْتِدَاءِ حَتَّى أَنَّهُ لَمَّا كَانَ أَمْكَنَ الْبِنَاءُ مَعَ بَقَاءِ الْحِقَّتَيْنِ بَعْدَ مِائَةٍ وَخَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ بَنَيْنَا فَنَقْلنَا مِنْ بَنَاتِ الْمَخَاضِ إلَى الْحِقَّةِ إذَا بَلَغَتْ مِائَةً وَخَمْسِينَ فَلِأَنَّهَا ثَلَاثُ مَرَّاتٍ خَمْسِينَ فَيُوجِبُ مِنْ كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَصْلٌ نِصَابُ الْبَقَرِ]
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا نِصَابُ الْبَقَرِ فَلَيْسَ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثِينَ بَقَرًا زَكَاةٌ، وَفِي كُلِّ ثَلَاثِينَ مِنْهَا تَبِيعٌ أَوْ تَبِيعَةٌ وَلَا شَيْءَ فِي الزِّيَادَةِ إلَى تِسْعٍ وَثَلَاثِينَ فَإِذَا بَلَغَتْ أَرْبَعِينَ فَفِيهَا مُسِنَّةٌ وَهَذَا مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الْأُمَّةِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ لِمُعَاذٍ حِينَ بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ: «فِي كُلِّ ثَلَاثِينَ مِنْ الْبَقَرِ تَبِيعٌ أَوْ تَبِيعَةٌ وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةٌ» .
فَأَمَّا إذَا زَادَتْ عَلَى الْأَرْبَعِينَ فَقَدْ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِيهِ ذُكِرَ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ وَمَا زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِينَ فَفِي الزِّيَادَةِ بِحِسَابِ ذَلِكَ وَلَمْ يُفَسَّرْ هَذَا الْكَلَامُ، وَذُكِرَ فِي كِتَابِ اخْتِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى إذَا كَانَ لَهُ إحْدَى وَأَرْبَعِينَ بَقَرَةً قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: عَلَيْهِ مُسِنَّةٌ وَرُبُعُ عُشْرِ مُسِنَّةٍ، أَوْ ثُلُثُ عُشْرِ تَبِيعٍ.
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا نِصَابَ عِنْدَهُ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى الْأَرْبَعِينَ، وَأَنَّهُ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ قَلَّ أَوْ كَثُرَ بِحِسَابِ ذَلِكَ.
وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي الزِّيَادَةِ شَيْءٌ حَتَّى تَبْلُغَ خَمْسِينَ فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسِينَ فَفِيهَا مُسِنَّةٌ وَرُبُعُ مُسِنَّةٍ أَوْ ثُلُثُ تَبِيعٍ.
وَرَوَى أَسَدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ فِي الزِّيَادَةِ شَيْءٌ حَتَّى تَكُونَ سِتِّينَ فَإِذَا كَانَتْ سِتِّينَ فَفِيهَا تَبِيعَانِ أَوْ تَبِيعَتَانِ.
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ، فَإِذَا زَادَ عَلَى السِّتِّينَ يُدَارُ الْحِسَابُ عَلَى الثَّلَاثِينَاتِ وَالْأَرْبَعِينَات فِي النُّصُبِ وَعَلَى الْأَتْبِعَةِ وَالْمُسِنَّاتِ فِي الْوَاجِبِ، وَيُجْعَلُ تِسْعَةٌ بَيْنَهُمَا عَفْوًا بِلَا خِلَافٍ فَيَجِبُ فِي كُلِّ ثَلَاثِينَ تَبِيعٌ أَوْ تَبِيعَةٌ، وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةٌ فَإِذَا كَانَتْ سَبْعِينَ فَفِيهَا مُسِنَّةٌ وَتَبِيعٌ، وَفِي ثَمَانِينَ مُسِنَّتَانِ، وَفِي تِسْعِينَ ثَلَاثَةُ أَتْبِعَةٍ، وَفِي مِائَةٍ مُسِنَّةٌ وَتَبِيعَانِ، وَفِي مِائَةٍ وَعَشْرَةَ مُسِنَّتَانِ وَتَبِيعٌ، وَفِي مِائَةٍ وَعِشْرِينَ ثَلَاثُ مُسِنَّاتٍ وَأَرْبَعَةُ أَتْبِعَةٍ فَإِنَّهَا ثَلَاثُ مَرَّاتٍ أَرْبَعِينَ وَأَرْبَعُ مَرَّاتٍ ثَلَاثِينَ.
وَعَلَى هَذَا الِاعْتِبَارِ يُدَارُ الْحِسَابِ.
وَجْهُ رِوَايَةِ الْأَصْلِ أَنَّ إثْبَاتَ الْوَقَصِ وَالنِّصَابِ بِالرَّأْيِ لَا سَبِيلَ إلَيْهِ وَإِنَّمَا طَرِيقُ مَعْرِفَتِهِ النَّصُّ وَلَا نَصَّ فِيمَا بَيْنَ الْأَرْبَعِينَ إلَى السِّتِّينَ فَلَا سَبِيلَ إلَى إخْلَاءِ مَالِ الزَّكَاةِ عَنْ الزَّكَاةِ، فَأَوْجَبْنَا فِيمَا زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِينَ بِحِسَابِ مَا سَبَقَ.
وَجْهُ رِوَايَةِ الْحَسَنِ أَنَّ الْأَوْقَاصَ فِي الْبَقَرِ تِسْعٌ تِسْعٌ بِدَلِيلِ مَا قَبْلَ الْأَرْبَعِينَ وَمَا بَعْدَ السِّتِّينَ، فَكَذَلِكَ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مُلْحَقٌ بِمَا قَبْلَهُ أَوْ بِمَا بَعْدَهُ فَتُجْعَلُ التِّسْعَةُ عَفْوًا فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسِينَ فَفِيهَا مُسِنَّةٌ وَرُبُعُ مُسِنَّةٍ أَوْ ثُلُثُ تَبِيعٍ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَشْرَةٌ وَهِيَ ثُلُثٌ وَثَلَاثِينَ وَرُبُعُ أَرْبَعِينَ.
وَجْهُ رِوَايَةِ أَسَدِ بْنِ عَمْرٍو وَهِيَ أَعْدَلُ الرِّوَايَاتِ مَا رُوِيَ فِي حَدِيثِ مُعَاذٍ ﵁ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ لَهُ: «لَا تَأْخُذْ مِنْ أَوْقَاصِ الْبَقَرِ شَيْئًا» وَفَسَّرَ مُعَاذٌ الْوَقَصَ بِمَا بَيْنَ الْأَرْبَعِينَ إلَى السِّتِّينَ حَتَّى قِيلَ لَهُ: مَا تَقُولُ فِيمَا بَيْنَ الْأَرْبَعِينَ إلَى السِّتِّينَ؟ فَقَالَ: تِلْكَ الْأَوْقَاصُ لَا شَيْءَ فِيهَا وَلِأَنَّ مَبْنَى زَكَاةِ السَّائِمَةِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِيهَا الْأَشْقَاصُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ؛ وَلِهَذَا وَجَبَ فِي الْإِبِلِ عِنْدَ قِلَّةِ الْعَدَدِ مِنْ خِلَافِ الْجِنْسِ تَحَرُّزًا عَنْ إيجَابِ الشِّقْصِ، فَكَذَلِكَ فِي زَكَاةِ الْبَقَرِ لَا يَجُوزُ إيجَابُ الشِّقْصِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَصْلٌ نِصَابُ الْغَنَمِ]
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا نِصَابُ الْغَنَمِ فَلَيْسَ فِي أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِينَ مِنْ الْغَنَمِ زَكَاةٌ، فَإِذَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ فَفِيهَا شَاةٌ إلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ، فَإِذَا كَانَتْ مِائَةً وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ فَفِيهَا شَاتَانِ إلَى مِائَتَيْنِ، فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةٌ فَفِيهَا ثَلَاثُ شِيَاهٍ إلَى أَرْبَعِمِائَةٍ، فَإِذَا كَانَتْ أَرْبَعُمِائَةٍ فَفِيهَا أَرْبَعُ شِيَاهٍ ثُمَّ فِي كُلِّ مِائَةٍ شَاةٌ، وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ.
وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ إذَا زَادَتْ عَلَى ثَلَاثِمِائَةٍ وَاحِدَةٌ فَفِيهَا أَرْبَعُ شِيَاهٍ وَفِي أَرْبَعِمِائَةٍ خَمْسُ شِيَاهٍ وَالصَّحِيحُ قَوْلُ الْعَامَّةِ؛ لِمَا رُوِيَ فِي