وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَفِي بَيَانِ حُكْمِ الدَّعْوَى وَمَا يَتَّصِلُ بِهِ وَفِي بَيَانِ حُجَّةِ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَفِي بَيَانِ عَلَائِقِ الْيَمِينِ وَفِي بَيَانِ مَا تَنْدَفِعُ بِهِ الْخُصُومَةُ عَنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَيَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ خَصْمًا وَفِي بَيَانِ حُكْمِ تَعَارُضِ الدَّعْوَتَيْنِ مَعَ تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ وَحُكْمِ تَعَارُضِ الدَّعْوَى لَا غَيْرَ وَفِي بَيَانِ حُكْمِ الْمِلْكِ وَالْحَقِّ الثَّابِتِ فِي الْمَحَلِّ (أَمَّا) رُكْنُ الدَّعْوَى فَهُوَ قَوْلُ الرَّجُلِ لِي عَلَى فُلَانٍ أَوْ قِبَل فُلَانٍ كَذَا أَوْ قَضَيْتُ حَقَّ فُلَانٍ أَوْ أَبْرَأَنِي عَنْ حَقِّهِ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَإِذَا قَالَ ذَلِكَ فَقَدْ تَمَّ الرُّكْنُ.
[فَصْلٌ فِي الشَّرَائِطِ الْمُصَحِّحَةِ لِلدَّعْوَى]
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا الشَّرَائِطُ الْمُصَحِّحَةُ لِلدَّعْوَى فَأَنْوَاعٌ مِنْهَا عَقْلُ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَلَا تَصِحُّ دَعْوَى الْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ وَكَذَا لَا تَصِحُّ الدَّعْوَى عَلَيْهِمَا حَتَّى لَا يَلْزَمَ الْجَوَابُ وَلَا تُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ لِأَنَّهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى الدَّعْوَى الصَّحِيحَةِ وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ الْمُدَّعَى مَعْلُومًا لِتَعَذُّرِ الشَّهَادَةِ وَالْقَضَاءِ بِالْمَجْهُولِ وَالْعِلْمُ بِالْمُدَّعَى إنَّمَا يَحْصُلُ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ إمَّا الْإِشَارَةُ وَإِمَّا التَّسْمِيَةُ وَجُمْلَةُ الْكَلَامِ فِيهِ أَنَّ الْمُدَّعَى لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ عَيْنًا وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ دَيْنًا فَإِنْ كَانَ عَيْنًا فَلَا يَخْلُو إمَّا إنْ كَانَ مُحْتَمِلًا لِلنَّقْلِ أَوْ لَمْ يَكُنْ مُحْتَمِلًا لِلنَّقْلِ فَإِنْ كَانَ مُحْتَمِلًا لِلنَّقْلِ فَلَا بُدَّ مِنْ إحْضَارِهِ لِتُمْكِنَ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ عِنْدَ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ فَيَصِيرُ مَعْلُومًا بِهَا إلَّا إذَا تَعَذَّرَ نَقْلُهُ كَحَجَرِ الرَّحَى وَنَحْوِهِ فَإِنْ شَاءَ الْقَاضِي اسْتَحْضَرَهُ وَإِنْ شَاءَ بَعَثَ إلَيْهِ أَمِينًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحْتَمِلًا لِلنَّقْلِ وَهُوَ الْعَقَارُ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ حَدِّهِ لِيَكُونَ مَعْلُومًا لِأَنَّ الْعَقَارَ لَا يَصِيرُ مَعْلُومًا إلَّا بِالتَّحْدِيدِ.
ثُمَّ لَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا يُكْتَفَى فِيهِ بِذِكْرِ حَدٍّ وَاحِدٍ وَكَذَا بِذِكْرِ حَدَّيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَهَلْ تَقَعُ الْكِفَايَةُ بِذَكَرِ ثَلَاثَةِ حُدُودٍ قَالَ عُلَمَاؤُنَا الثَّلَاثَةُ ﵃ نَعَمْ وَقَالَ زُفَرُ ﵁ لَا وَهِيَ مَسْأَلَةُ كِتَابِ الشُّرُوطِ وَكَذَا لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ مَوْضِعِ الْمَحْدُودِ وَبَلَدِهِ لِيَصِيرَ مَعْلُومًا هَذَا إذَا كَانَ الْمُدَّعَى عَيْنًا فَإِنْ كَانَ دَيْنًا فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ جِنْسِهِ وَنَوْعِهِ وَقَدْرِهِ وَصِفَتِهِ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَا يَصِيرُ مَعْلُومًا إلَّا بِبَيَانِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَمِنْهَا أَنْ يَذْكُرَ الْمُدَّعِي فِي دَعْوَى الْعَقَارِ أَنَّهُ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِأَنَّ الدَّعْوَى لَا بُدَّ وَأَنْ تَكُونَ عَلَى خَصْمٍ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنَّمَا يَصِيرُ خَصْمًا إذَا كَانَ بِيَدِهِ فَلَا بُدَّ وَأَنْ يَذْكُرَ أَنَّهُ فِي يَدِهِ لِيَصِيرَ خَصْمًا فَإِذَا ذَكَرَ وَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَلَا بَيِّنَةَ لِلْمُدَّعِي فَإِنَّهُ يَحْلِفُ مِنْ غَيْرِ الْحَاجَةِ إلَى إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ مِنْ الْمُدَّعِي عَلَى أَنَّهُ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ لَهُ بَيِّنَةٌ لَا تُسْمَعُ حَتَّى يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّهُ فِي يَدِ هَذَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ مِنْ الْجَائِزِ أَنْ يَكُونَ صَاحِبُ الْيَدِ غَيْرَهُ وَاصْطَلَحَا عَلَى ذَلِكَ فَلَوْ سَمِعَ الْقَاضِي بَيِّنَتَهُ لَكَانَ قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ وَهَذَا الْمَعْنَى هُنَا مُتَعَذِّرٌ لِأَنَّهُ لَا قَضَاءَ هُنَا أَصْلًا لِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَحْلِفَ وَإِمَّا أَنْ يَنْكُلَ فَإِنْ حَلَفَ فَالْأَمْرُ فِيهِ ظَاهِرٌ وَإِنْ نَكَلَ فَكَذَا لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْضِي بِشَيْءٍ وَإِنَّمَا يَأْمُرُهُ بِأَنْ يَخْرُجَ مِنْ الدَّارِ وَيُخَلِّيَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمُدَّعِي وَمِنْهَا أَنْ يَذْكُرَ أَنَّهُ يُطَالِبُهُ بِهِ لِأَنَّ حَقَّ الْإِنْسَانِ إنَّمَا يَجِبُ إيفَاؤُهُ بِطَلَبِهِ وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ بِلِسَانِهِ عَيْنًا إذَا لَمْ يَكُنْ بِهِ عُذْرٌ إلَّا إذَا رَضِيَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِلِسَانِ غَيْرِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَة وَعِنْدَهُمَا لَيْسَ بِشَرْطٍ حَتَّى لَوْ وَكَّلَ الْمُدَّعِي بِالْخُصُومَةِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَلَمْ يَرْضَ بِهِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا تَصِحُّ دَعْوَاهُ عِنْدَهُ حَتَّى لَا يَلْزَمَ الْجَوَابُ وَلَا تُسْمَعَ مِنْهُ الْبَيِّنَةُ وَعِنْدَهُمَا تَصِحُّ حَتَّى يَلْزَمَ وَتُسْمَعَ لِمَا عُلِمَ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ.
وَمِنْهَا مَجْلِسُ الْحُكْمِ فَلَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى إلَّا بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي كَمَا لَا تُسْمَعُ الشَّهَادَةُ إلَّا بَيْنَ يَدَيْهِ وَمِنْهَا حَضْرَةُ الْخَصْمِ فَلَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةُ إلَّا عَلَى خَصْمٍ حَاضِرٍ إلَّا إذَا الْتَمَسَ الْمُدَّعِي بِذَلِكَ كِتَابًا حُكْمِيًّا لِلْقَضَاءِ بِهِ فَيُجِيبُهُ الْقَاضِي إلَيْهِ فَيَكْتُبُ إلَى الْقَاضِي الَّذِي الْغَائِبُ فِي بَلَدِهِ بِمَا سَمِعَهُ مِنْ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ لِيَقْضِيَ عَلَيْهِ وَهَذَا عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ ﵀ حَضْرَةُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ لِسَمَاعِ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةِ وَالْقَضَاءِ فَيَجُوزُ الْقَضَاءُ عَلَى الْغَائِبِ عِنْدَهُ وَعِنْدَنَا لَا يَجُوزُ وَجْهُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ ﵀ أَنَّهُ ظَهَرَ صِدْقُ الْمُدَّعِي فِي دَعْوَاهُ عَلَى الْغَائِبِ بِالْبَيِّنَةِ فَيَجُوزُ الْقَضَاءُ بِبَيِّنَتِهِ قِيَاسًا عَلَى الْحَاضِرِ وَدَلَالَةُ الْوَصْفِ أَنَّ دَعْوَى الْمُدَّعِي وَإِنْ كَانَ خَبَرًا يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ لَكِنْ يُرَجَّحُ جَانِبُ صِدْقِهِ عَلَى جَانِبِ الْكَذِبِ فِي خَبَرِهِ بِالْبَيِّنَةِ فَيَظْهَرُ صِدْقُهُ فِي دَعْوَاهُ كَمَا إذَا كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَاضِرًا يُحَقِّقُهُ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مُقِرًّا وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُنْكَرًا فَإِنْ كَانَ مُقِرًّا فَكَانَ الْمُدَّعِي صَادِقًا فِي دَعْوَاهُ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْقَضَاءِ وَإِنْ كَانَ مُنْكِرًا فَظَهَرَ صِدْقُهُ بِالْبَيِّنَةِ فَكَانَ الْقَضَاءُ بِالْبَيِّنَةِ قَضَاءً بِحُجَّةٍ مُظْهِرَةٍ لِلْحَقِّ فَجَازَ.
(وَلَنَا) مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ لِسَيِّدِنَا عَلِيٍّ ﵁ «لَا تَقْضِ لِأَحَدِ الْخَصْمَيْنِ مَا لَمْ تَسْمَعْ كَلَامَ الْآخَرِ» نَهَاهُ ﵊ عَنْ الْقَضَاءِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute