لِلْعُرْفِ وَالْعَادَةِ وَلَا عُرْفَ هَهُنَا يُخَالِفُ الْقِيَاسَ فَعَمَدْنَا لِلْقِيَاسِ فِيهِ، وَلَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَشْتَرِي بِهَذَا الدِّرْهَمِ إلَّا ثَلَاثَةَ أَرْطَالِ لَحْمٍ فَاشْتَرَى بِبَعْضِ الدِّرْهَمِ لَحْمًا أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَرْطَالٍ وَبِبَقِيَّتِهِ غَيْرَ لَحْمٍ حَنِثَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَاَللَّهِ لَا أَشْتَرِي بِهَذَا الدِّرْهَمِ يَقَعُ عَلَى كُلِّ شِرَاءٍ بِهَذَا الدِّرْهَمِ ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ شِرَاءً بِصِفَةٍ وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ ثَلَاثَةَ أَرْطَالٍ وَلَمْ يُوجَدْ فَلَمْ يُوجَدْ الْمُسْتَثْنَى فَبَقِيَ مَا شَرَاهُ دَاخِلًا فِي الْيَمِينِ فَيَحْنَثُ بِهِ، وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ مَا إذَا قَالَ لِرَجُلَيْنِ: وَاَللَّهِ لَا تَبِيتَانِ إلَّا فِي بَيْتٍ فَبَاتَ أَحَدُهُمَا فِي بَيْتٍ وَالْآخَرُ فِي بَيْتٍ آخَرَ حَنِثَ لِأَنَّهُ جَعَلَ شَرْطَ حِنْثِهِ بَيْتُوتَتَهُمَا جَمِيعًا فِي غَيْرِ بَيْتٍ وَاحِدٍ وَقَدْ بَاتَا فِي غَيْرِ بَيْتٍ وَاحِدٍ لِأَنَّهُمَا بَاتَا فِي بَيْتَيْنِ فَوُجِدَ شَرْطُ الْحِنْثِ فَهُوَ الْفَرْقُ.
وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ فِي رَجُلٍ قَالَ: إنْ كُنْت ضَرَبْت هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ إلَّا فِي دَارِ فُلَانٍ فَعَبْدِي حُرٌّ وَقَدْ ضَرَبَ وَاحِدًا مِنْهُمَا فِي دَارِ فُلَانٍ وَوَاحِدًا فِي غَيْرِهَا فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ جَعَلَ شَرْطَ حِنْثِهِ ضَرْبَهُمَا فِي غَيْرِ دَارِ فُلَانٍ وَلَمْ يُوجَدْ، وَلَوْ قَالَ: إنْ لَمْ أَكُنْ ضَرَبْته هَذَيْنِ السَّوْطَيْنِ فِي دَارِ فُلَانٍ فَعَبْدِي حُرٌّ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا حَنِثَ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ أَنْ يَجْتَمِعَ الشَّرْطَانِ فِي دَارِ فُلَانٍ وَلَمْ يَجْتَمِعَا فَيَحْنَثَ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ عَلَى فُلَانٍ فَدَخَلَ عَلَيْهِ بَيْتَهُ فَإِنْ قَصَدَهُ بِالدُّخُولِ يَحْنَثْ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْهُ لَا يَحْنَثْ، وَكَذَلِكَ إذَا دَخَلَ عَلَيْهِ بَيْتَ غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ الْقَصْدُ لِيَكُونَ دَاخِلًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إنَّمَا يَحْلِفُ أَنْ لَا يَدْخُلَ عَلَى غَيْرِهِ اسْتِخْفَافًا بِهِ وَتَرْكًا لِإِكْرَامِهِ عَادَةً وَذَا لَا يَكُونُ إلَّا مَعَ الْقَصْدِ.
وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ عَنْ ابْنِ سِمَاعَةَ فِي نَوَادِرِهِ خِلَافَ هَذَا فَقَالَ فِي رَجُلٍ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَدْخُلُ عَلَى فُلَانٍ بَيْتًا فَدَخَلَ بَيْتًا عَلَى قَوْمٍ وَفِيهِمْ فُلَانٌ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْحَالِفُ فَإِنَّهُ حَانِثٌ بِدُخُولِهِ فَلَمْ يُعْتَبَرْ الْقَصْدُ لِلدُّخُولِ عَلَى فُلَانٍ لِاسْتِحَالَةِ الْقَصْدِ بِدُونِ الْعِلْمِ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ جَعَلَ شَرْطَ الْحِنْثِ الدُّخُولَ عَلَى فُلَانٍ وَالْعِلْمُ بِشَرْطِ الْحِنْثِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الْحِنْثِ كَمَنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ زَيْدًا فَكَلَّمَهُ وَهُوَ لَا يَعْرِفُ أَنَّهُ زَيْدٌ، وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ مَا تَقَدَّمَ، وَلَوْ عَلِمَ أَنَّهُ فِيهِمْ فَدَخَلَ يَنْوِي الدُّخُولَ عَلَى الْقَوْمِ لَا عَلَيْهِ لَا يَحْنَثْ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ ﷿ لِأَنَّهُ إذَا قَصَدَ غَيْرَهُ لَمْ يَكُنْ دَاخِلًا عَلَيْهِ وَلَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ دُخُولُهُ عَلَى الْجَمَاعَةِ وَمَا فِي اعْتِقَادِهِ لَا يَعْرِفُهُ الْقَاضِي، فَإِنْ دَخَلَ عَلَيْهِ فِي مَسْجِدٍ أَوْ ظُلَّةٍ أَوْ سَقِيفَةٍ أَوْ دِهْلِيزِ دَارٍ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ ذَلِكَ يَقَعُ عَلَى الدُّخُولِ الْمُعْتَادِ وَهُوَ الَّذِي يَدْخُلُ النَّاسُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا فِي الْبُيُوتِ، فَإِنْ دَخَلَ عَلَيْهِ فِي فُسْطَاطٍ أَوْ خَيْمَةٍ أَوْ بَيْتِ شَعْرٍ لَمْ يَحْنَثْ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَالِفُ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ لِأَنَّهُمْ يُسَمُّونَ ذَلِكَ بَيْتًا، وَالتَّعْوِيلُ فِي هَذَا الْبَابِ عَلَى الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ
وَقَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ: إذَا حَلَفَ لَا يَدْخُلُ عَلَى فُلَانٍ هَذِهِ الدَّارَ فَدَخَلَ الدَّارَ وَفُلَانٌ فِي بَيْتٍ مِنْ الدَّارِ لَا يَحْنَثُ وَإِنْ كَانَ فِي صَحْنِ الدَّارِ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ دَاخِلًا عَلَيْهِ إلَّا إذَا شَاهَدَهُ.
أَلَا تَرَى أَنَّ السَّقَّاءَ يَدْخُلُ دَارَ الْأَمِيرِ وَلَا يُقَالُ إنَّهُ دَخَلَ عَلَى الْأَمِيرِ، وَفِي الْأَوَّلِ شَاهَدَهُ وَفِي الثَّانِي لَمْ يُشَاهِدْهُ، وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ عَلَى فُلَانٍ هَذِهِ الْقَرْيَةَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ دَاخِلًا عَلَيْهِ إلَّا إذَا دَخَلَ فِي بَيْتِهِ وَتَخْصِيصُ الْقَرْيَةِ يَمْنَعُ وُقُوعَ الْحِنْثِ بِالدُّخُولِ فِي غَيْرِهَا.
وَقَالَ ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ: إذَا قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَدْخُلُ عَلَى فُلَانٍ وَلَمْ يَذْكُرْ بَيْتًا وَلَا غَيْرَهُ فَدَخَلَ فُسْطَاطًا أَوْ دَارًا حَنِثَ وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ مِنْ عَادَةِ فُلَانٍ أَنْ يُدْخَلَ عَلَيْهِ فِي الْفَسَاطِيطِ وَإِنْ دَخَلَ عَلَيْهِ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ الْكَعْبَةِ أَوْ الْحَمَّامِ لَا يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهَذِهِ الْيَمِينِ الِامْتِنَاعُ مِنْ الدُّخُولِ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي يُكْرَمُ النَّاسُ بِالدُّخُولِ عَلَيْهِ فِيهَا وَهَذَا لَا يُوجَدُ فِي الْحَمَّامِ وَالْكَعْبَةِ وَالْمَسْجِدِ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَلَوْ دَخَلَ عَلَى فُلَانٍ بَيْتَهُ وَهُوَ يُرِيدُ رَجُلًا غَيْرَهُ يَزُورُهُ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ عَلَى فُلَانٍ لَمَّا لَمْ يَقْصِدْهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ حَنِثَ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ دَاخِلًا عَلَى كُلِّ مَنْ فِي الدَّارِ فَيَحْنَثُ كَمَنْ حَلَفَ لَا يُسَلِّمُ عَلَى رَجُلٍ فَسَلَّمَ عَلَى جَمَاعَةٍ وَهُوَ فِيهِمْ وَلَا نِيَّةَ لَهُ.
قَالَ بِشْرٌ: سَمِعْت أَبَا يُوسُفَ يَقُولُ فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ وَخَرَجْت مِنْهَا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَاحْتَمَلَهَا إنْسَانٌ وَهِيَ كَارِهَةٌ فَأَدْخَلَهَا ثُمَّ خَرَجَتْ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهَا ثُمَّ دَخَلَتْهَا وَلَمْ تَخْرُجْ وَقَعَ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّ الْوَاوَ لَا تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ؛ لِأَنَّهَا لِلْجَمْعِ الْمُطْلَقِ وَلَا عَادَةَ فِي تَقَدُّمِ أَحَدِ الشَّرْطَيْنِ عَلَى الْآخَرِ فَيَتَعَلَّقُ الطَّلَاقُ بِوُجُودِهِمَا مِنْ غَيْرِ مُرَاعَاةِ التَّرْتِيبِ، وَكَذَلِكَ الْقِيَامُ وَالْقُعُودُ وَالسُّكُوتُ وَالْكَلَامُ وَالصَّوْمُ وَالْإِفْطَارُ وَنَحْوُ ذَلِكَ لِمَا قُلْنَا، وَلَوْ قَالَ لَهَا إنْ حِضْتِ وَطَهُرْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَطَهُرَتْ مِنْ هَذَا الْحَيْضِ ثُمَّ حَاضَتْ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ حَتَّى تَطْهُرَ، وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ حَتَّى يَتَقَدَّمَ الْحَيْضُ الطُّهْرَ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ لَهَا إذَا حَبِلْتِ وَوَلَدْتِ وَهِيَ حُبْلَى، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ إذَا زَرَعْت
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute