للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جَازَ لِأَنَّهُ كَفَلَ بِالنَّفْسِ مُطْلَقًا وَعَلَّقَ الْكَفَالَةَ بِالْمَالِ بِشَرْطِ عَدَمِ الْمُوَافَاةِ بِالنَّفْسِ عِنْدَ طَلَبِ الْمُوَافَاةِ وَهَذَا شَرْطٌ مُلَائِمٌ لِلْعَقْدِ لِمَا ذَكَرْنَا فَإِذَا طَلَبَ مِنْهُ الْمَكْفُولُ لَهُ تَسْلِيمَ النَّفْسِ فَإِنْ سَلَّمَ مَكَانَهُ بَرِئَ لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا الْتَزَمَ وَإِنْ لَمْ يُسَلِّمْ فَعَلَيْهِ الْمَالُ لِتَحَقُّقِ الشَّرْطِ وَهُوَ عَدَمُ الْمُوَافَاةِ بِالنَّفْسِ عِنْدَ الطَّلَبِ.

وَلَوْ قَالَ ائْتِنِي بِهِ عَشِيَّةً أَوْ غَدْوَةً وَقَالَ الْكَفِيلُ أَنَا آتِيك بِهِ بَعْدَ غَدٍ فَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِهِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي طَلَبَ الْمَكْفُولُ لَهُ فَعَلَيْهِ الْمَالُ لِوُجُودِ شَرْطِ اللُّزُومِ وَإِنْ أَخَّرَ الْمُطَالَبَةَ إلَى مَا بَعْدِ غَدٍ كَمَا قَالَهُ الْكَفِيلُ فَأَتَى بِهِ فَهُوَ بَرِيءٌ مِنْ الْمَالِ لِأَنَّهُ بِالتَّأْخِيرِ أَبْطَلَ الطَّلَبَ الْأَوَّلَ فَلَمْ يَبْقَ التَّسْلِيمُ وَاجِبًا عَلَيْهِ وَصَارَ كَأَنَّهُ طَلَبَ مِنْهُ مِنْ الِابْتِدَاءِ التَّسْلِيمَ بَعْدَ غَدٍ وَقَدْ وُجِدَ وَبَرِئَ مِنْ الْمَالِ.

وَلَوْ كَفَلَ بِالْمَالِ وَقَالَ إنْ وَافَيْتُك بِهِ غَدًا فَأَنَا بَرِيءٌ فَوَافَاهُ مِنْ الْغَدِ يَبْرَأُ مِنْ الْمَالِ فِي رِوَايَةٍ وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَبْرَأُ.

(وَجْهُ) الرِّوَايَةِ الْأَخِيرَةِ أَنَّ قَوْلَهُ إنْ وَافَيْتُك بِهِ غَدًا فَأَنَا بَرِيءٌ تَعْلِيقُ الْبَرَاءَةِ عَنْ الْمَالِ بِشَرْطِ الْمُوَافَاةِ بِالنَّفْسِ وَالْبَرَاءَةُ لَا تَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ لِأَنَّ فِيهَا مَعْنَى التَّمْلِيكِ وَالتَّمْلِيكَاتُ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهَا بِالشَّرْطِ.

(وَجْهُ) الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِتَعْلِيقِ الْبَرَاءَةِ بِشَرْطِ الْمُوَافَاةِ بَلْ هُوَ جَعْلُ الْمُوَافَاةِ غَايَةً لِلْكَفَالَةِ بِالْمَالِ وَالشَّرْطُ قَدْ يُذْكَرُ بِمَعْنَى الْغَايَةِ لِمُنَاسِبَةٍ بَيْنَهُمَا وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ.

وَلَوْ شَرَطَ فِي الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ أَنْ يُسَلِّمَهُ إلَيْهِ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي جَازَ لِأَنَّ هَذَا شَرْطٌ مُفِيدٌ وَيَكُونُ التَّسْلِيمُ فِي الْمِصْرِ أَوْ فِي مَكَان يَقْدِرُ عَلَى إحْضَارِهِ مَجْلِسَ الْقَاضِي تَسْلِيمًا إلَى الْقَاضِي لِمَا نَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

وَلَوْ شَرَطَ أَنْ يُسَلِّمَهُ إلَيْهِ فِي مِصْرٍ مُعَيَّنٍ يَصِحُّ التَّقْيِيدُ بِالْمِصْرِ بِالْإِجْمَاعِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ التَّعْيِينُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَصِحُّ عَلَى مَا نَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

وَلَوْ شَرَطَ أَنْ يَدْفَعَهُ إلَيْهِ عِنْدَ الْأَمِيرِ لَا يَتَقَيَّدُ بِهِ حَتَّى لَوْ دَفْعَهُ إلَيْهِ عِنْدَ الْقَاضِي أَوْ عُزِلَ الْأَمِيرُ وَوُلِّيَ غَيْرُهُ فَدَفْعَهُ إلَيْهِ عِنْدَ الثَّانِي جَازَ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ غَيْرُ مُفِيدٍ.

وَلَوْ كَفَلَ بِنَفْسِهِ فَإِنْ لَمْ يُوَافِ بِهِ فَعَلَيْهِ مَا يَدَّعِيه الطَّالِبُ فَإِنْ ادَّعَى الطَّالِبُ أَلْفًا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ لَا يَلْزَمُ الْكَفِيلَ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ بِنَفْسِ الدَّعْوَى شَيْءٌ فَقَدْ أَضَافَ الِالْتِزَامُ إلَى مَا لَيْسَ بِسَبَبِ اللُّزُومِ وَكَذَا إذَا أَقَرَّ بِهَا الْمَطْلُوب لِأَنَّ إقْرَارَهُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ لَا عَلَى غَيْرِهِ فَلَا يَصْدُقُ عَلَى الْكَفِيلِ.

وَلَوْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهَا أَوْ أَقَرَّ بِهَا الْكَفِيلُ فَعَلَيْهِ الْأَلْفُ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ سَبَبٌ لِظُهُورِ الْحَقِّ وَكَذَا إقْرَارُ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ صَحِيحٌ فَيُؤَاخِذُ بِهِ.

وَلَوْ كَفَلَ بِنَفْسِهِ عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يُوَافِ بِهِ إلَى شَهْرٍ فَعَلَيْهِ مَا عَلَيْهِ فَمَاتَ الْكَفِيلُ قَبْلَ الشَّهْرِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ ثُمَّ مَضَى الشَّهْرُ قَبْلَ أَنْ يَدْفَعَ وَرَثَةُ الْكَفِيلِ الْمَكْفُولَ بِهِ إلَى الطَّالِبِ فَالْمَالُ لَازِمٌ لِلْكَفِيلِ وَيَضْرِبُ الطَّالِبُ مَعَ الْغُرَمَاءِ أَمَّا لُزُومُ الْمَالِ فَلِأَنَّ الْحُكْمَ بَعْدَ الشَّرْطِ يَثْبُتُ مُضَافًا إلَى السَّبَبِ السَّابِقِ وَهُوَ عِنْدَ مُبَاشَرَةِ السَّبَبِ صَحِيحٌ وَلِهَذَا لَوْ كَفَلَ وَهُوَ صَحِيحٌ ثُمَّ مَرِضَ تُعْتَبَرُ الْكَفَالَةُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ لَا مِنْ الثُّلُثِ.

(وَأَمَّا) الضَّرْبُ مَعَ الْغُرَمَاءِ فَلِاسْتِوَاءِ الدِّينَيْنِ وَكَذَا لَوْ مَاتَ الْمَكْفُولُ بِهِ ثُمَّ مَاتَ الْكَفِيلُ لِأَنَّهُ إذَا مَاتَ فَقَدْ عَجَزَ الْكَفِيلُ عَنْ تَسْلِيمِ نَفْسِهِ فَوُجِدَ شَرْطُ لُزُومِ الْمَالِ بِالسَّبَبِ السَّابِقِ هَذَا إذَا كَانَتْ الْكَفَالَةُ مُعَلَّقَةً بِالشَّرْطِ.

فَأَمَّا إذَا كَانَتْ مُضَافَةً إلَى وَقْتٍ بِأَنْ ضَمِنَ مَا ادَّانَ لَهُ عَلَى فُلَانٍ أَوْ مَا قَضَى لَهُ عَلَيْهِ أَوْ مَا دَايَنَ فُلَانًا أَوْ مَا أَقْرَضَهُ أَوْ مَا اسْتَهْلَكَ مِنْ مَالِهِ أَوْ مَا غَصَبَهُ أَوْ ثَمَنَ مَا بَايَعَهُ صَحَّتْ هَذِهِ الْكَفَالَةُ لِأَنَّهَا أُضِيفَتْ إلَى سَبَبِ الضَّمَانِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الضَّمَانُ ثَابِتًا فِي الْحَالِ وَالْكَفَالَةُ إنْ كَانَ فِيهَا مَعْنَى التَّمْلِيكِ فَلَيْسَتْ بِتَمْلِيكٍ مَحْضٍ فَجَازَ أَنْ يَحْتَمِلَ الْإِضَافَةَ.

وَلَوْ قَالَ كُلَّمَا بَايَعْتَ فُلَانًا فَثَمَنُهُ عَلَيَّ أَوْ مَا بَايَعْتَ أَوْ الَّذِي بَايَعْتَ يُؤَاخَذُ الْكَفِيلُ بِجَمِيعِ مَا بَايَعَهُ.

وَلَوْ قَالَ إنْ بَايَعْتَ أَوْ إذَا بَايَعْتَ أَوْ مَتَى بَايَعْتَ يُؤَاخَذُ بِثَمَنِ أَوَّلِ الْمُبَايَعَةِ وَلَا يُؤَاخَذُ بِثَمَنِ مَا بَايَعَهُ بَعْدَهَا لِأَنَّ كَلِمَةَ (كُلَّ) لِعُمُومِ الْأَفْعَالِ وَكَذَا كَلِمَةُ (مَا) وَاَلَّذِي لِلْعُمُومِ وَقَدْ دَخَلَتْ عَلَى الْمُبَايَعَةِ فَيَقْتَضِي تَكْرَارَ الْمُبَايَعَةِ وَلَمْ يُوجَدْ مِثْلُ هَذِهِ الدَّلَالَةِ فِي قَوْلِهِ إنْ بَايَعْتَ وَنَظَائِرِهِ وَاَللَّهُ ﷿ أَعْلَمُ.

[فَصْلٌ فِي شَرَائِطُ الْكَفَالَةِ]

رُكْنِ الْكَفَالَةِ وَأَمَّا شَرَائِطُ الْكَفَالَةِ.

فَأَنْوَاعٌ بَعْضُهَا يَرْجِعُ إلَى الْكَفِيلِ وَبَعْضُهَا يَرْجِعُ إلَى الْأَصِيلِ وَبَعْضُهَا يَرْجِعُ إلَى الْمَكْفُولِ لَهُ وَبَعْضُهَا يَرْجِعُ إلَى الْمَكْفُولِ بِهِ ثُمَّ مِنْهَا مَا هُوَ شَرْطُ الِانْعِقَادِ وَمِنْهَا مَا هُوَ شَرْطُ النَّفَاذِ.

(أَمَّا) .

الَّذِي يَرْجِعُ إلَى الْكَفِيلِ.

فَأَنْوَاعٌ (مِنْهَا) الْعَقْلُ وَمِنْهَا الْبُلُوغُ وَإِنَّهُمَا مِنْ شَرَائِطِ الِانْعِقَادِ لِهَذَا التَّصَرُّفِ فَلَا تَنْعَقِدُ كَفَالَةُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ لِأَنَّهَا عَقْدُ تَبَرُّعٍ فَلَا تَنْعَقِدُ مِمَّنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ إلَّا أَنَّ الْأَبَ أَوْ الْوَصِيَّ لَوْ اسْتَدَانَ دَيْنًا فِي نَفَقَةِ الْيَتِيمِ وَأَمَرَ الْيَتِيمَ أَنْ يَضْمَنَ الْمَالَ عَنْهُ جَازَ.

وَلَوْ أَمَرَهُ أَنْ يَكْفُلَ عَنْهُ النَّفْسَ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ ضَمَانَ الدَّيْنِ قَدْ لَزِمَهُ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ فَالشَّرْطُ

<<  <  ج: ص:  >  >>