بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ سَمِعَ مِنْ الْمُقْتَدِي مَنْ لَيْسَ فِي صَلَاتِهِ يَسْجُدُ كَذَا ذُكِرَ فِي نَوَادِرِ الصَّلَاةِ عَقِيبَ قَوْلِ مُحَمَّدٍ.
وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ السَّبَبَ قَدْ تَحَقَّقَ وَهُوَ التِّلَاوَةُ الصَّحِيحَةُ فِي حَقِّ الْمُؤْتَمِّ وَسَمَاعُهَا فِي حَقِّ الْإِمَامِ وَالْقَوْمِ وَلِهَذَا يَجِبُ عَلَى مَنْ سَمِعَ مِنْهُ وَهُوَ لَيْسَ فِي صَلَاتِهِمْ إلَّا أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُمْ الْأَدَاءُ فِي الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ تِلَاوَتَهُ لَيْسَتْ مِنْ أَعْمَالِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ قِرَاءَةَ الْمُقْتَدِي غَيْرُ مَحْسُوبَةٍ مِنْ الصَّلَاةِ فَيَجِبُ عَلَيْهِمْ الْأَدَاءُ خَارِجَ الصَّلَاةِ كَمَا إذَا سَمِعُوا مِمَّنْ لَيْسَ فِي صَلَاتِهِمْ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْوُجُوبَ يَعْتَمِدُ الْقُدْرَةَ عَلَى الْأَدَاءِ وَهُمْ يَعْجِزُونَ عَنْ أَدَائِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ إلَى الْأَدَاءِ فِي الصَّلَاةِ لِمَا مَرَّ وَلَا وَجْهَ إلَى الْأَدَاءِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ السَّجْدَةَ مِنْ أَفْعَالِ هَذِهِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ بِسَبَبِ التِّلَاوَةِ.
وَتِلَاوَةُ الْمُقْتَدِي مَحْسُوبَةٌ مِنْ صَلَاتِهِ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ مُفْتَقِرَةٌ إلَى الْقِرَاءَةِ إلَّا أَنَّ الْإِمَامَ يَتَحَمَّلُ عَنْهُ هَذِهِ الْقِرَاءَةَ، فَإِذَا أَدَّى بِنَفْسِهِ مَا يَتَحَمَّلُ عَنْهُ غَيْرُهُ وَقَعَ مَوْقِعَهُ، فَكَانَتْ الْقِرَاءَةُ مَحْسُوبَةً مِنْ هَذِهِ الصَّلَاةِ فَصَارَ مَا هُوَ فِي حُكْمِ هَذِهِ الْقِرَاءَةِ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ فَصَارَتْ السَّجْدَةُ مِنْ أَفْعَالِ هَذِهِ الصَّلَاةِ.
وَإِذَا صَارَتْ فِي حَقِّ التَّالِي مِنْ أَفْعَالِ هَذِهِ الصَّلَاةِ صَارَتْ فِي حَقِّ الْكُلِّ مِنْ أَفْعَالِ هَذِهِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ مَبْنَى الصَّلَاةِ عَلَى أَنَّهَا جُعِلَتْ مِنْ أُنَاسٍ مُخْتَلِفِينَ عِنْدَ اتِّحَادِ التَّحْرِيمَةِ فِي حَقِّ الْقِرَاءَةِ كَالْمَوْجُودَةِ مِنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ لِحُصُولِ ثَمَرَاتِ الْقِرَاءَةِ بِالسَّمَاعِ وَلِهَذَا جُعِلَتْ الْقِرَاءَةُ الْمَوْجُودَةُ مِنْ الْإِمَامِ كَالْقِرَاءَةِ الْمَوْجُودَةِ مِنْ الْكُلِّ بِخِلَافِ غَيْرِهَا مِنْ الْأَرْكَانِ وَقِيَاسُ هَذِهِ النُّكْتَةِ يَقْتَضِي أَنَّ الْإِمَامَ لَوْ لَمْ يَقْرَأْ كَانَتْ هَذِهِ الْقِرَاءَةُ قِرَاءَةً لِلْكُلِّ فِي حَقِّ جَوَازِ الصَّلَاةِ إلَّا أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يُمْكِنْ لِئَلَّا يَنْقَلِبَ التَّبَعُ مَتْبُوعًا وَالْمَتْبُوعُ تَبَعًا فَبَقِيَتْ فِي حَقِّ كَوْنِهَا مِنْ الصَّلَاةِ مُشْتَرَكَةً فِي حَقِّ الْكُلِّ فَصَارَتْ السَّجْدَةُ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ فِي حَقِّ الْكُلِّ، وَإِذَا صَارَتْ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ لَا يُتَصَوَّرُ أَدَاؤُهَا بِلَا تَحْرِيمَةِ الصَّلَاةِ فَلَا تُؤَدَّى بَعْدَ الصَّلَاةِ، وَمَنْ سَلَكَ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ يَقُولُ تَجِبُ عَلَى مَنْ سَمِعَ هَذِهِ التِّلَاوَةَ مِنْ الْمُقْتَدِي مِمَّنْ لَا يُشَارِكُهُ فِي الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي حَقِّهِ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا سَمِعَ الْمُصَلِّي مِمَّنْ لَيْسَ مَعَهُ فِي الصَّلَاةِ حَيْثُ يَسْجُدُ خَارِجَ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ السَّجْدَةَ وَجَبَتْ عَلَيْهِ وَلَيْسَتْ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ تِلْكَ التِّلَاوَةِ لَيْسَتْ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ؛ لِعَدَمِ الشَّرِكَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّالِي فِي الصَّلَاةِ، وَالْوُجُوبُ عَلَيْهِ بِسَبَبِ سَمَاعِهِ وَالسَّمَاعُ لَيْسَ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ أَمْكَنَ أَدَاؤُهَا خَارِجَ الصَّلَاةِ فَيُؤَدَّى.
وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: إنَّ هَذِهِ الْقِرَاءَةَ مَنْهِيٌّ عَنْهَا فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهَا حُكْمٌ يُؤْمَرُ بِهِ، بِخِلَافِ قِرَاءَةِ الصَّبِيِّ وَالْكَافِرِ حَيْثُ يُوجِبُ السَّجْدَةَ عَلَى مَنْ سَمِعَهَا؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِمَنْهِيَّيْنِ وَبِخِلَافِ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يُنْهِيَا عَمَّا يَتَعَلَّقُ بِهِ وُجُوبُ السَّجْدَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ دُونَ الْآيَةِ وَهُمَا لَيْسَا بِمَنْهِيَّيْنِ عَنْ تِلَاوَةِ مَا دُونَ الْآيَةِ، أَمَّا الْمُقْتَدِي فَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْ قِرَاءَةِ كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ فَكَانَ مَنْهِيًّا عَنْ قَدْرِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وُجُوبُ السَّجْدَةِ فَلَمْ يَجِبْ، أَوْ نَقُولُ إنَّ الْمُقْتَدِيَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فِي حَقِّ الْقِرَاءَةِ بِدَلِيلِ نَفَاذِ تَصَرُّفِ الْإِمَامِ عَلَيْهِ، وَتَصَرُّفُ الْمَحْجُورِ لَا يَنْعَقِدُ فِي حَقِّ الْحُكْمِ وَمَنْ سَلَكَ هَاتَيْنِ الطَّرِيقَتَيْنِ يَقُولُ: لَا تَجِبُ السَّجْدَةُ عَلَى السَّامِعِ الَّذِي لَا يُشَارِكُهُمْ فِي الصَّلَاةِ أَيْضًا وَلِهَذَا اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِاخْتِلَافِ الطُّرُقِ.
[فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ أَدَاءِ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ]
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا كَيْفِيَّةُ أَدَائِهَا فَإِنْ كَانَ تَلَا خَارِجَ الصَّلَاةِ يُؤَدِّيهَا عَلَى نَعْتِ سَجَدَاتِ الصَّلَاةِ وَإِنْ كَانَ تَلَا فِي الصَّلَاةِ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُؤَدِّيَهَا عَلَى هَيْئَةِ السَّجَدَاتِ أَيْضًا كَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ إذَا سَجَدَ، ثُمَّ قَامَ، وَقَرَأَ، وَرَكَعَ حَصَلَتْ لَهُ قُرْبَتَانِ.
وَلَوْ رَكَعَ تَحْصُلُ لَهُ قُرْبَةٌ وَاحِدَةٌ، وَلِأَنَّهُ لَوْ سَجَدَ لَأَدَّى الْوَاجِبَ بِصُورَتِهِ وَمَعْنَاهُ، وَلَوْ رَكَعَ لَأَدَّاهُ بِمَعْنَاهُ لَا بِصُورَتِهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْأَوَّلَ أَفْضَلُ ثُمَّ إذَا سَجَدَ وَقَامَ يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَرْكَعَ كَمَا رَفَعَ رَأْسَهُ سَوَاءٌ كَانَتْ آيَةُ السَّجْدَةِ فِي وَسَطِ الصُّورَةِ أَوْ عِنْدَ خَتْمِهَا أَوْ بَقِيَ بَعْدَهَا إلَى الْخَتْمِ قَدْرُ آيَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثِ آيَاتٍ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بَانِيًا لِلرُّكُوعِ عَلَى السُّجُودِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَقْرَأَ، ثُمَّ يَرْكَعَ فَيَنْظُرَ إنْ كَانَتْ آيَةُ السَّجْدَةِ فِي وَسَطِ السُّورَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَخْتِمَ السُّورَةَ ثُمَّ يَرْكَعَ، وَإِنْ كَانَتْ عِنْدَ خَتْمِ السُّورَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَقْرَأَ آيَاتٍ مِنْ سُورَةٍ أُخْرَى ثُمَّ يَرْكَعَ وَإِنْ كَانَ بَقِيَ مِنْهَا إلَى الْخَتْمِ قَدْرُ آيَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثِ آيَاتٍ كَمَا فِي سُورَةِ " بَنِي إسْرَائِيلَ "، وَسُورَةِ " إذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ " يَنْبَغِي أَنْ يَقْرَأَ بَقِيَّةَ السُّورَةِ، ثُمَّ يَرْكَعَ إنْ شَاءَ، وَإِنْ شَاءَ وَصَلَ إلَيْهَا سُورَةً أُخْرَى فَهُوَ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ الْبَاقِيَ مِنْ خَاتِمَةِ السُّورَةِ دُونَ ثَلَاثِ آيَاتٍ فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقْرَأَ ثَلَاثَ آيَاتٍ كَيْ لَا يَكُونَ بَاقِيًا لِلرُّكُوعِ عَلَى السُّجُودِ، فَلَوْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ وَلَكِنَّهُ رَكَعَ كَمَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السَّجْدَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute