[كِتَابُ الْأَيْمَانِ] [فِي أَنْوَاعِ الْيَمِينِ]
الْكَلَامُ فِي هَذَا الْكِتَابِ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ فِي بَيَانِ.
أَنْوَاعِ الْيَمِينِ وَفِي بَيَانِ رُكْنِ كُلِّ نَوْعٍ وَفِي بَيَانِ شَرَائِطِ الرُّكْنِ وَفِي بَيَانِ حُكْمِهِ وَفِي بَيَانِ أَنَّ الْيَمِينَ بِاَللَّهِ - تَعَالَى - عَلَى نِيَّةِ الْحَالِفِ أَوْ الْمُسْتَحْلِفِ أَمَّا الْأَوَّلُ: فَالْيَمِينُ فِي الْقِسْمَةِ الْأُولَى يَنْقَسِمُ إلَى قِسْمَيْنِ: يَمِينٌ بِاَللَّهِ سُبْحَانَهُ وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْقَسَمِ فِي عُرْفِ اللُّغَةِ وَالشَّرْعِ، وَيَمِينٌ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ.
وَقَالَ أَصْحَابُ الظَّاهِرِ هِيَ قِسْمٌ وَاحِدٌ وَهُوَ الْيَمِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَأَمَّا الْحَلِفُ بِغَيْرِ اللَّهِ ﷿ فَلَيْسَ بِيَمِينٍ حَقِيقَةً، وَإِنَّمَا سُمِّيَ بِهَا مَجَازًا، حَتَّى إنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يَحْلِفُ فَحَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَوْ الْعَتَاقِ يَحْنَثُ، وَعِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ لَا يَحْنَثُ.
وَجْهُ قَوْلِهِمْ: إنَّ الْيَمِينَ إنَّمَا يُقْصَدُ بِهَا تَعْظِيمُ الْمُقْسَمِ بِهِ وَلِهَذَا كَانَتْ عَادَةُ الْعَرَبِ الْقَسَمَ بِمَا جَلَّ قَدْرُهُ وَعَظُمَ خَطَرُهُ وَكَثُرَ نَفْعُهُ عِنْدَ الْخَلْقِ مِنْ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَالْمُسْتَحِقُّ لِلتَّعْظِيمِ بِهَذَا النَّوْعِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى لِأَنَّ التَّعْظِيمَ بِهَذَا النَّوْعِ عِبَادَةٌ وَلَا تَجُوزُ الْعِبَادَةُ إلَّا لِلَّهِ تَعَالَى.
وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ «مَنْ حَلَفَ بِطَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ وَاسْتَثْنَى فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ» سَمَّاهُ حَلِفًا، وَالْحَلِفُ وَالْيَمِينُ مِنْ الْأَسْمَاءِ الْمُتَرَادِفَةِ الْوَاقِعَةِ عَلَى مُسَمًّى وَاحِدٍ، وَالْأَصْلُ فِي إطْلَاقِ الِاسْمِ هُوَ الْحَقِيقَةُ فَدَلَّ أَنَّ الْحَلِفَ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ يَمِينٌ حَقِيقَةً.
وَكَذَا مَأْخَذُ الِاسْمِ دَلِيلٌ عَلَيْهِ، لِأَنَّهَا أُخِذَتْ مِنْ الْقُوَّةِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ﴾ [الحاقة: ٤٥] أَيْ بِالْقُوَّةِ وَمِنْهُ سُمِّيَتْ الْيَدُ الْيَمِينُ يَمِينًا لِفَضْلِ قُوَّتِهَا عَلَى الشِّمَالِ عَادَةً.
قَالَ الشَّاعِرُ:
رَأَيْت عَرَابَةَ الْأَوْسِيَّ يَسْمُو … إلَى الْخَيْرَاتِ مُنْقَطِعَ الْقَرِينِ
إذَا مَا رَايَةٌ رُفِعَتْ لِمَجْدٍ … تَلَقَّاهَا عَرَابَةُ بِالْيَمِينِ
أَيْ بِالْقُوَّةِ، وَمَعْنَى الْقُوَّةِ يُوجَدُ فِي النَّوْعَيْنِ جَمِيعًا وَهُوَ أَنَّ الْحَالِفَ يَتَقَوَّى بِهَا عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ الْمَرْهُوبِ وَعَلَى التَّحْصِيلِ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute