الْوِتْرَ» ثُمَّ تُبْسَطُ اللِّفَافَةُ وَهِيَ الرِّدَاءُ طُولًا، ثُمَّ يُبْسَطُ الْإِزَارُ عَلَيْهَا طُولًا ثُمَّ يُلْبِسُهُ الْقَمِيصَ إنْ كَانَ لَهُ قَمِيصٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سِرْوَالَهُ؛ لِأَنَّ اللُّبْسَ بَعْدَ الْوَفَاةِ مُعْتَبَرٌ بِحَالِ الْحَيَاةِ إلَّا أَنَّ فِي حَيَاتِهِ كَانَ يَلْبَسُ السَّرَاوِيلَ حَتَّى لَا تَنْكَشِفَ عَوْرَتُهُ عِنْدَ الْمَشْيِ، وَلَا حَاجَةَ إلَى ذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِهِ فَأُقِيمَ الْإِزَارُ مَقَامَ السَّرَاوِيلِ، إلَّا أَنَّ الْإِزَارَ فِي حَالِ حَيَاتِهِ تَحْتَ الْقَمِيصِ وَبَعْدَ الْمَوْتِ فَوْقَ الْقَمِيصِ مِنْ الْمَنْكِبِ إلَى الْقَدَمِ؛ لِأَنَّ الْإِزَارَ تَحْتَ الْقَمِيصِ حَالَةَ الْحَيَاةِ لِيَتَيَسَّرَ عَلَيْهِ الْمَشْيُ وَبَعْدَ الْمَوْتِ لَا يُحْتَاجُ إلَى الْمَشْيِ، ثُمَّ يُوضَعُ الْحَنُوطُ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ.
لِمَا رُوِيَ أَنَّ آدَمَ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ - لَمَّا تُوُفِّيَ غَسَّلَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَحَنَّطُوهُ وَيُوضَعُ الْكَافُورُ عَلَى مَسَاجِدِهِ يَعْنِي جَبْهَتَهُ وَأَنْفَهُ وَيَدَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَقَدَمَيْهِ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: وَتُتْبَعُ مَسَاجِدُهُ بِالطِّيبِ يَعْنِي بِالْكَافُورِ؛ وَلِأَنَّ تَعْظِيمَ الْمَيِّتِ وَاجِبٌ وَمِنْ تَعْظِيمِهِ أَنْ يُطَيَّبَ لِئَلَّا تَجِيءَ مِنْهُ رَائِحَةٌ مُنْتِنَةٌ وَلِيُصَانَ عَنْ سُرْعَةِ الْفَسَادِ، وَأَوْلَى الْمَوَاضِعِ بِالتَّعْظِيمِ مَوَاضِعُ السُّجُودِ، وَكَذَا الرَّأْسُ وَاللِّحْيَةُ هُمَا مِنْ أَشْرَفِ الْأَعْضَاءِ؛ لِأَنَّ الرَّأْسَ مَوْضِعُ الدِّمَاغِ، وَمَجْمَعُ الْحَوَاسِّ، وَاللِّحْيَةُ مِنْ الْوَجْهِ، وَالْوَجْهُ مِنْ أَشْرَفِ الْأَعْضَاءِ، وَعَنْ زُفَرَ أَنَّهُ قَالَ: يُذَرُّ الْكَافُورُ عَلَى عَيْنَيْهِ وَأَنْفِهِ وَفَمِهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ أَنْ يَتَبَاعَدَ الدُّودُ مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي يُذَرُّ عَلَيْهِ الْكَافُورُ فَخَصَّ هَذِهِ الْمَحَالَّ مِنْ بَدَنِهِ لِهَذَا، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ ذَلِكَ لَمْ يَضُرَّهُ وَلَا بَأْسَ بِسَائِرِ الطِّيبِ غَيْرِ الزَّعْفَرَانِ وَالْوَرْسِ فِي حَقِّ الرَّجُلِ لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ «نَهَى الرِّجَالَ عَنْ الْمُزَعْفَرِ» وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ هَلْ تُحْشَى مَحَارِقُهُ؟ وَقَالُوا: إنْ خُشِيَ خُرُوجَ شَيْءٍ يُلَوِّثُ الْأَكْفَانَ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ فِي أَنْفِهِ وَفَمِهِ، وَقَدْ جَوَّزَ الشَّافِعِيُّ فِي دُبُرِهِ أَيْضًا، وَاسْتَقْبَحَ ذَلِكَ مَشَايِخُنَا وَإِنْ لَمْ يُخْشَ جَازَ التَّرْكُ؛ لِانْعِدَامِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، ثُمَّ يُعْطَفُ الْإِزَارُ عَلَيْهِ مِنْ قِبَلِ شِقِّهِ الْأَيْسَرِ وَإِنْ كَانَ الْإِزَارُ طَوِيلًا حَتَّى يُعْطَفَ عَلَى رَأْسِهِ وَسَائِرِ جَسَدِهِ فَهُوَ أَوْلَى، ثُمَّ يُعْطَفُ مِنْ قِبَلِ شِقِّهِ الْأَيْمَنِ كَذَلِكَ فَيَكُونُ الْأَيْمَنُ فَوْقَ الْأَيْسَرِ، ثُمَّ تُعْطَفُ اللِّفَافَةُ، وَهِيَ الرِّدَاءُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُنْتَقِبَ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ هَكَذَا يَفْعَلُ إذَا تَحَزَّمَ بَدَأَ بِعَطْفِ شِقِّهِ الْأَيْسَرِ عَلَى الْأَيْمَنِ ثُمَّ يَعْطِفُ الْأَيْمَنَ عَلَى الْأَيْسَرِ فَكَذَا يُفْعَلُ بِهِ بَعْدَ الْمَمَاتِ، فَإِنْ خِيفَ أَنْ تَنْتَشِرَ أَكْفَانُهُ تُعْقَدُ، وَلَكِنْ إذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ تُحَلُّ الْعُقَدُ لِزَوَالِ مَا لِأَجْلِهِ عُقِدَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَيُبْسَطُ لَهَا اللِّفَافَةُ وَالْإِزَارُ وَاللِّفَافَةُ فَوْقَ الْخِمَارِ وَالْخِرْقَةُ تُرْبَطُ فَوْقَ الْأَكْفَانِ عِنْدَ الصَّدْرِ فَوْقَ الثَّدْيَيْنِ وَالْبَطْنِ كَيْ لَا يَنْتَشِرَ الْكَفَنُ بِاضْطِرَابِ ثَدْيَيْهَا عِنْدَ الْحَمْلِ عَلَى السَّرِيرِ، وَعَرْضُ الْخِرْقَةِ مَا بَيْنَ الثَّدْيِ وَالسُّرَّةِ هَكَذَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ وَيُسْدَلُ شَعْرُهَا مَا بَيْنَ ثَدْيَيْهَا مِنْ الْجَانِبَيْنِ جَمِيعًا تَحْتَ الْخِمَارِ، وَلَا يُسْدَلُ شَعْرُهَا خَلْفَ ظَهْرِهَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُسْدَلُ خَلْفَ ظَهْرِهَا وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ أَنَّهَا قَالَتْ: «لَمَّا تُوُفِّيَتْ رُقَيَّةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ضَفَّرْنَا شَعْرَهَا ثَلَاثَةَ فُرُوقٍ فِي نَاصِيَتِهَا وَقَرْنَيْهَا وَأَلْقَيْنَاهَا خَلْفَهَا» فَدَلَّ أَنَّ السُّنَّةَ هَكَذَا، وَلَنَا أَنَّ إلْقَاءَهَا إلَى ظَهْرِهَا مِنْ بَابِ الزِّينَةِ، وَهَذِهِ لَيْسَتْ بِحَالِ زِينَةٍ وَلَا حُجَّةَ فِي حَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِعْلَ أُمِّ عَطِيَّةَ، وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ عَلِمَ ذَلِكَ.
ثُمَّ الْمُحْرِمُ يُكَفَّنُ، كَمَا يُكَفَّنُ الْحَلَالُ عِنْدَنَا أَيْ: يُغَطَّى رَأْسُهُ وَوَجْهُهُ وَيُطَيَّبُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يُخَمَّرُ رَأْسُهُ وَلَا يُقَرَّبُ مِنْهُ طِيبٌ وَاحْتَجَّ بِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ سُئِلَ عَنْ مُحْرِمٍ وَقَصَتْ بِهِ نَاقَتُهُ وَانْدَقَّ عُنُقُهُ فَقَالَ: اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبِهِ وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا» وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: «وَلَا تَقْرَبُوا مِنْهُ طِيبًا» وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ «قَالَ فِي الْمُحْرِمِ يَمُوتُ: خَمِّرُوهُمْ وَلَا تُشَبِّهُوهُمْ بِالْيَهُودِ» وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ فِي الْمُحْرِمِ: إذَا مَاتَ انْقَطَعَ إحْرَامُهُ وَلِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: وَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ، وَصَدَقَةٌ جَارِيَةٌ وَعِلْمٌ عَلَّمَهُ النَّاسَ يَنْتَفِعُونَ بِهِ» وَالْإِحْرَامُ لَيْسَ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ وَمَا رُوِيَ مُعَارَضٌ بِمَا رَوَيْنَا فِي الْمُحْرِمِ فَبَقِيَ لَنَا الْحَدِيثُ الْمُطْلَقُ الَّذِي رَوَيْنَا أَنَّ هَذَا الْعَمَلَ مُنْقَطِعٌ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْحَدِيثَ مَحْمُولٌ عَلَى مُحْرِمٍ خَاصٍّ جَعَلَهُ النَّبِيُّ ﷺ مَخْصُوصًا بِهِ بِدَلِيلِ مَا رَوَيْنَا.
[فَصْلٌ بَيَانُ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَنُ]
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا بَيَانُ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَنُ فَنَقُولُ: كَفَنُ الْمَيِّتِ فِي مَالِهِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، وَيُكَفَّنُ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ قَبْلَ الدَّيْنِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْمِيرَاثِ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ أُصُولِ حَوَائِجِ الْمَيِّتِ فَصَارَ كَنَفَقَتِهِ فِي حَالِ حَيَاتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَكَفَنُهُ عَلَى مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ، كَمَا تَلْزَمُهُ كِسْوَتُهُ فِي حَالِ حَيَاتِهِ إلَّا الْمَرْأَةَ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ كَفَنُهَا عَلَى زَوْجِهَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ الزَّوْجِيَّةَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute