وَحُكْمُ الْمَرْأَةِ فِي الْغُسْلِ حُكْمُ الرَّجُلِ، وَكَذَا الصَّبِيُّ فِي الْغُسْلِ كَالْبَالِغِ؛ لِأَنَّ غُسْلَ الْمَيِّتِ لِلصَّلَاةِ عَلَيْهِ، وَالصَّبِيُّ وَالْمَرْأَةُ يُصَلَّى عَلَيْهِمَا إلَّا أَنَّ الصَّبِيَّ إذَا كَانَ لَا يَعْقِلُ الصَّلَاةَ لَا يُوَضَّأُ عِنْدَ غُسْلِهِ؛ لِأَنَّ حَالَةَ الْمَوْتِ مُعْتَبَرَةٌ بِحَالَةِ الْحَيَاةِ، وَفِي حَالَةِ الْحَيَاةِ لَا يُعْتَبَرُ وُضُوءُ مَنْ لَا يَعْقِلُ، فَكَذَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَكَذَا الْمُحْرِمُ وَغَيْرُ الْمُحْرِمِ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ يَنْقَطِعُ بِالْمَوْتِ فِي حَقِّ أَحْكَامِ الدُّنْيَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَصْلٌ شَرَائِطُ وُجُوبِ الْغُسْلِ]
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا شَرَائِطُ وُجُوبِهِ فَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ مَيِّتًا مَاتَ بَعْدَ الْوِلَادَةِ حَتَّى لَوْ وُلِدَ مَيِّتًا لَمْ يُغَسَّلْ كَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ: إذَا اسْتَهَلَّ الْمَوْلُودُ سُمِّيَ وَغُسِّلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ وَوَرِثَ وَوُرِثَ عَنْهُ، وَإِذَا لَمْ يَسْتَهِلَّ لَمْ يُسَمَّ وَلَمْ يُغَسَّلْ وَلَمْ يَرِثْ.
وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُسَمَّى وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَهَكَذَا ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُغَسَّلُ وَيُسَمَّى وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَكَذَا ذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: فِي السِّقْطِ الَّذِي اسْتَبَانَ خَلْقُهُ: أَنَّهُ يُغَسَّلُ وَيُكَفَّنُ وَيُحَنَّطُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، فَاتَّفَقَتْ الرِّوَايَاتُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُصَلَّى عَلَى مَنْ وُلِدَ مَيِّتًا، وَالْخِلَافُ فِي الْغُسْلِ.
وَجْهُ مَا اخْتَارَهُ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ الْمَوْلُودَ مَيِّتًا نَفْسٌ مُؤْمِنَةٌ فَيُغَسَّلُ وَإِنْ كَانَ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ كَالْبُغَاةِ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ، وَجْهُ مَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «إذَا اسْتَهَلَّ الْمَوْلُودُ غُسِّلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ وَوَرِثَ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَهِلَّ لَمْ يُغَسَّلْ وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ وَلَمْ يَرِثْ» وَلِأَنَّ وُجُوبَ الْغُسْلِ بِالشَّرْعِ وَأَنَّهُ وَرَدَ بِاسْمِ الْمَيِّتِ، وَمُطْلَقُ اسْمِ الْمَيِّتِ فِي الْعُرْفِ لَا يَقَعُ عَلَى مَنْ وُلِدَ مَيِّتًا وَلِهَذَا لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إنْ أُسْقِطَ قَبْلَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ لَا يُغَسَّلُ، وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ قَوْلًا وَاحِدًا، وَإِنْ كَانَ لِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْعُلُوقِ، وَقَدْ اسْتَبَانَ خَلْقُهُ فَلَهُ فِيهِ قَوْلَانِ، وَالصَّحِيحُ قَوْلُنَا لِمَا ذَكَرْنَا، وَهَذَا إذَا لَمْ يَسْتَهِلَّ فَأَمَّا إذَا اسْتَهَلَّ بِأَنْ حَصَلَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى حَيَاتِهِ مِنْ بُكَاءٍ أَوْ تَحْرِيكِ عُضْوٍ، أَوْ طَرَفٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُغَسَّلُ بِالْإِجْمَاعِ لِمَا رَوَيْنَا؛ وَلِأَنَّ الِاسْتِهْلَالَ دَلَالَةُ الْحَيَاةِ فَكَانَ مَوْتُهُ بَعْدَ وِلَادَتِهِ حَيًّا فَيُغَسَّلُ.
وَلَوْ شَهِدَتْ الْقَابِلَةُ، أَوْ الْأُمُّ عَلَى الِاسْتِهْلَالِ تُقْبَلُ فِي حَقِّ الْغُسْلِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ فِي بَابِ الدِّيَانَاتِ مَقْبُولٌ إذَا كَانَ عَدْلًا.
وَأَمَّا فِي حَقِّ الْمِيرَاثِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْأُمِّ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِكَوْنِهَا مُتَّهَمَةً لِجَرِّهَا الْمَغْنَمِ إلَى نَفْسِهَا، وَكَذَا شَهَادَةُ الْقَابِلَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: تُقْبَلُ إذَا كَانَتْ عَدْلَةٌ عَلَى مَا يُعْرَفُ فِي مَوْضِعِهِ.
وَعَلَى هَذَا يُخَرَّجُ مَا إذَا وُجِدَ طَرَفٌ مِنْ أَطْرَافِ الْإِنْسَانِ كَيَدٍ أَوْ رِجْلٍ أَنَّهُ لَا يُغَسَّلُ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِغُسْلِ الْمَيِّتِ، وَالْمَيِّتُ اسْمٌ لِكُلِّهِ وَلَوْ وُجِدَ الْأَكْثَرُ مِنْهُ غُسِّلَ؛ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ، وَإِنْ وُجِدَ الْأَقَلُّ مِنْهُ، أَوْ النِّصْفُ لَمْ يُغَسَّلْ كَذَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ الْكَرْخِيِّ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَدْرَ لَيْسَ بِمَيِّتٍ حَقِيقَةً وَحُكْمًا، وَلِأَنَّ الْغُسْلَ لِلصَّلَاةِ وَمَا لَمْ يَزِدْ عَلَى النِّصْفِ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، فَلَا يُغَسَّلُ أَيْضًا، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ إذَا وُجِدَ النِّصْفُ وَمَعَهُ الرَّأْسُ يُغَسَّلُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ الرَّأْسُ لَا يُغْسَلُ فَكَأَنَّهُ جَعَلَهُ مَعَ الرَّأْسِ فِي حُكْمِ الْأَكْثَرِ؛ لِكَوْنِهِ مُعْظَمَ الْبَدَنِ.
وَلَوْ وُجِدَ نِصْفُهُ مَشْقُوقًا لَا يُغْسَلُ لِمَا قُلْنَا، وَلِأَنَّهُ لَوْ غُسِّلَ الْأَقَلُّ أَوْ النِّصْفُ يُصَلَّى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْغُسْلَ لِأَجْلِ الصَّلَاةِ.
وَلَوْ صُلِّيَ عَلَيْهِ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يُوجَدَ الْبَاقِي فَيُصَلَّى عَلَيْهِ فَيُؤَدِّي إلَى تَكْرَارِ الصَّلَاةِ عَلَى مَيِّتٍ وَاحِدٍ، وَذَلِكَ مَكْرُوهٌ عِنْدَنَا، أَوْ يَكُونُ صَاحِبُ الطَّرَفِ حَيًّا فَيُصَلَّى عَلَى بَعْضِهِ، وَهُوَ حَيٌّ وَذَلِكَ فَاسِدٌ، وَهَذَا كُلُّهُ مَذْهَبُنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ وُجِدَ عُضْوٌ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَاحْتَجَّ بِمَا رُوِيَ أَنَّ طَائِرًا أَلْقَى يَدًا بِمَكَّةَ زَمَنَ وَقْعَةِ الْجَمَلِ فَغَسَّلَهَا أَهْلُ مَكَّةَ وَصَلَّوْا عَلَيْهَا، وَقِيلَ: إنَّهَا يَدُ طَلْحَةَ، أَوْ يَدُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَتَّابِ بْنِ أُسَيْدٍ ﵃ وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ ﵁ أَنَّهُ صَلَّى عَلَى عِظَامٍ بِالشَّامِ وَعَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ ﵁ أَنَّهُ صَلَّى عَلَى رُءُوسٍ؛ وَلِأَنَّ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ شُرِعَتْ لِحُرْمَةِ الْآدَمِيِّ، وَكَذَا الْغُسْلُ وَكُلُّ جُزْءٍ مِنْهُ مُحْتَرَمٌ.
وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ أَنَّهُمَا قَالَا: " لَا يُصَلَّى عَلَى عُضْوٍ " وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُغَسَّلُ؛ لِأَنَّ الْغُسْلَ لِأَجْلِ الصَّلَاةِ، وَلِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَعَانِي أَيْضًا.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَهْلِ مَكَّةَ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الرَّاوِيَ لَمْ يَرْوِ أَنَّ الَّذِي صَلَّى عَلَيْهِ مَنْ هُوَ حَتَّى نَنْظُرَ أَهُوَ حُجَّةٌ أَمْ لَا، أَوْ نَحْمِلُ الصَّلَاةَ عَلَى الدُّعَاءِ، وَكَذَا حَدِيثُ عُمَرَ وَأَبِي عُبَيْدَةَ ﵄ أَلَا تَرَى أَنَّ الْعِظَامَ لَا يُصَلَّى عَلَيْهَا بِالْإِجْمَاعِ.
وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ الْمَيِّتُ مُسْلِمًا حَتَّى لَا يَجِبَ غُسْلُ الْكَافِرِ؛ لِأَنَّ الْغُسْلَ وَجَبَ كَرَامَةً وَتَعْظِيمًا لِلْمَيِّتِ، وَالْكَافِرُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ اسْتِحْقَاقِ الْكَرَامَةِ وَالتَّعْظِيمِ، لَكِنْ إذَا كَانَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ