للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْعَمَّاتِ وَإِنْ تَسَاوَيْنَ فِي الْقُرْبِ؛ لِأَنَّ الْخَالَاتِ يُدْلِينَ بِقَرَابَةِ الْأُمِّ فَكُنَّ أَشْفَقَ، وَأَوْلَى الْخَالَاتِ الْخَالَةُ لِأَبٍ وَأُمٍّ؛ لِأَنَّهَا تُدْلِي بِقَرَابَتَيْنِ ثُمَّ الْخَالَةُ لِأُمٍّ لِإِدْلَائِهَا بِقَرَابَةِ الْأُمِّ ثُمَّ الْخَالَةُ لِأَبٍ ثُمَّ الْعَمَّاتُ، وَذَكَرَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ أَنَّ أُمَّ الْأَبِ أَوْلَى مِنْ الْخَالَةِ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ زُفَرُ: الْخَالَةُ أَوْلَى، وَجْهُ قَوْلِ زُفَرَ قَوْلُ النَّبِيِّ «الْخَالَةُ وَالِدَةٌ» وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ أُمَّ الْأَبِ لَهَا أَوْلَادٌ وَالْوِلَايَةُ فِي الْأَصْلِ مُسْتَفَادَةٌ بِالْوِلَادِ، وَأَوْلَى الْعَمَّاتِ الْعَمَّةُ لِأَبٍ وَأُمٍّ؛ لِأَنَّهَا تُدْلِي بِقَرَابَتَيْنِ ثُمَّ الْعَمَّةُ لِأُمٍّ لِاتِّصَالِهَا بِجِهَةِ الْأُمِّ ثُمَّ الْعَمَّةُ لِأَبٍ.

وَأَمَّا بَنَاتُ الْعَمِّ وَالْخَالِ وَالْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ فَلَا حَقَّ لَهُنَّ فِي الْحَضَانَةِ لِعَدَمِ الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَمِنْهَا أَنْ لَا تَكُونَ ذَاتَ زَوْجٍ أَجْنَبِيٍّ مِنْ الصَّغِيرِ فَإِنْ كَانَتْ فَلَا حَقَّ لَهَا فِي الْحَضَانَةِ، وَأَصْلُهُ مَا رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ ابْنِي هَذَا كَانَ بَطْنِي لَهُ وِعَاءً وَحِجْرِي لَهُ حِوَاءً وَثَدْيِي لَهُ سِقَاءً وَيَزْعُمُ أَبُوهُ أَنْ يَنْزِعَهُ مِنِّي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ «أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مِنْهُ مَا لَمْ تَنْكِحِي» .

وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ: طَلَّقَ عُمَرُ أُمَّ ابْنِهِ عَاصِمٍ فَلَقِيَهَا وَمَعَهَا الصَّبِيُّ فَنَازَعَهَا وَارْتَفَعَا إلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فَقَضَى أَبُو بَكْرٍ بِعَاصِمِ بْنِ عُمَرَ لِأُمِّهِ مَا لَمْ يَشِبَّ أَوْ تَتَزَوَّجْ وَقَالَ: إنَّ رِيحَهَا وَفِرَاشَهَا خَيْرٌ لَهُ حَتَّى يَشِبَّ أَوْ تَتَزَوَّجَ، وَذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلِأَنَّ الصَّغِيرَ يَلْحَقُهُ الْجَفَاءُ وَالْمَذَلَّةُ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ؛ لِأَنَّهُ يَبْغَضُهُ لِغَيْرَتِهِ وَيَنْظُرُ إلَيْهِ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنْ الْمَوْتِ وَيُقَتِّرُ عَلَيْهِ النَّفَقَةَ فَيَتَضَرَّرُ بِهِ حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَتْ بِذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الصَّبِيِّ لَا يَسْقُطُ حَقُّهَا فِي الْحَضَانَةِ كَالْجَدَّةِ إذَا تَزَوَّجَتْ بِجَدِّ الصَّبِيِّ أَوْ الْأُمِّ تَزَوَّجَتْ بِعَمِّ الصَّبِيِّ أَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ الْجَفَاءُ مِنْهُمَا لِوُجُودِ الْمَانِعِ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ الْقَرَابَةُ الْبَاعِثَةُ عَلَى الشَّفَقَةِ، وَلَوْ مَاتَ عَنْهَا زَوْجُهَا أَوْ أَبَانَهَا عَادَ حَقُّهَا فِي الْحَضَانَةِ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ قَدْ زَالَ فَيَزُولُ الْمَنْعُ وَيَعُودُ حَقُّهَا وَتَكُونُ هِيَ أَوْلَى مِمَّنْ هِيَ أَبْعَدُ مِنْهَا كَمَا كَانَتْ، وَمِنْهَا: عَدَمُ رِدَّتِهَا حَتَّى لَوْ ارْتَدَّتْ عَنْ الْإِسْلَامِ بَطَلَ حَقُّهَا فِي الْحَضَانَةِ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّةَ تُحْبَسُ فَيَتَضَرَّرُ بِهِ الصَّبِيُّ، وَلَوْ تَابَتْ وَأَسْلَمَتْ يَعُودُ حَقُّهَا لِزَوَالِ الْمَانِعِ، وَسُئِلَ مُحَمَّدٌ عَنْ النِّسَاءِ إذَا اجْتَمَعْنَ وَلَهُنَّ أَزْوَاجٌ؟ قَالَ: يَضَعُهُ الْقَاضِي حَيْثُ شَاءَ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُنَّ فَصَارَ كَمَنْ لَا قَرَابَةَ لَهُ وَمِنْهَا أَنْ تَكُونَ حُرَّةً فَلَا حَقَّ لِلْأَمَةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ فِي حَضَانَةِ الْوَلَدِ الْحُرِّ؛ لِأَنَّ الْحَضَانَةَ ضَرْبٌ مِنْ الْوِلَايَةِ وَهُمَا لَيْسَتَا مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ فَأَمَّا إذَا أُعْتِقَتَا فَهُمَا فِي الْحَضَانَةِ كَالْحُرَّةِ؛ لِأَنَّهُمَا اسْتَفَادَتَا الْوِلَايَةَ بِالْعِتْقِ، وَأَهْلُ الذِّمَّةِ فِي هَذِهِ الْحَضَانَةِ بِمَنْزِلَةِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْحَقَّ إنَّمَا يَثْبُتُ نَظَرًا لِلصَّغِيرِ وَإِنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ بِالْإِسْلَامِ وَالْكُفْرِ، وَكَذَا اتِّحَادُ الدِّينِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِثُبُوتِ هَذَا الْحَقِّ حَتَّى لَوْ كَانَتْ الْحَاضِنَةُ كِتَابِيَّةً وَالْوَلَدُ مُسْلِمٌ؛ كَانَتْ فِي الْحَضَانَةِ كَالْمُسْلِمَةِ كَذَا ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ لِمَا قُلْنَا وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الرَّازِيّ يَقُولُ: إنَّهَا أَحَقُّ بِالصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ حَتَّى يَعْقِلَا فَإِذَا عَقَلَا؛ سَقَطَ حَقُّهَا؛ لِأَنَّهَا تُعَوِّدُهُمَا أَخْلَاقَ الْكَفَرَةِ وَفِيهِ ضَرَرٌ عَلَيْهِمَا، وَاَللَّهُ ﷿ الْمُوَفِّقُ.

[فَصْلٌ فِي وَقْتُ الْحَضَانَةِ]

(فَصْلٌ) :

وَأَمَّا وَقْتُ الْحَضَانَةِ الَّتِي مِنْ قِبَلِ النِّسَاءِ فَالْأُمُّ وَالْجَدَّتَانِ أَحَقُّ بِالْغُلَامِ حَتَّى يَسْتَغْنِيَ عَنْهُنَّ فَيَأْكُلَ وَحْدَهُ وَيَشْرَبَ وَحْدَهُ وَيَلْبَسَ وَحْدَهُ كَذَا ذُكِرَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَذَكَرَ أَبُو دَاوُد بْنُ رَشِيدٍ عَنْ مُحَمَّدٍ وَيَتَوَضَّأُ وَحْدَهُ يُرِيدُ بِهِ الِاسْتِنْجَاءَ أَيْ وَيَسْتَنْجِي وَحْدَهُ وَلَمْ يُقَدِّرْ فِي ذَلِكَ تَقْدِيرًا وَذَكَرَ الْخَصَّافُ سَبْعَ سِنِينَ أَوْ ثَمَانِ سِنِينَ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ.

وَأَمَّا الْجَارِيَةُ فَهِيَ أَحَقُّ بِهَا حَتَّى تَحِيضَ كَذَا ذُكِرَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَحَكَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ حَتَّى تَبْلُغَ أَوْ تَشْتَهِيَ.

وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ حُكْمُ الْغُلَامِ وَالْجَارِيَةِ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ أَنْ تَتَوَقَّتَ الْحَضَانَةُ بِالْبُلُوغِ فِي الْغُلَامِ وَالْجَارِيَةِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهَا ضَرْبُ وِلَايَةٍ وَلِأَنَّهَا ثَبَتَتْ لِلْأُمِّ فَلَا تَنْتَهِي إلَّا بِالْبُلُوغِ كَوِلَايَةِ الْأَبِ فِي الْمَالِ إلَّا أَنَّا تَرَكْنَا الْقِيَاسَ فِي الْغُلَامِ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ لِمَا رَوَيْنَا أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ قَضَى بِعَاصِمِ بْنِ عُمَرَ لِأُمِّهِ مَا لَمْ يَشِبَّ عَاصِمٌ أَوْ تَتَزَوَّجْ أُمُّهُ وَكَانَ ذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ فَتَرَكْنَا الْقِيَاسَ فِي الْغُلَامِ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ فَبَقِيَ الْحُكْمُ فِي الْجَارِيَةِ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ؛ وَلِأَنَّ الْغُلَامَ إذَا اسْتَغْنَى يَحْتَاجُ إلَى التَّأْدِيبِ وَالتَّخَلُّقِ بِأَخْلَاقِ الرِّجَالِ وَتَحْصِيلِ أَنْوَاعِ الْفَضَائِلِ وَاكْتِسَابِ أَسْبَابِ الْعُلُومِ وَالْأَبُ عَلَى ذَلِكَ أَقْوَمُ وَأَقْدَرُ مَعَ مَا أَنَّهُ لَوْ تُرِكَ فِي يَدِهَا لَتَخَلَّقَ بِأَخْلَاقِ النِّسَاءِ وَتَعَوَّدَ بِشَمَائِلِهِنَّ وَفِيهِ ضَرَرٌ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يُوجَدُ فِي الْجَارِيَةِ فَتُتْرَكُ فِي يَدِ الْأُمِّ بَلْ تَمَسُّ الْحَاجَةُ إلَى التَّرْكِ فِي يَدِهَا إلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>