حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ ﵁ كَتَبَ لَهُ كِتَابَ الصَّدَقَاتِ الَّذِي كَتَبَهُ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَفِيهِ «وَفِي أَرْبَعِينَ مِنْ الْغَنَمِ شَاةٌ، وَفِي مِائَةٍ وَوَاحِدَةٍ وَعِشْرِينَ شَاتَانِ، وَفِي مِائَتَيْنِ وَوَاحِدَةٍ ثَلَاثُ شِيَاهٍ إلَى أَرْبَعِمِائَةٍ فَفِيهَا أَرْبَعُ شِيَاهٍ» .
وَطَرِيقُ مَعْرِفَةِ النُّصُبِ التَّوْقِيفُ دُونَ الرَّأْيِ وَالِاجْتِهَادِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا إذَا كَانَتْ السَّوَائِمُ لِوَاحِدٍ، فَأَمَّا إذَا كَانَتْ مُشْتَرَكَةً بَيْنَ اثْنَيْنِ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ.
قَالَ أَصْحَابُنَا: إنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي حَالِ الشَّرِكَةِ مَا يُعْتَبَرُ فِي حَالِ الِانْفِرَادِ وَهُوَ كَمَالُ النِّصَابِ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَإِنْ كَانَ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَبْلُغُ نِصَابًا تَجِبُ الزَّكَاةُ وَإِلَّا فَلَا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إذَا كَانَتْ أَسْبَابُ الْإِسَامَةِ مُتَّحِدَةً وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الرَّاعِي وَالْمَرْعَى وَالْمَاءُ وَالْمُرَاحُ وَالْكَلْبُ وَاحِدًا، وَالشَّرِيكَانِ مِنْ أَهْلِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ عَلَيْهِمَا يُجْعَلُ مَالُهُمَا كَمَالٍ وَاحِدٍ، وَتَجِبُ عَلَيْهِمَا الزَّكَاةُ وَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَوْ انْفَرَدَ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ.
وَاحْتَجَّ بِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ «لَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ، وَمَا كَانَ بَيْنَ خَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بِالسَّوِيَّةِ» فَقَدْ اعْتَبَرَ النَّبِيُّ ﷺ الْجَمْعَ وَالتَّفْرِيقَ حَيْثُ نَهَى عَنْ جَمْعِ الْمُتَفَرِّقِ وَتَفْرِيقِ الْمُجْتَمِعِ، وَفِي اعْتِبَارِ حَالِ الْجَمْعِ بِحَالِ الِانْفِرَادِ فِي اشْتِرَاطِ النِّصَابِ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ إبْطَالُ مَعْنَى الْجَمْعِ وَتَفْرِيقِ الْمُجْتَمَعِ.
(وَلَنَا) مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «لَيْسَ فِي سَائِمَةِ الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ إذَا كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِينَ صَدَقَةٌ» نَفَى وُجُوبَ الزَّكَاةِ فِي أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِينَ مُطْلَقًا عَنْ حَالِ الشَّرِكَةِ وَالِانْفِرَادِ، فَدَلَّ أَنَّ كَمَالَ النِّصَابِ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَرْطُ الْوُجُوبِ.
وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَقَوْلُهُ: ﷺ " لَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ " وَدَلِيلُنَا أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ التَّفَرُّقُ فِي الْمِلْكِ لَا فِي الْمَكَانِ؛ لِإِجْمَاعِنَا عَلَى أَنَّ النِّصَابَ الْوَاحِدَ إذَا كَانَ فِي مَكَانَيْنِ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِ فَكَانَ الْمُرَادُ مِنْهُ التَّفَرُّقُ فِي الْمِلْكِ، وَمَعْنَاهُ إذَا كَانَ الْمِلْكُ مُتَفَرِّقًا لَا يُجْمَعُ فَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ لِوَاحِدٍ لِأَجْلِ الصَّدَقَةِ كَخَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثِينَ مِنْ الْبَقَرِ أَوْ أَرْبَعِينَ مِنْ الْغَنَمِ حَالَ عَلَيْهِمَا الْحَوْلُ وَأَرَادَ الْمُصْدِقُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا الصَّدَقَةَ وَيَجْمَعَ بَيْنَ الْمِلْكَيْنِ وَيَجْعَلَهُمَا كَمِلْكٍ وَاحِدٍ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ.
وَكَثَمَانِينَ مِنْ الْغَنَمِ بَيْنَ اثْنَيْنِ حَالَ عَلَيْهِمَا الْحَوْلُ أَنَّهُ يَجِبُ فِيهَا شَاتَانِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَاةٌ.
وَلَوْ أَرَادَا أَنْ يَجْمَعَا بَيْنَ الْمِلْكَيْنِ فَيَجْعَلَاهُمَا مِلْكًا وَاحِدًا خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ فَيُعْطِيَا الْمُصْدِقَ شَاةً وَاحِدَةً لَيْسَ لَهُمَا ذَلِكَ لِتَفَرُّقِ مِلْكَيْهِمَا فَلَا يَمْلِكَانِ الْجَمْعَ لِأَجْلِ الزَّكَاةِ.
وَقَوْلُهُ " وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ " أَيْ فِي الْمِلْكِ كَرَجُلٍ لَهُ ثَمَانُونَ مِنْ الْغَنَمِ فِي مَرْعَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ شَاةٌ وَاحِدَةٌ.
وَلَوْ أَرَادَ الْمُصْدِقُ أَنْ يُفَرِّقَ الْمُجْتَمِعَ فَيَجْعَلَهَا كَأَنَّهَا لِرَجُلَيْنِ فَيَأْخُذَ مِنْهَا شَاتَيْنِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ مُجْتَمِعٌ فَلَا يَمْلِكُ تَفْرِيقَهُ.
وَكَذَا لَوْ كَانَ لَهُ أَرْبَعُونَ مِنْ الْغَنَمِ فِي مَرْعَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ مُجْتَمِعٌ فَلَا يُجْعَلُ كَالْمُتَفَرِّقِينَ فِي الْمِلْكِ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ، أَوْ يَحْتَمِلُ مَا قُلْنَا فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ عَمَلًا بِالدَّلِيلَيْنِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ.
وَبَيَانُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ إذَا كَانَ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ بَيْنَ اثْنَيْنِ حَالَ عَلَيْهِمَا الْحَوْلُ لَا زَكَاةَ فِيهَا عَلَى أَحَدِهِمَا عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ نِصَابَهُ نَاقِصٌ وَعِنْدَهُ يَجِبُ عَلَيْهِمَا شَاةٌ.
وَلَوْ كَانَتْ الْإِبِلُ عَشْرًا فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَاةٌ بِلَا خِلَافٍ لِكَمَالِ نِصَابِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا.
وَكَذَا لَوْ كَانَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ ثَلَاثُ شِيَاهٍ، وَلَوْ كَانَتْ عِشْرِينَ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَاتَانِ؛ لِأَنَّ نِصَابَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَامِلٌ، وَلَوْ كَانَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ فَكَذَلِكَ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ يَجِبُ عَلَيْهِمَا بِنْتُ مَخَاضٍ، وَلَوْ كَانَ النِّصَابُ ثَلَاثِينَ مِنْ الْبَقَرِ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ يَجِبُ فِيهَا تَبِيعٌ عَلَيْهِمَا، وَلَوْ كَانَتْ سِتِّينَ فَفِيهَا تَبِيعَانِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَبِيعٌ بِلَا خِلَافٍ.
وَكَذَلِكَ أَرْبَعُونَ مِنْ الْغَنَمِ بَيْنَ اثْنَيْنِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ شَاةٌ وَاحِدَةٌ عَلَيْهِمَا، وَلَوْ كَانَتْ ثَمَانِينَ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَاةٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ عَلَيْهِمَا شَاةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَوْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَجُلٍ شَاةٌ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ رَجُلٍ آخَرَ تَمَامُ ثَمَانِينَ وَذَلِكَ تِسْعَةٌ وَسَبْعُونَ شَاةً ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ الْكَرْخِيِّ أَنَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ، وَعَلَى قَوْلِ زُفَرَ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ.
وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ الطَّحَاوِيِّ أَنَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الثَّمَانُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ: عَلَيْهِ الزَّكَاةُ كَمَا إذَا كَانَ الثَّمَانُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَجُلٍ وَاحِدٍ.
وَجْهُ قَوْلِ مَنْ قَالَ بِالْوُجُوبِ أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ عِنْدَ كَمَالِ النِّصَابِ، وَفِي مِلْكِهِ نِصَابٌ كَامِلٌ فَتَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ كَمَا لَوْ كَانَتْ مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَجُلٍ وَاحِدٍ.
وَجْهُ قَوْلِ مَنْ قَالَ لَا يَجِبُ أَنَّهُ لَوْ قَسَمَ لَا يُصِيبُهُ نِصَابٌ كَامِلٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ مِنْ شَاةٍ