للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَحَصَدْت لَا بُدَّ مِنْ تَقَدُّمِ الزَّرْعِ الْحَصَادَ، وَالْحَمْلِ الْوِلَادَةَ، وَالْحَيْضِ الطُّهْرَ؛ لِأَنَّ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ يَتَعَقَّبُ الْآخَرَ عَادَةً فَلَزِمَ مُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ بِالْعَادَةِ، وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ تَزَوَّجْتُك وَطَلَّقْتُك فَعَبْدِي حُرٌّ وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً بَائِنَةً ثُمَّ تَزَوَّجَهَا عَتَقَ عَبْدُهُ؛ لِأَنَّهَا لَا تَحْتَمِلُ التَّزَوُّجَ لِلْحَالِ لِكَوْنِهَا زَوْجَةً لَهُ وَتَحْتَمِلُ الطَّلَاقَ فَيُرَاعَى فِيهِ مَعْنَى الْجَمْعِ الْمُطْلَقِ لَا التَّرْتِيبِ، وَمَتَى طَلَّقَهَا وَتَزَوَّجَهَا فَقَدْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فَوُجِدَ الشَّرْطُ.

[فَصْلٌ فِي الْحَلِفِ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْ إقَامَتِهِ]

(فَصْلٌ) :

وَأَمَّا الْحَلِفُ عَلَى الْخُرُوجِ فَالْخُرُوجُ هُوَ الِانْفِصَالُ مِنْ الْحِصْنِ إلَى الْعَوْرَةِ عَلَى مُضَادَّةِ الدُّخُولِ، فَلَا يَكُونُ الْمُكْثُ بَعْدَ الْخُرُوجِ خُرُوجًا كَمَا لَا يَكُونُ الْمُكْثُ بَعْدَ الدُّخُولِ دُخُولًا لِانْعِدَامِ حَدِّهِ وَحَقِيقَتِهِ، ثُمَّ الْخُرُوجُ كَمَا يَكُونُ مِنْ الْبُلْدَانِ وَالدُّورِ وَالْمَنَازِلِ وَالْبُيُوتِ يَكُونُ مِنْ الْأَخْبِيَةِ وَالْفَسَاطِيطِ وَالْخِيَمِ وَالسُّفُنِ لِوُجُودِ حَدِّهِ كَالدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ مِنْ الدُّورِ الْمَسْكُونَةِ أَنْ يَخْرُجَ الْحَالِفُ بِنَفْسِهِ وَمَتَاعِهِ وَعِيَالِهِ، كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يَسْكُنُ، وَالْخُرُوجُ مِنْ الْبُلْدَانِ وَالْقُرَى أَنْ يَخْرُجَ الْحَالِفُ بِبَدَنِهِ خَاصَّةً وَهَذَا يَشْهَدُ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ مِنْ أَصْحَابِنَا: إنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يَسْكُنُ فِي بَلَدٍ فَخَرَجَ بِنَفْسِهِ دُونَ عِيَالِهِ لَا يَحْنَثُ، وَالتَّعْوِيلُ فِي هَذَا عَلَى الْعُرْفِ، فَإِنَّ مَنْ خَرَجَ مِنْ الدَّارِ وَأَهْلُهُ وَمَتَاعُهُ فِيهَا لَا يُعَدُّ خَارِجًا مِنْ الدَّارِ.

وَيُقَالُ: لَمْ يَخْرُجْ فُلَانٌ مِنْ الدَّارِ إذَا كَانَ أَهْلُهُ وَمَتَاعُهُ فِيهَا، وَمَنْ خَرَجَ مِنْ الْبَلَدِ يُعَدُّ خَارِجًا مِنْ الدَّارِ وَإِنْ كَانَ أَهْلُهُ وَمَتَاعُهُ فِيهِ.

وَقَالَ هِشَامٌ سَمِعْت أَبَا يُوسُفَ قَالَ: إذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَخْرُجُ وَهُوَ فِي بَيْتٍ مِنْ الدَّارِ فَخَرَجَ إلَى صَحْنِ الدَّارِ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ الدَّارَ وَالْبَيْتَ فِي حُكْمِ بُقْعَةٍ وَاحِدَةٍ فَالْحَلِفُ عَلَى الْخُرُوجِ الْمُطْلَقِ يَقْتَضِي الْخُرُوجَ مِنْهُمَا جَمِيعًا فَمَا لَمْ يُوجَدْ لَا يَحْنَثُ إلَّا أَنْ تَكُونَ نِيَّتُهُ أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ الْبَيْتِ فَإِذَا خَرَجَ إلَى صَحْنِ الدَّارِ حَنِثَ؛ لِأَنَّهُ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ وَهُوَ الِانْفِصَالُ مِنْ دَاخِلٍ إلَى خَارِجٍ وَفِيهِ تَشْدِيدٌ عَلَى نَفْسِهِ، فَإِنْ قَالَ: نَوَيْت الْخُرُوجَ إلَى مَكَّةَ أَوْ خُرُوجًا مِنْ الْبَلَدِ فَإِنَّهُ لَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ وَلَا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ نَوَى تَخْصِيصَ الْمَكَانِ وَهُوَ لَيْسَ بِمَذْكُورٍ، وَغَيْرُ الْمَذْكُورِ لَا يَحْتَمِلُ نِيَّةَ التَّخْصِيصِ، وَكَذَلِكَ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ: لَوْ قَالَ إنْ خَرَجْت فَعَبْدِي حُرٌّ.

وَقَالَ عَنَيْت بِهِ السَّفَرَ إلَى بَغْدَادَ دُونَ مَا سِوَاهَا لَمْ يُدَيَّنْ فِي الْقَضَاءِ وَلَا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِمَا قُلْنَا.

وَقَالَ هِشَامٌ: سَأَلْت مُحَمَّدًا عَنْ رَجُلٍ حَلَفَ لَا يَخْرُجُ مِنْ الرَّيِّ إلَى الْكُوفَةِ فَخَرَجَ مِنْ الرَّيِّ يُرِيدُ مَكَّةَ وَطَرِيقُهُ عَلَى الْكُوفَةِ.

قَالَ مُحَمَّدٌ إنْ كَانَ حِينَ خَرَجَ مِنْ الرَّيِّ نَوَى أَنْ يَمُرَّ بِالْكُوفَةِ فَهُوَ حَانِثٌ وَإِنْ كَانَ حِينَ خَرَجَ مِنْ الرَّيِّ نَوَى أَنْ لَا يَمُرَّ بِهَا ثُمَّ بَدَا لَهُ بَعْدَمَا خَرَجَ وَصَارَ مِنْ الرَّيِّ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ أَنْ يَمُرَّ بِالْكُوفَةِ فَمَرَّ بِهَا لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ تُعْتَبَرُ حِينَ الْخُرُوجِ، وَفِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ وُجِدَتْ نِيَّةُ الْخُرُوجِ إلَى الْكُوفَةِ لِأَنَّهُ لَمَّا نَوَى أَنْ يَخْرُجَ إلَى مَكَّةَ وَيَمُرَّ فَقَدْ نَوَى الْخُرُوجَ إلَى الْكُوفَةِ وَإِلَى غَيْرِهَا فَيَحْنَثُ، وَفِي الْفَصْلِ الثَّانِي لَمْ تُوجَدْ النِّيَّةُ وَقْتَ الْخُرُوجِ فَلَا يَحْنَثُ، وَإِنْ كَانَ نِيَّتُهُ أَنْ لَا يَخْرُجَ إلَى الْكُوفَةِ خَاصَّةً لَيْسَتْ إلَى غَيْرِهَا ثُمَّ بَدَا لَهُ الْحَجُّ فَخَرَجَ وَنَوَى أَنْ يَمُرَّ بِالْكُوفَةِ.

قَالَ مُحَمَّدٌ: هَذَا لَا يَحْنَثُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ ﷿ لِأَنَّهُ نَوَى تَخْصِيصَ مَا فِي لَفْظِهِ.

وَقَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي رَجُلٍ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ خَرَجْت مِنْ هَذِهِ الدَّارِ إلَّا إلَى الْمَسْجِدِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَخَرَجَتْ تُرِيدُ الْمَسْجِدَ ثُمَّ بَدَا لَهَا فَذَهَبَتْ إلَى غَيْرِ الْمَسْجِدِ لَمْ تَطْلُقْ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْخُرُوجَ إلَى الْمَسْجِدِ مُسْتَثْنًى مِنْ الْيَمِينِ وَلَمَّا خَرَجَتْ تُرِيدُ الْمَسْجِدَ فَقَدْ تَحَقَّقَ الْخُرُوجُ إلَى الْمَسْجِدِ فَوُجِدَ الْخُرُوجُ الْمُسْتَثْنَى فَبَعْدَ ذَلِكَ وَإِنْ قَصَدَتْ غَيْرَ الْمَسْجِدِ لَكِنْ لَا يُوجَدُ الْخُرُوجُ بَلْ الْمُكْثُ فِي الْخَارِجِ وَإِنَّهُ لَيْسَ بِخُرُوجٍ لِعَدَمِ حَدِّهِ فَلَا يَحْنَثُ.

وَقَالَ عُمَرُ بْنُ أَسَدٍ: سَأَلْت مُحَمَّدًا عَنْ رَجُلٍ حَلَفَ لَيَخْرُجَنَّ مِنْ الْبَلْدَةِ مَا الْخُرُوجُ؟ قَالَ إذَا جَعَلَ الْبُيُوتَ خَلْفَ ظَهْرِهِ؛ لِأَنَّ مَنْ حَصَلَ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ جَازَ لَهُ الْقَصْرُ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ الْقَصْرُ إلَّا بِالْخُرُوجِ مِنْ الْبَلَدِ فَعُلِمَ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ الْبَلَدِ.

قَالَ عُمَرُ: سَأَلْت مُحَمَّدًا عَنْ رَجُلٍ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ خَرَجْت فِي غَيْرِ حَقٍّ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَخَرَجَتْ فِي جِنَازَةِ وَالِدِهَا أَوْ أَخٍ لَا تَطْلُقُ، وَكَذَلِكَ كُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ، وَكَذَلِكَ خُرُوجُهَا إلَى الْعُرْسِ أَوْ خُرُوجُهَا فِيمَا يَجِبُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ الْمَذْكُورَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لَا يُرَادُ بِهِ الْوَاجِبُ عَادَةً وَإِنَّمَا يُرَادُ بِهِ الْمُبَاحُ الَّذِي لَا مَأْثَمَ فِيهِ، وَلَوْ قَالَ لَهَا إنْ خَرَجْتِ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَخَرَجَتْ مِنْهَا مِنْ الْبَابِ أَيَّ بَابٍ كَانَ وَمِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ مِنْ فَوْقِ حَائِطٍ أَوْ سَطْحٍ أَوْ نَقْبٍ حَنِثَ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَهُوَ الْخُرُوجُ مِنْ الدَّارِ، وَلَوْ قَالَ إنْ خَرَجْت مِنْ بَابِ هَذِهِ الدَّارِ فَخَرَجَتْ مِنْ أَيِّ بَابٍ كَانَ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>