للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُسْتَأْمَنِ بِالْإِجْمَاعِ، وَالْمَسْأَلَةُ ذَكَرْنَاهَا فِي زَكَاةِ الْمَالِ وَيَجُوزُ أَنْ يُعْطَى مَا يَجِبُ فِي صَدَقَةِ الْفِطْر عَنْ إنْسَانٍ وَاحِدٍ جَمَاعَةً مَسَاكِينَ وَيُعْطَى مَا يَجِبُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِسْكِينًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ زَكَاةٌ فَجَازَ جَمْعُهَا وَتَفْرِيقُهَا كَزَكَاةِ الْمَالِ وَلَا يَبْعَثُ الْإِمَامُ عَلَيْهَا سَاعِيًا؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمْ يَبْعَثْ وَلَنَا فِيهِ قُدْوَةٌ.

[فَصْلٌ مَكَانُ أَدَاء صَدَقَة الْفِطْر]

(فَصْلٌ) :

وَأَمَّا مَكَانُ الْأَدَاءِ وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يُسْتَحَبُّ فِيهِ إخْرَاجُ الْفِطْرَةِ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُؤَدِّي زَكَاةَ الْمَالِ حَيْثُ الْمَالِ وَيُؤَدِّي صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَنْ نَفْسِهِ وَعَبِيدِهِ حَيْثُ هُوَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ يُؤَدِّي صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَنْ نَفْسِهِ حَيْثُ هُوَ وَعَنْ عَبِيدِهِ حَيْثُ هُمْ حَكَى الْحَاكِمُ رُجُوعَهُ وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ الطَّحَاوِيِّ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةِ مَعَ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَأَمَّا زَكَاةُ الْمَالِ فَحَيْثُ الْمَالِ فِي الرِّوَايَاتِ كُلِّهَا وَيُكْرَهُ إخْرَاجُهَا إلَى أَهْلِ غَيْرِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ إلَّا رِوَايَةً عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يُخْرِجَهَا إلَى قَرَابَتِهِ مِنْ أَهْلِ الْحَاجَةِ وَيَبْعَثَهَا إلَيْهِمْ.

وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ صَدَقَةَ الْفِطْرِ أَحَدُ نَوْعَيْ الزَّكَاةِ ثُمَّ زَكَاةُ الْمَالِ تُؤَدَّى حَيْثُ الْمَالُ فَكَذَا زَكَاةُ الرَّأْسِ وَوَجْهُ الْفَرْقِ لِمُحَمَّدٍ وَاضِحٌ وَهُوَ أَنَّ صَدَقَةَ الْفِطْرِ تَتَعَلَّقُ بِذِمَّةِ الْمُؤَدِّي لَا بِمَالِهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ هَلَكَ مَالُهُ لَا تَسْقُطُ الصَّدَقَةُ.

وَأَمَّا زَكَاةُ الْمَالِ فَإِنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ.

أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ هَلَكَ النِّصَابُ تَسْقُطُ؟ فَإِذَا تَعَلَّقَتْ الصَّدَقَةُ بِذِمَّةِ الْمُؤَدِّي اُعْتُبِرَ مَكَانُ الْمُؤَدِّي وَلَمَّا تَعَلَّقَتْ الزَّكَاةُ بِالْمَالِ اُعْتُبِرَ مَكَانُ الْمَالِ.

وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الصَّدَقَةِ أَنَّهُ يُؤَدَّى عَنْ الْعَبْدِ الْحَيِّ حَيْثُ هُوَ وَعَنْ الْمَيِّتِ حَيْثُ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ فِي الْعَبْدِ الْحَيِّ عَنْهُ فَيُعْتَبَرُ مَكَانُهُ وَفِي الْمَيِّتِ لَا فَيُعْتَبَرُ مَكَانُ الْمَوْلَى.

[فَصْلٌ بَيَانُ مَا يُسْقِطُ صَدَقَة الْفِطْر بَعْدَ الْوُجُوبِ]

(فَصْلٌ) :

وَأَمَّا بَيَانُ مَا يُسْقِطُهَا بَعْدَ الْوُجُوبِ فَمَا يُسْقِطُ زَكَاةَ الْمَالِ يُسْقِطُهَا إلَّا هَلَاكُ الْمَالِ فَإِنَّهَا لَا تَسْقُطُ بِهِ بِخِلَافِ زَكَاةِ الْمَالِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ صَدَقَةَ الْفِطْرِ تَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ وَذِمَّتُهُ قَائِمَةٌ بَعْدَ هَلَاكِ الْمَالِ فَكَانَ الْوَاجِبُ قَائِمًا، وَالزَّكَاةُ تَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ فَتَسْقُطُ بِهَلَاكِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[كِتَابُ الصَّوْمِ]

[فَصْل أَنْوَاعِ الصِّيَامِ]

(كِتَابُ الصَّوْمِ) .

الْكَلَامُ فِي هَذَا الْكِتَابِ يَقَعُ فِي مَوَاضِعَ فِي بَيَانِ أَنْوَاعِ الصِّيَامِ، وَصِفَةِ كُلِّ نَوْعٍ، وَفِي بَيَانِ شَرَائِطِهَا، وَفِي بَيَانِ أَرْكَانِهَا، وَيَتَضَمَّنُ بَيَانَ مَا يُفْسِدُهَا وَفِي بَيَانِ حُكْمِهَا إذَا فَسَدَتْ، وَفِي بَيَانِ حُكْمِ الصَّوْمِ الْمُؤَقَّتِ إذَا فَاتَ عَنْ وَقْتِهِ، وَفِي بَيَانِ مَا يُسَنُّ وَمَا يُسْتَحَبُّ لِلصَّائِمِ وَمَا يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَفْعَلَهُ، أَمَّا الْأَوَّلُ: فَالصَّوْمُ فِي الْقِسْمَةِ الْأُولَى وَيَنْقَسِمُ إلَى: لُغَوِيٍّ، وَشَرْعِيٍّ، أَمَّا اللُّغَوِيُّ: فَهُوَ الْإِمْسَاكُ الْمُطْلَقُ، وَهُوَ الْإِمْسَاكُ عَنْ أَيِّ شَيْءٍ كَانَ فَيُسَمَّى الْمُمْسِكُ عَنْ الْكَلَامِ وَهُوَ الصَّامِتُ صَائِمًا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا﴾ [مريم: ٢٦] أَيْ صَمْتًا وَيُسَمَّى الْفَرَسُ الْمُمْسِكُ عَنْ الْعَلَفِ صَائِمًا قَالَ الشَّاعِرُ:

خَيْلٌ صِيَامٌ وَخَيْلٌ غَيْرُ صَائِمَةٍ … تَحْتَ الْعَجَاجِ وَأُخْرَى تَعْلُكُ اللُّجُمَا

أَيْ: مُمْسِكَةٌ عَنْ الْعَلَفِ، وَغَيْرُ مُمْسِكَةٍ.

وَأَمَّا الشَّرْعِيُّ: فَهُوَ الْإِمْسَاكُ عَنْ أَشْيَاءَ مَخْصُوصَةٍ وَهِيَ: الْأَكْلُ، وَالشُّرْبُ، وَالْجِمَاعُ، بِشَرَائِطَ مَخْصُوصَةٍ نَذْكُرُهَا فِي مَوَاضِعِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ الشَّرْعِيُّ يَنْقَسِمُ إلَى: فَرْضٍ، وَوَاجِبٍ، وَتَطَوُّعٍ، وَالْفَرْضُ يَنْقَسِمُ إلَى: عَيْنٍ، وَدَيْنٍ، فَالْعَيْنُ: مَا لَهُ وَقْتٌ مُعَيَّنٌ، إمَّا بِتَعْيِينِ اللَّهِ تَعَالَى كَصَوْمِ رَمَضَانَ، وَصَوْمِ التَّطَوُّعِ خَارِجَ رَمَضَانَ، لِأَنَّ خَارِجَ رَمَضَانَ مُتَعَيَّنٌ لِلنَّفْلِ شَرْعًا، وَإِمَّا بِتَعْيِينِ الْعَبْدِ كَالصَّوْمِ الْمَنْذُورِ بِهِ فِي وَقْتٍ بِعَيْنِهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى فَرْضِيَّةِ صَوْمِ شَهْرِ رَمَضَانَ: الْكِتَابُ، وَالسُّنَّةُ، وَالْإِجْمَاعُ، وَالْمَعْقُولُ، أَمَّا الْكِتَابُ: فَقَوْلُهُ تَعَالَى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة: ١٨٣] وَقَوْلُهُ ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ﴾ [البقرة: ١٨٣] أَيْ: فُرِضَ، وقَوْله تَعَالَى ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ [البقرة: ١٨٥] وَأَمَّا السُّنَّةُ: فَقَوْلُ النَّبِيِّ ﷺ «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ، وَحَجِّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلًا» وَقَوْلُهُ ﷺ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ: «أَيّهَا النَّاسُ اُعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَصَلُّوا خَمْسَكُمْ وَصُومُوا شَهْرَكُمْ وَحُجُّوا بَيْتَ رَبِّكُمْ وَأَدُّوا زَكَاةَ أَمْوَالِكُمْ طَيِّبَةً بِهَا أَنْفُسُكُمْ تَدْخُلُوا جَنَّةَ رَبِّكُمْ» وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ: فَإِنَّ الْأُمَّةَ أَجْمَعَتْ عَلَى فَرْضِيَّةِ شَهْرِ رَمَضَانَ، لَا يَجْحَدُهَا إلَّا كَافِرٌ.

وَأَمَّا الْمَعْقُولُ فَمِنْ وُجُوهٍ أَحَدُهَا: أَنَّ الصَّوْمَ وَسِيلَةٌ إلَى شُكْرِ النِّعْمَةِ إذْ هُوَ كَفُّ النَّفْسِ عَنْ الْأَكْلِ، وَالشُّرْبِ، وَالْجِمَاعِ، وَإِنَّهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>