وَقْتِ الْبُلُوغِ لِحَاجَتِهَا إلَى تَعَلُّمِ آدَابِ النِّسَاءِ وَالتَّخَلُّقِ بِأَخْلَاقِهِنَّ وَخِدْمَةِ الْبَيْتِ وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إلَّا وَأَنْ تَكُونَ عِنْدَ الْأُمِّ ثُمَّ بَعْدَ مَا حَاضَتْ أَوْ بَلَغَتْ عِنْدَ الْأُمِّ حَدَّ الشَّهْوَةِ؛ تَقَعُ الْحَاجَةُ إلَى حِمَايَتِهَا وَصِيَانَتِهَا وَحِفْظِهَا عَمَّنْ يَطْمَعُ فِيهَا لِكَوْنِهَا لَحْمًا عَلَى وَضَمٍ فَلَا بُدَّ مِمَّنْ يَذُبُّ عَنْهَا وَالرِّجَالُ عَلَى ذَلِكَ أَقْدَرُ.
وَأَمَّا غَيْرُ هَؤُلَاءِ مِنْ ذَوَاتِ الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ مِنْ الْأَخَوَاتِ وَالْخَالَاتِ وَالْعَمَّاتِ إذَا كَانَ الصَّغِيرُ عِنْدَهُنَّ فَالْحُكْمُ فِي الْجَارِيَةِ كَالْحُكْمِ فِي الْغُلَامِ وَهُوَ أَنَّهَا تُتْرَكُ فِي أَيْدِيهِنَّ إلَى أَنْ تَأْكُلَ وَحْدَهَا وَتَشْرَبَ وَحْدَهَا وَتَلْبَسَ وَحْدَهَا ثُمَّ تُسَلَّمَ إلَى الْأَبِ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ تَحْتَاجُ بَعْدَ الِاسْتِغْنَاءِ إلَى تَعَلُّمِ آدَابِ النِّسَاءِ لَكِنْ فِي تَأْدِيبِهَا اسْتِخْدَامُهَا وَوِلَايَةُ الِاسْتِخْدَامِ غَيْرُ ثَابِتَةٍ لِغَيْرِ الْأُمَّهَاتِ مِنْ الْأَخَوَاتِ وَالْخَالَاتِ وَالْعَمَّاتِ فَتُسَلِّمُهَا إلَى الْأَبِ احْتِرَازًا عَنْ الْوُقُوعِ فِي الْمَعْصِيَةِ.
وَأَمَّا الَّتِي لِلرِّجَالِ فَأَمَّا وَقْتُهَا فَمَا بَعْدَ الِاسْتِغْنَاءِ فِي الْغُلَامِ إلَى وَقْتِ الْبُلُوغِ وَبَعْدَ الْحَيْضِ فِي الْجَارِيَةِ إذَا كَانَتْ عِنْدَ الْأُمِّ أَوْ الْجَدَّتَيْنِ وَإِنْ كَانَا عِنْدَ غَيْرِهِنَّ فَمَا بَعْدَ الِاسْتِغْنَاءِ فِيهِمَا جَمِيعًا إلَى وَقْتِ الْبُلُوغِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَعْنَى وَإِنَّمَا تَوَقَّتَ هَذَا الْحَقُّ إلَى وَقْتِ بُلُوغِ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ الرِّجَالِ عَلَى الصِّغَارِ وَالصَّغَائِرِ تَزُولُ بِالْبُلُوغِ كَوِلَايَةِ الْمَالِ غَيْرَ أَنَّ الْغُلَامَ إذَا كَانَ غَيْرَ مَأْمُونٍ عَلَيْهِ فَلِلْأَبِ أَنْ يَضُمَّهُ إلَى نَفْسِهِ وَلَا يُخَلِّيَ سَبِيلَهُ كَيْ لَا يَكْتَسِبَ شَيْئًا عَلَيْهِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ فَأَمَّا إذَا بَلَغَ عَاقِلًا وَاجْتَمَعَ رَأْيُهُ وَاسْتَغْنَى عَنْ الْأَبِ وَهُوَ مَأْمُونٌ عَلَيْهِ؛ فَلَا حَقَّ لِلْأَبِ فِي إمْسَاكِهِ كَمَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ مَالِهِ فَيُخَلِّيَ سَبِيلَهُ فَيَذْهَبَ حَيْثُ شَاءَ وَالْجَارِيَةُ إنْ كَانَتْ ثَيِّبًا وَهِيَ غَيْرُ مَأْمُونَةٍ عَلَى نَفْسِهَا لَا يُخَلِّيَ سَبِيلَهَا وَيَضُمَّهَا إلَى نَفْسِهِ وَإِنْ كَانَتْ مَأْمُونَةً عَلَى نَفْسِهَا؛ فَلَا حَقَّ لَهُ فِيهَا وَيُخَلِّي سَبِيلَهَا وَتُتْرَكُ حَيْثُ أَحَبَّتْ وَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا لَا يُخَلِّي سَبِيلَهَا وَإِنْ كَانَتْ مَأْمُونَةً عَلَى نَفْسِهَا؛ لِأَنَّهَا مَطْمَعٌ لِكُلِّ طَامِعٍ وَلَمْ تَخْتَبِرْ الرِّجَالَ فَلَا يُؤْمَنُ عَلَيْهَا الْخِدَاعُ.
وَأَمَّا شَرْطُهَا فَمِنْ شَرَائِطِهَا الْعُصُوبَةِ فَلَا تَثْبُتُ إلَّا لِلْعَصَبَةِ مِنْ الرِّجَالِ وَيَتَقَدَّمُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ الْأَبُ ثُمَّ الْجَدُّ أَبُوهُ وَإِنْ عَلَا ثُمَّ الْأَخُ لِأَبٍ وَأُمٍّ ثُمَّ الْأَخُ لِأَبٍ ثُمَّ ابْنُ الْأَخِ لِأَبٍ وَأُمٍّ ثُمَّ ابْنُ الْأَخِ لِأَبٍ ثُمَّ الْعَمُّ لِأَبٍ وَأُمٍّ ثُمَّ الْعَمُّ لِأَبٍ ثُمَّ ابْنُ الْعَمِّ لِأَبٍ وَأُمٍّ ثُمَّ ابْنُ الْعَمِّ لِأَبٍ، إنْ كَانَ الصَّبِيُّ غُلَامًا وَإِنْ كَانَتْ جَارِيَةً فَلَا تُسَلَّمُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَحْرَمٍ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُهَا فَلَا يُؤْمَنُ عَلَيْهَا.
وَأَمَّا الْغُلَامُ فَإِنَّهُ عَصَبَةٌ وَأَحَقُّ بِهِ مِمَّنْ هُوَ أَبْعَدُ مِنْهُ ثُمَّ عَمُّ الْأَبِ لِأَبٍ وَأُمٍّ ثُمَّ عَمُّ الْأَبِ لِأَبٍ ثُمَّ عَمُّ الْجَدِّ لِأَبٍ وَأُمٍّ ثُمَّ عَمُّ الْجَدِّ لِأَبٍ، وَلَوْ كَانَ لَهَا ثَلَاثَةُ إخْوَةٍ كُلُّهُمْ عَلَى دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ بِأَنْ كَانُوا كُلُّهُمْ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ، أَوْ ثَلَاثَةُ أَعْمَامٍ كُلُّهُمْ عَلَى دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ؛ فَأَفْضَلُهُمْ صَلَاحًا وَوَرَعًا أَوْلَى فَإِنْ كَانُوا فِي ذَلِكَ سَوَاءً؛ فَأَكْبَرُهُمْ سِنًّا أَوْلَى بِالْحَضَانَةِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْجَارِيَةِ مِنْ عَصَبَاتِهَا غَيْرُ ابْنِ الْعَمِّ اخْتَارَ لَهَا الْقَاضِي أَفْضَلَ الْمَوَاضِعِ؛ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ إلَيْهِ فَيُرَاعِي الْأَصْلَحَ فَإِنْ رَآهُ أَصْلَحَ؛ ضَمَّهَا إلَيْهِ وَإِلَّا فَيَضَعْهَا عِنْدَ امْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ أَمِينَةٍ وَكُلُّ ذَكَرٍ مِنْ قِبَلِ النِّسَاءِ فَلَا حَقَّ لَهُ فِي الْوَلَدِ مِثْلُ الْأَخِ لِأُمٍّ وَالْخَالِ وَأَبِي الْأُمِّ لِانْعِدَامِ الْعُصُوبَةِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إنْ كَانَ لِلْجَارِيَةِ ابْنُ عَمٍّ وَخَالٌ وَكِلَاهُمَا لَا بَأْسَ بِهِ فِي دِينِهِ؛ جَعَلَهَا الْقَاضِي عِنْدَ الْخَالِ؛ لِأَنَّهُ مَحْرَمٌ وَابْنُ الْعَمِّ لَيْسَ بِمَحْرَمٍ فَكَانَ الْمَحْرَمُ أَوْلَى وَالْأَخُ مِنْ الْأَبِ أَحَقُّ مِنْ الْخَالِ؛ لِأَنَّهُ عَصَبَةٌ وَهُوَ أَيْضًا أَقْرَبُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَوْلَادِ الْأَبِ وَالْخَالُ مِنْ أَوْلَادِ الْجَدِّ، وَذَكَرَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ أَنَّ الصَّبِيَّ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ قَرَابَةٌ مِنْ قِبَلِ النِّسَاءِ فَالْعَمُّ أَوْلَى بِهِ مِنْ الْخَالِ وَأَبِي الْأُمِّ؛ لِأَنَّهُ عَصَبَتُهُ وَالْأَخُ لِأَبٍ أَوْلَى مِنْ الْعَمِّ وَكَذَلِكَ ابْنُ الْأَخِ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ قَرَابَةٌ أَشْفَقُ مِنْ جِهَةِ أَبِيهِ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فَإِنَّ الْأُمَّ أَوْلَى مِنْ الْخَالِ وَالْأَخِ لِأُمٍّ؛ لِأَنَّ لَهَا وِلَادًا وَهِيَ أَشْفَقُ مِمَّنْ لَا وِلَادَ لَهُ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ.
وَمِنْهَا: إذَا كَانَ الصَّغِيرُ جَارِيَةً أَنْ تَكُونَ عَصَبَتُهَا مِمَّنْ يُؤْتَمَنُ عَلَيْهَا فَإِنْ كَانَ لَا يُؤْتَمَنُ لِفِسْقِهِ وَلِخِيَانَتِهِ؛ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهَا حَقٌّ؛ لِأَنَّ فِي كَفَالَتِهِ لَهَا ضَرَرًا عَلَيْهَا وَهَذِهِ وِلَايَةُ نَظَرٍ فَلَا تَثْبُتُ مَعَ الضَّرَرِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ الْإِخْوَةُ وَالْأَعْمَامُ غَيْرَ مَأْمُونِينَ عَلَى نَفْسِهَا وَمَالِهَا؛ لَا تُسَلَّمُ إلَيْهِمْ وَيَنْظُرُ الْقَاضِي امْرَأَةً مِنْ الْمُسْلِمِينَ ثِقَةً عَدْلَةٌ أَمِينَةٍ فَيُسَلِّمُهَا إلَيْهَا إلَى أَنْ تَبْلُغَ فَتُتْرَكَ حَيْثُ شَاءَتْ وَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا.
وَمِنْهَا: اتِّحَادُ الدِّينِ فَلَا حَقَّ لِلْعَصَبِيَّةِ فِي الصَّبِيِّ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى دِينِهِ كَذَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ وَقَالَ: هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَقِيَاسُهُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْحَقَّ لَا يَثْبُتُ إلَّا لِلْعَصَبَةِ وَاخْتِلَافُ الدِّينِ يَمْنَعُ التَّعْصِيبَ وَقَدْ قَالُوا فِي الْأَخَوَيْنِ إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مُسْلِمًا وَالْآخَرُ يَهُودِيًّا وَالصَّبِيُّ يَهُودِيٌّ: إنَّ الْيَهُودِيَّ أَوْلَى بِهِ؛ لِأَنَّهُ عَصَبَةٌ لَا الْمُسْلِمَ، وَاَللَّهُ ﷿ الْمُوَفِّقُ.
وَلَا خِيَارَ لِلْغُلَامِ وَالْجَارِيَةِ إذَا اخْتَلَفَ الْأَبَوَانِ فِيهِمَا قَبْلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute