للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أُخْرَى فَعَلَيْهِ السَّهْوُ اسْتِحْسَانًا، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا سَهْوَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ السَّهْوَ تَمَكَّنَ فِي الْفَرْضِ وَقَدْ أَدَّى بَعْدَهَا صَلَاةً أُخْرَى.

(وَجْهُ) الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ إنَّمَا بَنَى النَّفَلَ عَلَى تِلْكَ التَّحْرِيمَةِ وَقَدْ تَمَكَّنَ فِيهَا النَّقْصُ بِالسَّهْوِ فَيُجْبَرُ بِالسَّجْدَتَيْنِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الْمَسْبُوقِ.

(ثُمَّ) اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا أَنَّ هَاتَيْنِ السَّجْدَتَيْنِ لِلنَّقْصِ الْمُتَمَكَّنِ فِي الْفَرْضِ أَوْ لِلنَّقْصِ الْمُتَمَكِّنِ فِي النَّفْلِ، فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِلنَّقْصِ الْمُتَمَكَّنِ فِي النَّفْلِ لِدُخُولِهِ فِيهِ لَا عَلَى وَجْهِ السُّنَّةِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لِلنَّقْصِ الَّذِي تَمَكَّنَ فِي الْفَرْضِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ انْقَطَعَتْ تَحْرِيمَةُ الْفَرْضِ بِالِانْتِقَالِ إلَى النَّفْلِ، فَلَا وَجْهَ إلَى جَبْرِ نُقْصَانِ الْفَرْضِ بَعْدَ الْخُرُوجِ مِنْهُ وَانْقِطَاعِ تَحْرِيمَتِهِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ التَّحْرِيمَةُ بَاقِيَةٌ؛ لِأَنَّهَا اشْتَمَلَتْ عَلَى أَصْلِ الصَّلَاةِ وَوَصْفِهَا، وَبِالِانْتِقَالِ إلَى النَّفْلِ انْقَطَعَ الْوَصْفُ لَا غَيْرُ فَبَقِيَتْ التَّحْرِيمَةُ، أَلَا تَرَى أَنَّ بِنَاءَ النَّفْلِ عَلَى تَحْرِيمَةِ الْفَرْضِ جَائِزٌ فِي حَقِّ الِاقْتِدَاءِ حَتَّى جَازَ اقْتِدَاءُ الْمُتَنَفِّلِ بِالْمُفْتَرِضِ؟ فَكَذَا بِنَاءُ فِعْلِ نَفْسِهِ عَلَى تَحْرِيمَةِ فَرْضِهِ يَكُونُ جَائِزًا، وَالْأَصْلُ فِي الْبِنَاءِ هُوَ الْبِنَاءُ فِي إحْرَامٍ وَاحِدٍ.

وَفَائِدَةُ هَذَا الْخِلَافِ أَنَّهُ لَوْ جَاءَ إنْسَانٌ وَاقْتَدَى بِهِ فِي هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَلَوْ أَفْسَدَهُ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ رَكْعَتَيْنِ، وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ لَوْ أَفْسَدَهُ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ، وَمِنْ هَذَا صَحَّحَ مَشَايِخُ بَلْخٍ اقْتِدَاءَ الْبَالِغِينَ بِالصِّبْيَانِ فِي التَّطَوُّعَاتِ فَقَالُوا: يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الصَّلَاةُ مَضْمُونَةً فِي حَقِّ الْمُقْتَدِي وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَضْمُونَةً فِي حَقِّ الْإِمَامِ، اسْتِدْلَالًا بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَمَشَايِخُنَا بِمَا وَرَاءَ النَّهْرِ لَمْ يُجَوِّزُوا ذَلِكَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُصَلِّي سِتًّا وَلَوْ أَفْسَدَهَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ كَمَا لَا يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنْ تُجْعَلَ السَّجْدَتَانِ جَبْرًا لِلنَّقْصِ الْمُتَمَكَّنِ فِي الْإِحْرَامِ، وَهُوَ إحْرَامٌ وَاحِدٌ، فَيَنْجَبِرُ بِهِمَا النَّقْصُ الْمُتَمَكَّنُ فِي الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ جَمِيعًا، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ، هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا إذَا قَعَدَ فِي الرَّابِعَةِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ فَأَمَّا إذَا لَمْ يَقْعُدْ وَقَامَ إلَى الْخَامِسَةِ فَإِنْ لَمْ يُقَيِّدْهَا بِالسَّجْدَةِ يَعُودُ لِمَا مَرَّ، وَإِنْ قَيَّدَ فَسَدَ فَرْضُهُ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَفْسُدُ، وَيَعُودُ إلَى الْقَعْدَةِ وَيَخْرُجُ عَنْ الْفَرْضِ بِلَفْظِ السَّلَامِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ الَّذِي ذَكَرْنَا أَنَّ الرَّكْعَةَ الْكَامِلَةَ فِي احْتِمَالِ النَّقْصِ وَمَا دُونِهَا سَوَاءٌ، فَكَانَ كَمَا لَوْ تَذَكَّرَ قَبْلَ أَنْ يُقَيِّدَ الْخَامِسَةَ بِسَجْدَةٍ وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ Object صَلَّى الظُّهْرَ خَمْسًا وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ كَانَ قَعَدَ فِي الرَّابِعَةِ وَلَا أَنَّهُ أَعَادَ صَلَاتَهُ.

(وَلَنَا) مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ وُجِدَ فِعْلٌ كَامِلٌ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ، وَقَدْ انْعَقَدَ نَفْلًا فَصَارَ خَارِجًا مِنْ الْفَرْضِ ضَرُورَةَ حُصُولِهِ فِي النَّفْلِ لِاسْتِحَالَةِ كَوْنِهِ فِيهِمَا، وَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ فَرْضٌ وَهُوَ الْقَعْدَةُ الْأَخِيرَةُ، وَالْخُرُوجُ عَنْ الصَّلَاةِ مَعَ بَقَاءِ فَرْضٍ مِنْ فَرَائِضِهَا يُوجِبُ فَسَادَ الصَّلَاةِ.

وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَتَأْوِيلُهُ أَنَّهُ كَانَ قَعَدَ فِي الرَّابِعَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّاوِيَ قَالَ: صَلَّى الظُّهْرَ وَالظُّهْرُ اسْمٌ لِجَمِيعِ أَرْكَانِهَا، وَمِنْهَا الْقَعْدَةُ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ أَنَّهُ قَامَ إلَى الْخَامِسَةِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ هَذِهِ الْقَعْدَةَ الْأُولَى؛ لِأَنَّ هَذَا أَقْرَبُ إلَى الصَّوَابِ فَيُحْمَلُ فِعْلُهُ عَلَيْهِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

ثُمَّ الْفَسَادُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بِوَضْعِ رَأْسِهِ بِالسَّجْدَةِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بِرَفْعِ رَأْسِهِ عَنْهَا، حَتَّى لَوْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَنْصَرِفَ، وَيَتَوَضَّأَ، وَيَعُودَ، وَيَتَشَهَّدَ، وَيُسَلِّمَ، وَيَسْجُدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ؛ لِأَنَّ السَّجْدَةَ لَا تَصِحُّ مَعَ الْحَدَثِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَسْجُدْ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ بِنَفْسِ الْوَضْعِ فَلَا يَعُودُ، ثُمَّ الَّذِي يَفْسُدُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ الْفَرْضِيَّةُ لَا أَصْلُ الصَّلَاةِ، حَتَّى كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُضِيفَ إلَيْهَا رَكْعَةً أُخْرَى فَتَصِيرَ السِّتُّ لَهُ نَفْلًا، ثُمَّ يُسَلِّمُ ثُمَّ يَسْتَقْبِلُ الظُّهْرَ.

وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَفْسُدُ أَصْلُ الصَّلَاةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ أَصْلَ الْفَرْضِيَّةِ مَتَى بَطَلَتْ بَطَلَتْ التَّحْرِيمَةُ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا لَا تَبْطُلُ، وَهَذَا الْخِلَافُ غَيْرُ مَنْصُوصٍ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا اسْتَخْرَجَ مِنْ مَسْأَلَةٍ ذَكَرَهَا فِي الْأَصْلِ فِي بَابِ الْجُمُعَةِ، وَهُوَ أَنَّ مُصَلِّيَ الْجُمُعَةِ إذَا خَرَجَ وَقْتُهَا وَهُوَ وَقْتُ الظُّهْرِ قَبْلَ إتْمَامِ الْجُمُعَةِ ثُمَّ قَهْقَهَ - تُنْتَقَضُ طَهَارَتُهُ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَهُ لَا تُنْتَقَضُ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ بَقِيَ نَفْلًا عِنْدَهُمَا خِلَافًا لَهُ، وَكَذَا تَرْكُ الْقَعْدَةِ فِي كُلِّ شَفْعٍ مِنْ التَّطَوُّعِ عِنْدَهُ مُفْسِدٌ، وَعِنْدَهُمَا غَيْرُ مُفْسِدٍ، وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ عَظِيمَةٌ لَهَا شُعَبٌ كَثِيرَةٌ أَعْرَضْنَا عَنْ ذِكْرِ تَفَاصِيلِهَا وَجُمَلِهَا وَمَعَانِي الْفُصُولِ وَعِلَلِهَا حَالَّةً إلَى الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَإِنَّمَا أَفْرَدْنَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِالذِّكْرِ وَإِنْ كَانَ بَعْضُ فُرُوعِهَا دَخَلَ فِي بَعْضِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَقْسَامِ، لِمَا أَنَّ لَهَا فُرُوعًا أُخَرَ لَا تُنَاسِبُ مَسَائِلَ الْفَصْلِ، وَكَرِهْنَا قَطْعَ الْفَرْعِ عَنْ الْأَصْلِ، فَرَأَيْنَا الصَّوَابَ فِي إيرَادِهَا بِفُرُوعِهَا فِي آخِرِ الْفَصْلِ تَتْمِيمًا لِلْفَائِدَةِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.

[فَصْلٌ سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ]

(فَصْلٌ) :

وَأَمَّا سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ فَالْكَلَامُ فِيهَا يَقَعُ فِي مَوَاضِعَ: فِي بَيَانِ وُجُوبِهَا، وَفِي بَيَانِ كَيْفِيَّةِ الْوُجُوبِ، وَفِي بَيَانِ سَبَبِ

<<  <  ج: ص:  >  >>