الْوَلَدِ وَلَا تَصِيرُ الْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ، وَكَانَتْ الْجَارِيَةُ وَوَلَدُهَا مَمْلُوكَيْنِ، وَإِنْ صَدَّقَهُ كَانَ الْوَلَدُ ابْنَ الْمَوْلَى وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَوْمَ وُلِدَ.
وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الزِّيَادَاتِ وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا، وَكَذَا ذَكَرَ فِي الدَّعَاوَى إلَّا أَنَّهُ قَالَ: أَسْتَحْسِنُ ذَلِكَ إذَا كَانَ الْحَبَلُ فِي مِلْكِ الْمُكَاتِبِ، وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْقِيَاسَ أَنْ لَا يَعْتِقَ الْوَلَدُ وَإِنْ صَدَّقَهُ الْمُكَاتِبُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ فِي نَوَادِرِهِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمَوْلَى يُصَدَّقُ بِغَيْرِ تَصْدِيقِ الْمَكَاتِبِ.
وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ بِغَيْرِ تَصْدِيقٍ، فَكَذَا مَعَ التَّصْدِيقِ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ لَا يَمْلِكُ التَّحْرِيرَ بِنَفْسِهِ فَلَا يَمْلِكُ التَّصْدِيقَ بِالْحُرِّيَّةِ أَيْضًا، وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ حَقَّ الرَّجُلِ فِي مَالِ مُكَاتَبِهِ أَقْوَى مِنْ حَقِّهِ فِي مَالِ وَلَدِهِ، فَلَمَّا ثَبَتَ النَّسَبُ فِي جَارِيَةِ الِابْنِ مِنْ غَيْرِ تَصْدِيقٍ فَهَهُنَا أَوْلَى، وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ حَقَّ الْمُكَاتَبِ فِي كَسْبِهِ أَقْوَى مِنْ حَقِّ الْمَوْلَى بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ النَّزْعَ مِنْ يَدِهِ فَكَانَ الْمَوْلَى فِي حَقِّ مِلْكِ التَّصَرُّفِ فِي مَالِ الْمُكَاتَبِ بِمَنْزِلَةِ الْأَجْنَبِيِّ، فَتَقِفُ صِحَّةُ دَعْوَتِهِ عَلَى تَصْدِيقِ الْمُكَاتَبِ فَإِنْ صَدَّقَهُ كَانَ الْوَلَدُ ابْنَ الْمَوْلَى وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَوْمَ وُلِدَ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ وَلَدَ الْمَغْرُورِ لِثُبُوتِ الْمِلْكِ فِي الْأُمِّ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الذَّاتِ فِي الْمُكَاتَبِ لِلْمَوْلَى وَمِلْكُ التَّصَرُّفَاتِ لِلْمُكَاتَبِ كَالْمَغْرُورِ، أَنَّهُ يَثْبُتُ الْمِلْكُ فِي الْأُمِّ ظَاهِرًا وَلِلْمُسْتَحِقِّ حَقِيقَةً، وَوَلَدُ الْمَغْرُورِ حُرٌّ بِالْقِيمَةِ.
قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الزِّيَادَاتِ: إذَا اشْتَرَى الْمُكَاتَبُ أَمَةً حَامِلًا فَادَّعَى مَوْلَاهَا وَلَدَهَا، أَوْ اشْتَرَى عَبْدًا صَغِيرًا فَادَّعَاهُ لَمْ يَجُزْ دَعْوَتُهُ إلَّا بِالتَّصْدِيقِ كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، إلَّا أَنَّ هُنَاكَ إذَا صَدَّقَهُ يَثْبُتُ النَّسَبُ وَيَعْتِقُ وَهَهُنَا إنْ صَدَّقَهُ الْمَكَاتِبُ ثَبَتَ نَسَبُهُ وَلَا يَعْتِقُ؛ لِأَنَّ تِلْكَ الدَّعْوَةَ دَعْوَةُ اسْتِيلَادٍ لِعَدَمِ الْعُلُوقِ فِي الْمِلْكِ فَكَانَتْ دَعْوَةَ تَحْرِيرٍ، وَالْمَوْلَى لَا يَمْلِكُ تَحْرِيرَهُ.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَهُ لَا تَصِحُّ؟ إلَّا أَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ، وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ ثُبُوتِ النَّسَبِ ثُبُوتُ الْعِتْقِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ ادَّعَى وَلَدَ أَمَةٍ أَجْنَبِيٍّ فَصَدَّقَهُ مَوْلَاهُ يَثْبُتُ النَّسَبُ وَلَا يَعْتِقُ فِي الْحَالِ؟ كَذَا هَهُنَا.
[فَصْلٌ فِي صِفَة الِاسْتِيلَاد]
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا صِفَةُ الِاسْتِيلَادِ فَالِاسْتِيلَادُ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ كَالتَّدْبِيرِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ هُوَ مُتَجَزِّئٌ إلَّا أَنَّهُ قَدْ يَتَكَامَلُ عِنْدَ وُجُودِ سَبَبِ التَّكَامُلِ وَشَرْطِهِ، وَهُوَ إمْكَانُ التَّكَامُلِ، وَقِيلَ: إنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ أَيْضًا لَكِنْ فِيمَا يَحْتَمِلُ نَقْلَ الْمِلْكِ فِيهِ.
وَأَمَّا فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ فَهُوَ مُتَجَزِّئٌ عِنْدَهُ.
وَبَيَانُ هَذَا مَا ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ فِي الْأَمَةِ الْقِنَّةِ بَيْنَ اثْنَيْنِ، جَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا أَنَّ كُلَّهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ، وَإِنْ ادَّعَيَاهُ جَمِيعًا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُمَا جَمِيعًا ثُمَّ أُمُّ الْوَلَدِ الْخَالِصَةُ إذَا أَعْتَقَ الْمَوْلَى نِصْفَهَا عَتَقَ كُلُّهَا بِالْإِجْمَاعِ، وَكَذَا إذَا كَانَتْ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَأَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ عَتَقَ جَمِيعُهَا بِلَا خِلَافٍ، لَكِنْ عِنْدَهُمَا لِعَدَمِ تَجَزُّؤِ الْإِعْتَاقِ، وَعِنْدَهُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِي بَقَاءِ حُكْمِ الِاسْتِيلَادِ فِي الْبَاقِي لَا بِإِعْتَاقِهِ كَمَا فِي الطَّلَاقِ وَالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي كِتَابِ الْعَتَاق.
وَلَا ضَمَانَ عَلَى الشَّرِيكِ الْمُعْتِقِ وَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ فِي مَوْضِعِهَا، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ فِي هَذَا الْحُكْمِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَوْ كَانَتْ مُدَبَّرَةً صَارَ نَصِيبُ الْمُدَّعِي أُمَّ وَلَدٍ لَهُ، وَنُصِيبُ الْآخَرِ بَقِيَ مُدَبَّرًا عَلَى حَالِهِ، وَإِنْ كَانَتْ مُكَاتَبَةً بَيْنَ اثْنَيْنِ صَارَ نَصِيبُ الْمُدَّعِي أُمَّ وَلَدٍ عِنْد أَبِي حَنِيفَةَ، وَتَبْقَى الْكِتَابَةُ، وَعِنْدَهُمَا يَصِيرُ الْكُلُّ أُمَّ وَلَدٍ لِلْمُدَّعِي، وَتُفْسَخُ الْكِتَابَةُ فِي النِّصْفِ وَهِيَ مِنْ مَسَائِلِ كِتَابِ الْمُكَاتَبِ.
[فَصْلٌ فِي حُكْم الِاسْتِيلَادِ]
وَأَمَّا حُكْمُ الِاسْتِيلَادِ فَنَوْعَانِ أَيْضًا: كَحُكْمِ التَّدْبِيرِ أَحَدُهُمَا، يَتَعَلَّقُ بِحَالِ حَيَاةِ الْمُسْتَوْلِدِ، وَالثَّانِي، يَتَعَلَّقُ بِمَا بَعْدَ مَوْتِهِ.
أَمَّا الْأَوَّلُ فَمَا ذَكَرْنَا فِي التَّدْبِيرِ وَهُوَ ثُبُوتُ حَقِّ الْحُرِّيَّةِ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ.
وَقَالَ بِشْرُ بْنُ غِيَاثٍ الْمَرِيسِيِّ وَدَاوُد بْنُ عَلِيٍّ الْأَصْفَهَانِيُّ إمَامُ أَصْحَابِ الظَّاهِرِ لَا حُكْمَ لَهُ فِي الْحَالِ، وَعَلَى هَذَا تُبْتَنَى جُمْلَةٌ مِنْ الْأَحْكَامِ؛ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ أُمِّ الْوَلَدِ عِنْدَ الْعَامَّةِ، وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ.
وَاحْتَجَّا بِمَا رُوِيَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ: «كُنَّا نَبِيعُ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ عَلَى عَهْد رَسُولِ اللَّهِ ﷺ» وَلِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ لَهُ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا، وَلَا يَحِلُّ الْوَطْءُ إلَّا فِي الْمِلْكِ، وَكَذَا تَصِحُّ إجَارَتُهَا وَكِتَابَتُهَا، فَدَلَّ أَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ لَهُ فَيَجُوزُ بَيْعُهَا كَبَيْعِ الْقِنَّةِ، وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «أُمُّ الْوَلَدِ لَا تُبَاعُ وَلَا تُوهَبُ وَهِيَ حُرَّةٌ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ» وَهَذَا نَصٌّ فِي الْبَابِ.
وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ «قَالَ فِي أُمِّ إبْرَاهِيمَ ﵇: أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا» فَظَاهِرُهُ يَقْتَضِي ثُبُوتَ حَقِيقَةِ الْحُرِّيَّةِ لِلْحَالِ، أَوْ الْحُرِّيَّةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، إلَّا أَنَّهُ تَأَخَّرَ ذَلِكَ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ بِالْإِجْمَاعِ، فَلَا أَقَلَّ مِنْ انْعِقَادِ سَبَبِ الْحُرِّيَّةِ، أَوْ الْحُرِّيَّةِ مِنْ وَجْهٍ، وَكُلُّ ذَلِكَ عَدَمٌ