للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الظُّهْرِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: يَخْتِمُ عِنْدَ الْفَجْرِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ.

(أَمَّا) الْكَلَامُ فِي الْبِدَايَةِ فَوَجْهُ رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى ﴿فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ﴾ [البقرة: ٢٠٠] أَمْرٌ بِالذِّكْرِ عَقِيبَ قَضَاءِ الْمَنَاسِكِ، وَقَضَاءُ الْمَنَاسِكِ إنَّمَا يَقَعُ فِي وَقْتِ الضَّحْوَةِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ فَاقْتَضَى وُجُوبَ التَّكْبِيرِ فِي الصَّلَاةِ الَّتِي تَلِيهِ وَهِيَ الظُّهْرُ.

وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ قَوْله تَعَالَى ﴿وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ﴾ [الحج: ٢٨] وَهِيَ أَيَّامُ الْعَشْرِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ التَّكْبِيرُ فِي جَمِيعِهَا وَاجِبًا إلَّا أَنَّ مَا قَبْلَ يَوْمِ عَرَفَةَ خُصَّ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ وَلَا إجْمَاعَ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ وَالْأَضْحَى فَوَجَبَ التَّكْبِيرُ فِيهِمَا عَمَلًا بِعُمُومِ النَّصِّ؛ وَلِأَنَّ التَّكْبِيرَ لِتَعْظِيمِ الْوَقْتِ الَّذِي شُرِعَ فِيهِ الْمَنَاسِكُ، وَأَوَّلُهُ يَوْمُ عَرَفَةَ إذْ فِيهِ يُقَامُ مُعْظَمُ أَرْكَانِ الْحَجِّ وَهُوَ الْوُقُوفُ، وَلِهَذَا قَالَ مَكْحُولٌ: يَبْدَأُ بِالتَّكْبِيرِ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ؛ لِأَنَّ وَقْتَ الْوُقُوفِ بَعْدَ الزَّوَالِ وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِي الْآيَةِ؛ لِأَنَّهَا سَاكِتَةٌ عَنْ الذِّكْرِ قَبْلَ قَضَاءِ الْمَنَاسِكِ فَلَا يَصِحُّ التَّعَلُّقُ بِهَا.

(وَأَمَّا) الْكَلَامُ فِي الْخَتْمِ فَالشَّافِعِيُّ مَرَّ عَلَى أَصْلِهِ مِنْ الْأَخْذِ بِقَوْلِ الْأَحْدَاثِ مِنْ الصَّحَابَةِ لِوُقُوفِهِمْ عَلَى مَا اسْتَقَرَّ مِنْ الشَّرَائِعِ دُونَ مَا نُسِخَ خُصُوصًا فِي مَوْضِعِ الِاحْتِيَاطِ لِكَوْنِ رَفْعِ الصَّوْتِ بِالتَّكْبِيرِ بِدْعَةً إلَّا فِي مَوْضِعٍ ثَبَتَ بِالشَّرْعِ، وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ احْتَجَّا بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ﴾ [البقرة: ٢٠٣] وَهِيَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ فَكَانَ التَّكْبِيرُ فِيهَا وَاجِبًا؛ وَلِأَنَّ التَّكْبِيرَ شُرِعَ لِتَعْظِيمِ أَمْرِ الْمَنَاسِكِ، وَأَمْرُ الْمَنَاسِكِ إنَّمَا يَنْتَهِي بِالرَّمْيِ فَيَمْتَدُّ بِالتَّكْبِيرِ إلَى آخِرِ وَقْتِ الرَّمْيِ؛ وَلِأَنَّ الْأَخْذَ بِالْأَكْثَرِ مِنْ بَابِ الِاحْتِيَاطِ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ اخْتَلَفُوا فِي هَذَا، وَلَأَنْ يَأْتِيَ بِمَا لَيْسَ عَلَيْهِ أَوْلَى مِنْ أَنْ يَتْرُكَ مَا عَلَيْهِ بِخِلَافِ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ حَيْثُ لَمْ نَأْخُذْ هُنَاكَ بِالْأَكْثَرِ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِالِاحْتِيَاطِ عِنْدِ تَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ وَهُنَاكَ تَرَجَّحَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ لِمَا نَذْكُرُ فِي مَوْضِعِهِ وَالْأَخْذُ بِالرَّاجِحِ أَوْلَى، وَهَهُنَا لَا رُجْحَانَ بَلْ اسْتَوَتْ مَذَاهِبُ الصَّحَابَةِ فِي الثُّبُوتِ وَفِي الرِّوَايَةِ عَنْ النَّبِيِّ فَيَجِبُ الْأَخْذُ بِالِاحْتِيَاطِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ رَفْعَ الصَّوْتِ بِالتَّكْبِيرِ بِدْعَةٌ فِي الْأَصْلِ؛ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ وَالسُّنَّةُ فِي الْأَذْكَارِ الْمُخَافَتَةُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً﴾ [الأعراف: ٥٥] وَلِقَوْلِ النَّبِيِّ «خَيْرُ الدُّعَاءِ الْخَفِيُّ» وَلِذَا هُوَ أَقْرَبُ إلَى التَّضَرُّعِ وَالْأَدَبِ وَأَبْعَدُ عَنْ الرِّيَاءِ فَلَا يُتْرَكُ هَذَا الْأَصْلُ إلَّا عِنْدَ قِيَامِ الدَّلِيلِ الْمُخَصِّصِ جَاءَ الْمُخَصِّصُ لِلتَّكْبِيرِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ إلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى ﴿وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ﴾ [الحج: ٢٨] وَهِيَ عَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ.

وَالْعَمَلُ بِالْكِتَابِ وَاجِبٌ إلَّا فِيمَا خُصَّ بِالْإِجْمَاعِ وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ فِيمَا قَبْلَ يَوْمِ عَرَفَةَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُرَادٍ وَلَا إجْمَاعَ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ وَيَوْمِ النَّحْرِ فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِظَاهِرِ الْكِتَابِ عِنْدَ وُقُوعِ الشَّكِّ فِي الْخُصُوصِ.

وَأَمَّا فِيمَا وَرَاءَ الْعَصْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ فَلَا تَخْصِيصَ لِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ وَتَرَدُّدِ التَّكْبِيرِ بَيْنَ السُّنَّةِ وَالْبِدْعَةِ فَوَقَعَ الشَّكُّ فِي دَلِيلِ التَّخْصِيصِ فَلَا يُتْرَكُ الْعَمَلُ بِدَلِيلِ عُمُومِ قَوْله تَعَالَى ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً﴾ [الأعراف: ٥٥] .

وَبِهِ تَبَيَّنَ أَنَّ الِاحْتِيَاطَ فِي التَّرْكِ لَا فِي الْإِتْيَانِ؛ لِأَنَّ تَرْكَ السُّنَّةِ أَوْلَى مِنْ إتْيَانِ الْبِدْعَةِ.

وَأَمَّا قَوْلُهُمْ إنَّ أَمْرَ الْمَنَاسِكِ إنَّمَا يَنْتَهِي بِالرَّمْيِ فَنَقُولُ رُكْنُ الْحَجِّ، الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ، وَطَوَافُ الزِّيَارَةِ، وَإِنَّمَا يَحْصُلَانِ فِي هَذَيْنِ الْيَوْمَيْنِ فَأَمَّا الرَّمْيُ فَمِنْ تَوَابِعِ الْحَجِّ فَيُعْتَبَرُ فِي التَّكْبِيرِ وَقْتُ الرُّكْنِ لَا وَقْتُ التَّوَابِعِ.

وَأَمَّا الْآيَةُ فَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِيهَا قَالَ بَعْضُهُمْ: الْمُرَادُ مِنْ الْآيَةِ الذِّكْرُ عَلَى الْأَضَاحِيِّ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْمُرَادُ مِنْهَا الذِّكْرُ عِنْدَ رَمْيِ الْجِمَارِ دَلِيلُهُ قَوْله تَعَالَى ﴿فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ [البقرة: ٢٠٣] وَالتَّعَجُّلُ وَالتَّأْخِيرُ إنَّمَا يَقَعَانِ فِي رَمْيِ الْجِمَارِ لَا فِي التَّكْبِيرِ.

[فَصْلٌ مَحَلُّ أَدَاءِ تَكْبِيرِ التَّشْرِيقِ]

(فَصْلٌ) :

وَأَمَّا مَحَلُّ أَدَائِهِ، فَدُبُرُ الصَّلَاةِ، وَإِثْرُهَا، وَفَوْرُهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَخَلَّلَ مَا يَقْطَعُ حُرْمَةَ الصَّلَاةِ حَتَّى لَوْ قَهْقَهَ أَوْ أَحْدَثَ مُتَعَمِّدًا أَوْ تَكَلَّمَ عَامِدًا أَوْ سَاهِيًا أَوْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ أَوْ جَاوَزَ الصُّفُوفَ فِي الصَّحْرَاءِ لَا يُكَبِّرُ؛ لِأَنَّ التَّكْبِيرَ مِنْ خَصَائِصِ الصَّلَاةِ حَيْثُ لَا يُؤْتَى بِهِ إلَّا عَقِيبَ الصَّلَاةِ فَيُرَاعَى لِإِتْيَانِهِ حُرْمَةُ الصَّلَاةِ، وَهَذِهِ الْعَوَارِضُ تَقْطَعُ حُرْمَةَ الصَّلَاةِ فَيَقْطَعُ التَّكْبِيرَ.

وَلَوْ صَرَفَ وَجْهَهُ عَنْ الْقِبْلَةِ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَسْجِدِ وَلَمْ يُجَاوِزْ الصُّفُوفَ أَوْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ يُكَبِّرُ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الصَّلَاةِ بَاقِيَةٌ لِبَقَاءِ التَّحْرِيمَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُبْنَى؟ وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ مَا يَقْطَعُ الْبِنَاءَ يَقْطَعُ التَّكْبِيرَ وَمَا لَا فَلَا، وَإِذَا سَبَقَهُ الْحَدَثُ فَإِنْ شَاءَ ذَهَبَ فَتَوَضَّأَ وَرَجَعَ فَكَبَّرَ وَإِنْ شَاءَ كَبَّرَ مِنْ غَيْرِ تَطْهِيرٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤَدِّي فِي تَحْرِيمَةِ الصَّلَاةِ فَلَا تُشْتَرَطُ لَهُ الطَّهَارَةُ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: وَالْأَصَحُّ عِنْدِي أَنَّهُ يُكَبِّرُ وَلَا يَخْرُجُ مِنْ الْمَسْجِدِ

<<  <  ج: ص:  >  >>