الْقِبْلَةِ أَقْرَبُ إلَى الْإِجَابَةِ فَيَدْعُو اللَّهَ وَيَسْتَغْفِرُ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَيُجَدِّدُونَ التَّوْبَةَ وَيَسْتَسْقُونَ.
وَهَلْ يَقْلِبُ الْإِمَامُ رِدَاءَهُ لَا يَقْلِبُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا يَقْلِبُ إذَا مَضَى صَدْرٌ مِنْ خُطْبَتِهِ فَاحْتَجَّا بِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ «قَلَبَ رِدَاءَهُ» وَلِأَبِي حَنِيفَةَ مَا رُوِيَ «أَنَّهُ ﵇ اسْتَسْقَى يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلَمْ يَقْلِبْ الرِّدَاءَ» ؛ وَلِأَنَّ هَذَا دُعَاءٌ فَلَا مَعْنَى لِتَغْيِيرِ الثَّوْبِ فِيهِ كَمَا فِي سَائِرِ الْأَدْعِيَةِ، وَمَا رُوِيَ أَنَّهُ قَلَبَ الرِّدَاءَ مُحْتَمَلٌ، يُحْتَمَلُ أَنَّهُ تَغَيَّرَ عَلَيْهِ فَأَصْلَحَهُ فَظَنَّ الرَّاوِي أَنَّهُ قَلَبَ، أَوْ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ عَرَفَ مِنْ طَرِيقِ الْوَحْيِ أَنَّ الْحَالَ يَنْقَلِبُ مِنْ الْجَدْبِ إلَى الْخِصْبِ مَتَى قَلَبَ الرِّدَاءَ بِطَرِيقِ التَّفَاؤُلِ فَفَعَلَ، وَهَذَا لَا يُوجَدُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ، وَكَيْفِيَّةُ تَقْلِيبِ الرِّدَاءِ عِنْدَهُمَا أَنَّهُ كَانَ مُرَبَّعًا جَعَلَ أَعْلَاهُ أَسْفَلَهُ وَأَسْفَلَهُ أَعْلَاهُ، وَإِنْ كَانَ مُدَوَّرًا جَعَلَ الْجَانِبَ الْأَيْمَنَ عَلَى الْأَيْسَرِ وَالْأَيْسَرَ عَلَى الْأَيْمَنِ.
وَأَمَّا الْقَوْمُ فَلَا يَقْلِبُونَ أَرْدِيَتَهُمْ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ، وَعِنْدَ مَالِكٍ يَقْلِبُونَ أَيْضًا، وَاحْتَجَّ بِمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ حَوَّلَ رِدَاءَهُ وَحَوَّلَ النَّاسُ أَرْدِيَتَهُمْ» وَهُمَا يَقُولَانِ: إنَّ تَحْوِيلَ الرِّدَاءِ فِي حَقِّ الْإِمَامِ أَمْرٌ ثَبَتَ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ بِالنَّصِّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فَنَقْتَصِرُ عَلَى مَوْرِدِ النَّصِّ، وَمَا رُوِيَ مِنْ الْحَدِيثِ شَاذٌّ عَلَى أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ ﷺ عَرَفَ ذَلِكَ فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ؛ فَيَكُونُ تَقْرِيرًا، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَمْ يَعْرِفْ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ مُسْتَدْبِرًا لَهُمْ فَلَا يَكُونُ حُجَّةً مَعَ الِاحْتِمَالِ.
ثُمَّ إنْ شَاءَ رَفَعَ يَدَيْهِ نَحْوَ السَّمَاءِ عِنْدَ الدُّعَاءِ، وَإِنْ شَاءَ أَشَارَ بِأُصْبُعِهِ كَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ رَفْعَ الْيَدَيْنِ عِنْدَ الدُّعَاءِ سُنَّةٌ؛ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَدْعُو بِعَرَفَاتٍ بَاسِطًا يَدَيْهِ كَالْمُسْتَطْعِمِ الْمِسْكِينِ» .
الْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَخْرُجَ الْإِمَامُ، وَالنَّاسُ إلَى الِاسْتِسْقَاءِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَةٍ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الدُّعَاءِ الْإِجَابَةُ، وَالثَّلَاثَةُ مُدَّةٌ ضُرِبَتْ لِإِبْلَاءِ الْأَعْذَارِ وَإِنْ أَمَرَ الْأَمَامُ النَّاسَ بِالْخُرُوجِ وَلَمْ يَخْرُجْ بِنَفْسِهِ خَرَجُوا؛ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ قَوْمًا شَكَوْا إلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ الْقَحْطَ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَجْثُوا عَلَى الرُّكَبِ» وَلَمْ يَخْرُجْ بِنَفْسِهِ، وَإِذَا خَرَجُوا اشْتَغَلُوا بِالدُّعَاءِ وَلَمْ يُصَلُّوا بِجَمَاعَةٍ إلَّا إذَا أَمَرَ الْإِمَامُ إنْسَانًا أَنْ يُصَلِّيَ بِهِمْ جَمَاعَةً؛ لِأَنَّ هَذَا دُعَاءٌ فَلَا يُشْتَرَطُ لَهُ حُضُورُ الْإِمَامِ، وَإِنْ خَرَجُوا بِغَيْرِ إذْنِهِ جَازَ؛ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ فَلَا يُشْتَرَطُ لَهُ إذْنُ الْإِمَامِ.
وَلَا يُمَكَّنُ أَهْلُ الذِّمَّةِ مِنْ الْخُرُوجِ إلَى الِاسْتِسْقَاءِ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ.
وَقَالَ مَالِكٌ إنْ خَرَجُوا لَمْ يُمْنَعُوا، وَالصَّحِيحُ قَوْلُ الْعَامَّةِ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ بِخُرُوجِهِمْ إلَى الِاسْتِسْقَاءِ يَنْظُرُونَ نُزُولَ الرَّحْمَةِ عَلَيْهِمْ، وَالْكُفَّارُ مَنَازِلُ اللَّعْنَةِ وَالسَّخْطَةِ فَلَا يُمَكَّنُونَ مِنْ الْخُرُوجِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَصْلٌ الصَّلَاةُ الْمَسْنُونَةُ]
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا الصَّلَاةُ الْمَسْنُونَةُ فَهِيَ السُّنَنُ الْمَعْهُودَةُ لِلصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَةِ، وَالْكَلَامُ فِيهَا يَقَعُ فِي مَوَاضِعَ: فِي بَيَانِ مَوَاقِيتِ هَذِهِ السُّنَنِ، وَمَقَادِيرِهَا جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا، وَفِي بَيَانِ صِفَةِ الْقِرَاءَةِ فِيهَا، وَفِي بَيَانِ مَا يُكْرَهُ فِيهَا، وَفِي بَيَانِ أَنَّهَا إذَا فَاتَتْ عَنْ وَقْتِهَا هَلْ تُقْضَى أَمْ لَا؟ أَمَّا الْأَوَّلُ فَوَقْتُ جُمْلَتِهَا وَقْتُ الْمَكْتُوبَاتِ؛ لِأَنَّهَا تَوَابِعُ لِلْمَكْتُوبَاتِ فَكَانَتْ تَابِعَةً لَهَا فِي الْوَقْتِ، وَمِقْدَارُ جُمْلَتِهَا اثْنَتَا عَشْرَةَ رَكْعَةً: رَكْعَتَانِ وَأَرْبَعٌ، وَرَكْعَتَانِ وَرَكْعَتَانِ، وَرَكْعَتَانِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ.
وَأَمَّا مِقْدَارُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا، وَوَقْتُهَا عَلَى التَّفْصِيلِ: فَرَكْعَتَانِ قَبْلَ الْفَجْرِ، وَأَرْبَعٌ قَبْلَ الظُّهْرِ لَا يُسَلِّمُ إلَّا فِي آخِرِهِنَّ، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَهُ، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ الْعِشَاءِ كَذَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ، وَذَكَرَ فِي الْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ إنْ تَطَوَّعَ بِأَرْبَعٍ قَبْلَهُ فَحَسَنٌ، وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ هَكَذَا إلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي الْعَصْرِ: وَأَرْبَعٌ قَبْلَ الْعَصْرِ، وَفِي الْعِشَاءِ وَأَرْبَعٌ بَعْدَ الْعِشَاءِ، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَرَكْعَتَانِ قَبْلَ الْعَصْرِ، وَالْعَمَلُ فِيمَا رَوَيْنَا عَلَى الْمَذْكُورِ فِي الْأَصْلِ.
وَالْأَصْلُ فِي السُّنَنِ مَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ ﵂ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ «مَنْ ثَابَرَ عَلَى اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ: رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ، وَأَرْبَعٌ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ» ، وَقَدْ وَاظَبَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَيْهَا وَلَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا مِنْهَا إلَّا مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ لِعُذْرٍ وَهَذَا تَفْسِيرُ السُّنَّةِ، وَأَقْوَى السُّنَنِ رَكْعَتَا الْفَجْرِ لِوُرُودِ الشَّرْعِ بِالتَّرْغِيبِ فِيهِمَا مَا لَمْ يَرِدْ فِي غَيْرِهِمَا فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ ﵂ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ «رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي تَأْوِيلِ قَوْله تَعَالَى ﴿وَإِدْبَارَ النُّجُومِ﴾ [الطور: ٤٩] أَنَّهُ رَكْعَتَا الْفَجْرِ وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ «صَلُّوهُمَا فَإِنَّ فِيهِمَا لَرَغَائِبَ» .
وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: «صَلُّوهُمَا وَلَوْ طَرَدَتْكُمْ الْخَيْلُ» وَرَوَى جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ «كَانَ يُصَلِّي بَعْدَ الزَّوَالِ فِي كُلِّ يَوْمٍ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ» مِنْهُمْ أَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ ﵁