يَنْقَسِمْ بَقِيَتْ حِصَّةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الثَّمَنِ مَجْهُولَةً، وَجَهَالَةُ الثَّمَنِ تَمْنَعُ صِحَّةَ الْبَيْعِ، هَذَا إذَا لَمْ يُبَيِّنْ الْبَائِعُ حِصَّةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَبْدَيْنِ بِأَنْ قَالَ: بِعْتُ مِنْكَ هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، فَأَمَّا إذَا بَيَّنَ بِأَنْ قَالَ: بِعْتُ مِنْكَ هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ هَذَا بِأَلْفٍ، وَهَذَا بِخَمْسِمِائَةٍ، فَقَبِلَ الْمُشْتَرِي فِي أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ؛ جَازَ الْبَيْعُ لِانْعِدَامِ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ مِنْ الْمُشْتَرِي، بَلْ الْبَائِعُ هُوَ الَّذِي فَرَّقَ الصَّفْقَةَ حَيْثُ سَمَّى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَمَنًا عَلَى حِدَةٍ وَعُلِمَ أَنَّهُ لَا ضَرَرَ لَهُ فِيهِ، وَلَوْ كَانَ فَهُوَ ضَرَرٌ مَرْضِيٌّ بِهِ، وَأَنَّهُ غَيْرُ مَدْفُوعٍ، وَكَذَا إذَا أَوْجَبَ الْبَيْعَ فِي شَيْءٍ بِأَلْفٍ فَقَبِلَ فِيهِ بِخَمْسِمِائَةٍ لَا يَنْعَقِدُ، وَكَذَا لَوْ أَوْجَبَ بِجِنْسِ ثَمَنٍ فَقَبِلَ بِجِنْسٍ آخَرَ، إلَّا إذَا رَضِيَ الْبَائِعُ بِهِ فِي الْمَجْلِسِ وَعَلَى هَذَا إذَا خَاطَبَ الْبَائِعُ رَجُلَيْنِ فَقَالَ: بِعْتُكُمَا هَذَا الْعَبْدَ، أَوْ هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ، فَقَبِلَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ، لَا يَنْعَقِدُ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْإِيجَابَ فِي الْعَبْدَيْنِ أَوْ عَبْدٍ وَاحِدٍ إلَيْهِمَا جَمِيعًا فَلَا يَصْلُحُ جَوَابُ أَحَدِهِمَا جَوَابًا لِلْإِيجَابِ، وَكَذَا لَوْ خَاطَبَ الْمُشْتَرِي رَجُلَيْنِ فَقَالَ: اشْتَرَيْتُ مِنْكُمَا هَذَا الْعَبْدَ بِكَذَا، فَأَوْجَبَ فِي أَحَدِهِمَا لَمْ يَنْعَقِدْ لِمَا قُلْنَا.
[فَصْلٌ فِي الشَّرْط الَّذِي يَرْجِعُ إلَى مَكَانِ الْعَقْدِ]
(فَصْلٌ) :
فِي الشَّرْطِ الَّذِي يَرْجِعُ إلَى مَكَانِ الْعَقْدِ وَأَمَّا الَّذِي يَرْجِعُ إلَى مَكَانِ الْعَقْدِ فَوَاحِدٌ وَهُوَ اتِّحَادُ الْمَجْلِسِ.
بِأَنْ كَانَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، فَإِنْ اخْتَلَفَ الْمَجْلِسُ لَا يَنْعَقِدْ حَتَّى لَوْ أَوْجَبَ أَحَدُهُمَا الْبَيْعَ فَقَامَ الْآخَرُ عَنْ الْمَجْلِسِ قَبْلَ الْقَبُولِ أَوْ اشْتَغَلَ بِعَمَلٍ آخَرَ يُوجِبُ اخْتِلَافَ الْمَجْلِسِ ثُمَّ قَبِلَ لَا يَنْعَقِدُ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ أَنْ لَا يَتَأَخَّرَ أَحَدُ الشَّطْرَيْنِ عَنْ الْآخَرِ فِي الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّهُ كَمَا وُجِدَ أَحَدُهُمَا انْعَدَمَ فِي الثَّانِي مِنْ زَمَانِ وُجُودِهِ فَوُجِدَ الثَّانِي، وَالْأَوَّلُ مُنْعَدِمٌ فَلَا يَنْتَظِمُ الرُّكْنُ إلَّا أَنَّ اعْتِبَارَ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى انْسِدَادِ بَابِ الْبَيْعِ فَتَوَقَّفَ أَحَدُ الشَّطْرَيْنِ عَلَى الْآخَرِ حُكْمًا وَجُعِلَ الْمَجْلِسُ جَامِعًا لِلشَّطْرَيْنِ مَعَ تَفَرُّقِهِمَا لِلضَّرُورَةِ، وَحَقُّ الضَّرُورَةِ يَصِيرُ مَقْضِيًّا عِنْدَ اتِّحَادِ الْمَجْلِسِ، فَإِذَا اخْتَلَفَ لَا يَتَوَقَّفُ، وَهَذَا عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ ﵀ الْفَوْرُ مَعَ ذَلِكَ شَرْطٌ لَا يَنْعَقِدُ الرُّكْنُ بِدُونِهِ.
(وَجْهُ) قَوْلِهِ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْقِيَاسَ أَنْ لَا يَتَأَخَّرَ أَحَدُ الشَّطْرَيْنِ عَنْ الْآخَرِ، وَالتَّأْخِيرُ لِمَكَانِ الضَّرُورَةِ، وَأَنَّهَا تَنْدَفِعُ بِالْفَوْرِ.
(وَلَنَا) أَنَّ فِي تَرْكِ اعْتِبَارِ الْفَوْرِ ضَرُورَةً؛ لِأَنَّ الْقَابِلَ يَحْتَاجُ إلَى التَّأَمُّلِ، وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى الْفَوْرِ لَا يُمْكِنُهُ التَّأَمُّلُ، وَعَلَى هَذَا إذَا تَبَايَعَا وَهُمَا يَمْشِيَانِ أَوْ يَسِيرَانِ عَلَى دَابَّتَيْنِ أَوْ دَابَّةٍ وَاحِدَةٍ فِي مَحْمِلٍ وَاحِدٍ، فَإِنْ خَرَجَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ مِنْهُمَا مُتَّصِلَيْنِ انْعَقَدَ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا فَصْلٌ وَسُكُوتٌ وَإِنْ قَلَّ لَا يَنْعَقِدُ؛ لِأَنَّ الْمَجْلِسَ تَبَدَّلَ بِالْمَشْيِ وَالسَّيْرِ وَإِنْ قَلَّ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَرَأَ آيَةَ سَجْدَةٍ وَهُوَ يَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ، أَوْ يَسِيرُ عَلَى دَابَّةٍ لَا يُصَلَّى عَلَيْهَا مِرَارًا يَلْزَمُهُ لِكُلِّ قِرَاءَةٍ سَجْدَةٌ؟ ، وَكَذَا لَوْ خَيَّرَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ تَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ أَوْ تَسِيرُ عَلَى دَابَّةٍ لَا يُصَلَّى عَلَيْهَا فَمَشَتْ أَوْ سَارَتْ؛ يَبْطُلُ خِيَارُهَا لِتَبَدُّلِ الْمَجْلِسِ وَإِنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا مُتَّصِلًا بِتَخْيِيرِ الزَّوْجِ صَحَّ اخْتِيَارُهَا؛ لِأَنَّ الْمَجْلِسَ لَمْ يَتَبَدَّلْ فَكَذَا هَهُنَا، وَلَوْ تَبَايَعَا وَهُمَا وَاقِفَانِ انْعَقَدَ لِاتِّحَادِ الْمَجْلِسِ وَلَوْ أَوْجَبَ أَحَدُهُمَا وَهُمَا وَاقِفَانِ فَسَارَ الْآخَرُ قَبْلَ الْقَبُولِ أَوْ سَارَا جَمِيعًا ثُمَّ قَبِلَ لَا يَنْعَقِدُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا سَارَا وَسَارَا فَقَدْ تَبَدَّلَ الْمَجْلِسُ قَبْلَ الْقَبُولِ، فَلَمْ يَجْتَمِعْ الشَّطْرَانِ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، وَلَوْ وَقَفَا فَخَيَّرَ امْرَأَتَهُ، ثُمَّ سَارَ الزَّوْجُ وَهِيَ وَاقِفَةٌ فَالْخِيَارُ فِي يَدِهَا، وَلَوْ سَارَتْ هِيَ وَالزَّوْجُ وَاقِفٌ؛ بَطَلَ خِيَارُهَا، فَالْعِبْرَةُ لِمَجْلِسِهَا لَا لِمَجْلِسِ الزَّوْجِ.
وَفِي بَابِ الْبَيْعِ يُعْتَبَرُ مَجْلِسُهُمَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّ التَّخْيِيرَ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ لَازِمٌ، أَلَا تَرَى: أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ عَنْهُ، فَلَا يَبْطُلُ بِالْإِعْرَاضِ وَأَحَدُ الشَّطْرَيْنِ فِي بَابِ الْبَيْعِ لَا يَلْزَمُ قَبْلَ قَبُولِ الْآخَرِ، فَاحْتُمِلَ الْبُطْلَانُ بِالْإِعْرَاضِ، وَلَوْ تَبَايَعَا وَهُمَا فِي سَفِينَةٍ؛ يَنْعَقِدُ سَوَاءٌ كَانَتْ وَاقِفَةً أَوْ جَارِيَةً، خَرَجَ الشَّطْرَانِ مُتَّصِلَيْنِ أَوْ مُنْفَصِلَيْنِ، بِخِلَافِ الْمَشْيِ عَلَى الْأَرْضِ وَالسَّيْرِ عَلَى الدَّابَّةِ؛ لِأَنَّ جَرَيَانَ السَّفِينَةِ بِجَرَيَانِ الْمَاءِ لَا بِإِجْرَائِهِ أَلَا تَرَى: أَنَّ رَاكِبَ السَّفِينَةِ لَا يَمْلِكُ، وَقْفَهَا، فَلَمْ يَكُنْ جَرَيَانُهَا مُضَافًا إلَيْهِ، فَلَمْ يَخْتَلِفْ الْمَجْلِسُ فَأَشْبَهَ الْبَيْتَ، بِخِلَافِ الْمَشْيِ، وَالسَّيْرِ، أَمَّا الْمَشْيُ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَهُ، وَكَذَا سَيْرُ الدَّابَّةِ مُضَافٌ إلَيْهِ أَلَا تَرَى: أَنَّهُ لَوْ سَيَّرَهَا سَارَتْ، وَلَوْ، وَقَفَهَا، وَقَفَتْ فَاخْتَلَفَ الْمَجْلِسُ بِسَيْرِهَا، وَلِهَذَا لَوْ كَرَّرَ آيَةَ السَّجْدَةِ فِي السَّفِينَةِ، وَهِيَ جَارِيَةٌ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا سَجْدَةٌ، وَاحِدَةٌ كَمَا لَوْ كَرَّرَهَا فِي بَيْتٍ، وَاحِدٍ.
وَكَذَا لَوْ خَيَّرَ امْرَأَتَهُ فِي السَّفِينَةِ، وَهِيَ جَارِيَةٌ فَهِيَ عَلَى خِيَارِهَا مَا لَمْ يُوجَدْ مِنْهَا دَلِيلُ الْإِعْرَاضِ، وَعَلَى هَذَا إذَا أَوْجَبَ أَحَدُهُمَا الْبَيْعَ، وَالْآخَرُ غَائِبٌ فَبَلَغَهُ فَقَبِلَ لَا يَنْعَقِدُ بِأَنْ قَالَ: بِعْتُ عَبْدِي هَذَا مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ بِكَذَا فَبَلَغَهُ فَقَبِلَ، وَلَوْ قَبِلَ عَنْهُ قَابِلٌ يَنْعَقِدُ، وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ أَحَدَ الشَّطْرَيْنِ مِنْ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ فِي بَابِ الْبَيْعِ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْآخَرِ فِي الْمَجْلِسِ، وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الشَّطْرِ الْآخَرِ مِنْ الْعَاقِدِ الْآخَرِ فِيمَا، وَرَاءَ الْمَجْلِسِ بِالْإِجْمَاعِ، إلَّا إذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute