أَنْصِبَاءِ الْكُلِّ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِثْلَ نَصِيبِ الْآخَرِ فِي أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرَى بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا بِخِلَافِ الْإِشْرَاكِ عَلَى التَّعَاقُبِ؛ لِأَنَّ الْإِشْرَاكَ مِنْ أَحَدِهِمَا مُطْلَقًا فِي زَمَانٍ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ نَصِيبُهُ مِثْلَ نَصِيبِهِ، وَكَذَلِكَ الْإِشْرَاكُ الْآخَرُ فِي الزَّمَانِ الثَّانِي فَيَجْتَمِعُ لَهُ رُبُعَانِ وَهُوَ النِّصْفُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الرُّبُعُ وَاَللَّهُ ﷾ أَعْلَمُ.
[فَصْلٌ فِي الْمُوَاضَعَةُ]
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا الْمُوَاضَعَةُ فَهِيَ بَيْعٌ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ مَعَ نُقْصَانِ شَيْءٍ مَعْلُومٍ مِنْهُ، وَيُعْتَبَرُ لَهَا مِنْ الشَّرَائِطِ وَالْأَحْكَامِ مَا يُعْتَبَرُ لِلْمُرَابَحَةِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ كُلَّهُ، وَالْأَصْلُ فِي مَعْرِفَةِ مِقْدَارِ الثَّمَنِ فِي الْمُوَاضَعَةِ أَنْ يُضَمَّ قَدْرُ الْوَضِيعَةِ إلَى رَأْسِ الْمَالِ ثُمَّ يُطْرَحُ مِنْهُ فَمَا بَقِيَ بَعْدَ الطَّرْحِ فَهُوَ الثَّمَنُ مِثَالُهُ إذَا قَالَ: اشْتَرَيْتُ هَذَا بِعَشَرَةٍ وَبِعْتُكَ بِوَضِيعَةِ دَهٍ يازده فَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَعْرِفَ الثَّمَنَ أَنَّهُ كَمْ هُوَ فَسَبِيلُكَ أَنْ تَجْعَلَ كُلَّ دِرْهَمٍ مِنْ الْعَشَرَةِ الَّتِي هِيَ رَأْسُ الْمَالِ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا فَيَكُونُ الْكُلُّ أَحَدَ عَشَرَ، اطْرَحْ مِنْهُمَا دِرْهَمًا يَكُونُ الثَّمَنُ تِسْعَةَ دَرَاهِمَ وَجُزْءًا مِنْ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ دِرْهَمٍ، وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ تَجْرِي مَسَائِلُ الْمُوَاضَعَةِ وَاَللَّهُ الْمُوفَقُ لِلصَّوَابِ.
[فَصْلٌ فِي شَرَائِط لُزُومِ الْبَيْعِ بَعْدَ انْعِقَادِهِ]
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا شَرَائِطُ لُزُومِ الْبَيْعِ بَعْدَ انْعِقَادِهِ وَنَفَاذِهِ وَصِحَّتِهِ فَوَاحِدٌ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ خَالِيًا عَنْ خِيَارَاتٍ أَرْبَعَةٍ خِيَارِ التَّعْيِينِ وَخِيَارِ الشَّرْطِ وَخِيَارِ الْعَيْبِ وَخِيَارِ الرُّؤْيَةِ فَلَا يَلْزَمُ مَعَ أَحَدِ هَذِهِ الْخِيَارَاتِ وَهَذَا عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ ﵀ افْتِرَاقُ الْعَاقِدَيْنِ مَعَ الْخُلُوِّ عَنْ الْخِيَارَيْنِ وَهُوَ خِيَارُ الشَّرْطِ وَخِيَارُ الْعَيْبِ شَرْطٌ أَيْضًا وَلَقَبُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ خِيَارَ الْمَجْلِسِ لَيْسَ بِثَابِتٍ عِنْدَنَا، وَعِنْدَهُ ثَابِتٌ احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ ﵀ بِقَوْلِهِ: ﵊ «الْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا» وَهَذَا نَصٌّ فِي الْبَابِ؛ وَلِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَبِيعُ شَيْئًا وَيَشْتَرِي ثُمَّ يَبْدُو لَهُ فَيَنْدَمُ فَيَحْتَاجُ إلَى التَّدَارُكِ بِالْفَسْخِ فَكَانَ ثُبُوتُ الْخِيَارِ فِي الْمَجْلِسِ مِنْ بَابِ النَّظَرِ لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ.
(وَلَنَا) ظَاهِرُ قَوْلِهِ ﷿: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾ [النساء: ٢٩] أَبَاحَ اللَّهُ ﷾ الْأَكْلَ بِالتِّجَارَةِ عَنْ تَرَاضٍ مُطْلَقًا عَنْ قَيْدِ التَّفَرُّقِ عَنْ مَكَانِ الْعَقْدِ، وَعِنْدَهُ إذَا فَسَخَ أَحَدُهُمَا الْعَقْدَ فِي الْمَجْلِسِ لَا يُبَاحُ الْأَكْلُ فَكَانَ ظَاهِرُ النَّصِّ حُجَّةً عَلَيْهِ؛ وَلِأَنَّ الْبَيْعَ مِنْ الْعَاقِدَيْنِ صَدَرَ مُطْلَقًا عَنْ شَرْطٍ، وَالْعَقْدُ الْمُطْلَقُ يَقْتَضِي ثُبُوتَ الْمِلْكِ فِي الْعِوَضَيْنِ فِي الْحَالِ فَالْفَسْخُ مِنْ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ يَكُونُ تَصَرُّفًا فِي الْعَقْدِ الثَّابِتِ بِتَرَاضِيهِمَا أَوْ فِي حُكْمِهِ بِالرَّفْعِ وَالْإِبْطَالِ مِنْ غَيْرِ رِضَا الْآخَرِ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ وَلِهَذَا لَمْ يَنْفَرِدْ أَحَدُهُمَا بِالْفَسْخِ وَالْإِقَالَةِ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ كَذَا هَذَا.
(وَأَمَّا) الْحَدِيثُ فَإِنْ ثَبَتَ مَعَ كَوْنِهِ فِي حَدِّ الْآحَادِ مُخَالِفًا لِظَاهِرِ الْكِتَابِ، فَالْخِيَارُ الْمَذْكُورُ فِيهِ مَحْمُولٌ عَلَى خِيَارِ الرُّجُوعِ وَالْقَبُولِ مَا دَامَا فِي التَّبَايُعِ، وَهُوَ أَنَّ الْبَائِعَ إذَا قَالَ لِغَيْرِهِ: بِعْتُ مِنْكَ كَذَا فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ مَا لَمْ يَقُلْ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْتُ وَلِلْمُشْتَرِي أَنْ لَا يَقْبَلَ أَيْضًا، وَإِذَا قَالَ: الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْتُ مِنْكَ بِكَذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ مَا لَمْ يَقُلْ الْبَائِعُ: بِعْتُ، وَلِلْبَائِعِ أَنْ لَا يَقْبَلَ أَيْضًا، وَهَذَا النَّوْعُ مِنْ التَّأْوِيلِ لِلْخَبَرِ نَقَلَهُ مُحَمَّدٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَإِنَّهُ مُوَافِقٌ لِرِوَايَةِ أَبِي حَنِيفَةَ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ سَيِّدِنَا عُمَرَ ﵄ «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا عَنْ بَيْعِهِمَا» حَمَلْنَاهُ عَلَى هَذَا تَوْفِيقًا بَيْنَ الدَّلَائِلِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ وَاَللَّهُ تَعَالَى جَلَّ شَأْنُهُ أَعْلَمُ.
[فَصْلٌ فِي بَيَانِ مَا يُكْرَهُ مِنْ الْبِيَاعَاتِ وَمَا يَتَّصِلُ بِهَا]
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا بَيَانُ مَا يُكْرَهُ مِنْ الْبِيَاعَاتِ وَمَا يَتَّصِلُ بِهَا.
فَأَمَّا الْبِيَاعَاتُ الْمَكْرُوهَةُ (فَمِنْهَا) التَّفْرِيقُ بَيْنَ الرَّقِيقِ فِي الْبَيْعِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «لَا تُولَهُ وَالِدَةٌ عَنْ وَلَدِهَا» وَالتَّفَرُّقُ بَيْنَهُمَا تَوْلِيهٌ فَكَانَ مَنْهِيًّا.
وَرُوِيَ أَنَّ «النَّبِيَّ ﵊ رَأَى امْرَأَةً وَالِهَةً فِي السَّبْيِ فَسَأَلَ عَنْ شَأْنِهَا فَقِيلَ: قَدْ بِيعَ وَلَدُهَا فَأَمَرَ بِالرَّدِّ» وَقَالَ ﵊: «مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ وَالِدَةٍ وَوَلَدِهَا فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَهَذَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْوَعِيدِ.
وَرُوِيَ أَنَّهُ قَالَ ﵊: «لَا يَجْتَمِعُ عَلَيْهِمْ السَّبْيُ وَالتَّفْرِيقُ حَتَّى يَبْلُغَ الْغُلَامُ وَتَحِيضَ الْجَارِيَةُ وَنَهَى عَنْ التَّفْرِيقِ فِي حَالِ الصِّغَرِ» .
وَرُوِيَ أَنَّهُ ﵊ «وَهَبَ مِنْ سَيِّدِنَا عَلِيٍّ ﵁ غُلَامَيْنِ صَغِيرَيْنِ فَبَاعَ أَحَدَهُمَا فَسَأَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْهُمَا فَقَالَ: بِعْتُ أَحَدَهُمَا فَقَالَ ﵊: بِعْهُمَا أَوْ رُدَّ» ، وَالْأَمْرُ بِالْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فِي الْبَيْعِ أَوْ رَدِّ الْبَيْعِ فِيهِمَا دَلِيلٌ عَلَى كَرَاهَةِ التَّفْرِيق؛ وَلِأَنَّ التَّفْرِيقَ بَيْنَ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ نَوْعُ إضْرَارٍ بِهِمَا؛ لِأَنَّ الصَّغِيرَ يَنْتَفِعُ بِشُفْعَةِ الْكَبِيرِ وَيَسْكُنُ إلَيْهِ وَالْكَبِيرُ يَسْتَأْنِسُ بِالصَّغِيرِ، وَذَا يَفُوتُ