نَجْمَيْنِ لِلرَّدِّ فِي الرِّقِّ، وَلِأَنَّ الْعَجْزَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا عِنْدَ حُلُولِ نَجْمَيْنِ لِجَوَازِ أَنْ يُقْرِضَهُ إنْسَانٌ، أَوْ يَحْصُلَ لَهُ مَالٌ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ فَيُؤَدِّيَ، فَإِذَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ مَالُ نَجْمَيْنِ فَقَدْ تَحَقَّقَ عَجْزُهُ، وَلَهُمَا مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْن عُمَرَ ﵄ أَنَّهُ كَاتَبَ عَبْدًا لَهُ فَعَجَزَ عَنْ نَجْمٍ وَاحِدٍ فَرَدَّهُ إلَى الرِّقِّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ عَلَى عِلْمٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ﵃ وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ أَنْكَرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ فَيَكُونَ إجْمَاعًا وَلِأَنَّ الْمَوْلَى شَرَطَ عَلَيْهِ فِي كُلِّ نَجْمٍ قَدْرًا مِنْ الْمَالِ وَأَنَّهُ شَرْطٌ مُعْتَبَرٌ مُفِيدٌ مِنْ شَرَائِطِ الْكِتَابَةِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ إلَى الرِّقِّ عِنْدَ فَوَاتِهِ، كَمَا لَوْ عَجَزَ عَنْ نَجْمَيْنِ.
وَأَمَّا احْتِجَاجُهُ بِقَوْلِ عَلِيٍّ ﵁ فَغَيْرُ سَدِيدٍ؛ لِأَنَّهُ احْتِجَاجٌ بِالسُّكُوتِ؛ لِأَنَّ فِيهِ أَنَّهُ إذَا تَوَالَى عَلَيْهِ نَجْمَانِ يُرَدُّ إلَى الرِّقِّ وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ إذَا كَسَرَ نَجْمًا وَاحِدًا مَاذَا حُكْمُهُ؟ أَوْ يُحْمَلُ عَلَى النَّدْبِ، وَبِهِ نَقُولُ: إنَّ الْمُكَاتَبَ إذَا كَسَرَ نَجْمًا يُنْدَبُ مَوْلَاهُ إلَى أَنْ لَا يَرُدَّهُ إلَى الرِّقِّ مَا لَمْ يَتَوَالَ عَلَيْهِ نَجْمَانِ رِفْقًا بِهِ، وَنَظَرًا؛ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ نَجْمَيْنِ عَلَى أَصْلِهِ أَوْ عَنْ نَجْمٍ عَلَى أَصْلِهِمَا، فَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ حَاضِرٌ أَوْ غَائِبٌ مَرْجُوٌّ حُضُورُهُ بِأَنْ قَالَ: لِي مَالٌ عَلَى إنْسَانٍ أَوْ حَالٌّ يَجِيءُ فِي الْقَافِلَةِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَنْتَظِرُ فِيهِ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَدْرَ مِنْ التَّأْخِيرِ مَا لَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى الْمَوْلَى وَفِيهِ رَجَاءُ وُصُولِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى حَقِّهِ فَيَفْعَلُ الْقَاضِي ذَلِكَ عِنْدَ رَجَاءِ الْوُصُولِ.
وَلَوْ اخْتَلَفَ الْمَوْلَى وَالْمُكَاتَبُ فِي قَدْرِ الْبَدَلِ أَوْ جِنْسِهِ، بِأَنْ قَالَ الْمَوْلَى: كَاتَبْتُك عَلَى أَلْفَيْنِ أَوْ عَلَى الدَّنَانِيرِ، وَقَالَ الْعَبْدُ: كَاتَبْتنِي عَلَى أَلْفٍ أَوْ عَلَى الدَّرَاهِمِ.
فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُكَاتَبِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الْآخَرُ، سَوَاءٌ كَانَ قَدْ أَدَّى عَنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ شَيْئًا أَوْ كَانَ لَمْ يُؤَدِّ وَكَانَ يَقُولُ أَوَّلًا يَتَحَالَفَانِ وَيَتَرَادَّانِ كَالْبَيْعِ؛ لِأَنَّ فِي الْمُكَاتَبَةِ مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ، ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّهُ الْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ وَمَتَى وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي قَدْرِ الْمُسْتَحَقِّ أَوْ جِنْسِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ فِي الشَّرْعِ كَمَا فِي سَائِرِ الدُّيُونِ، وَلِأَنَّ الْقِيَاسَ يَمْنَعُ التَّحَالُفَ لِمَا نَذْكُرُ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ فِي الْبَيْعِ وَأَنَّهُ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ مُطْلَقًا وَالْكِتَابَةُ بِخِلَافِهِ فَلَمْ تَكُنْ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ ﷿ أَعْلَمُ.
[فَصْلٌ فِي الشَّرَائِط الَّتِي تَرْجِعُ إلَى نَفْسِ الرُّكْنِ]
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا الَّذِي يَرْجِعُ إلَى نَفْسِ الرُّكْنِ مِنْ شَرَائِطِ الصِّحَّةِ فَخُلُوُّهُ عَنْ شَرْطٍ فَاسِدٍ وَهُوَ الشَّرْطُ الْمُخَالِفُ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ الدَّاخِلِ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ مِنْ الْبَدَلِ فَإِنْ لَمْ يُخَالِفْ مُقْتَضَى الْعَقْدِ جَازَ الشَّرْطُ وَالْعَقْدُ، وَإِنْ خَالَفَ مُقْتَضَى الْعَقْدِ لَكِنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي صُلْبِهِ يَبْطُلْ الشَّرْطُ وَيَبْقَى الْعَقْدُ صَحِيحًا، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْكِتَابَةِ فِي جَانِبِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْعَبْدُ بِمَنْزِلَةِ الْإِعْتَاقِ لِمَا فِيهِ مِنْ فَكِّ الْحَجْرِ وَإِسْقَاطِهِ، وَالْإِعْتَاقُ مِمَّا لَا يُبْطِلُهُ الشُّرُوطُ الْفَاسِدَةُ وَفِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْبَدَلِ، وَجَانِبُ الْمَوْلَى بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى عَقَدَ عَقْدًا يَئُولُ إلَى زَوَالِ مِلْكِهِ عَنْهُ فَكَانَ كَالْبَيْعِ، وَالْبَيْعُ مِمَّا يُفْسِدُهُ الشُّرُوطُ الْفَاسِدَةُ لِنَهْيِ النَّبِيِّ ﷺ عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ فَيُجْعَلُ مِنْ الشُّرُوطِ الدَّاخِلَةِ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ كَالْبَيْعِ فَيَعْمَلُ فِيهِ الشَّرْطُ الْفَاسِدُ، وَفِيمَا لَا يَدْخُلُ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ مِنْ الشُّرُوطِ يُجْعَلُ كَالْإِعْتَاقِ فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الشَّرْطُ الْفَاسِدُ عَمَلًا بِالْمَعْنَيَيْنِ جَمِيعًا بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ، وَعَلَى هَذَا مَسَائِلُ إذَا كَاتَبَ جَارِيَةً عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنْ يَطَأَهَا مَا دَامَتْ مُكَاتَبَةً أَوْ عَلَى أَنْ يَطَأَهَا مَرَّةً فَالْكِتَابَةُ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ فَاسِدٌ لِكَوْنِهِ مُخَالِفًا مُقْتَضَى الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْمُكَاتَبَةِ يُوجِبُ حُرْمَةَ الْوَطْءِ، وَأَنَّهُ دَخَلَ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ لِدُخُولِهِ فِي الْبَدَلِ، حَيْثُ جَعَلَ بَدَلَ الْكِتَابَةِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَوَطِئَهَا فَفَسَدَتْ الْمُكَاتَبَةُ.
وَلَوْ كَاتَبَهُ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنْ لَا تَخْرُجَ مِنْ الْمِصْرِ أَوْ عَلَى أَنْ لَا يُسَافِرَ فَالشَّرْطُ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ يُخَالِفُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَقْتَضِي انْفِكَاكَ الْحَجْرِ وَانْفِتَاحَ طَرِيقِ الْإِطْلَاقِ لَهُ إلَى أَيِّ بَلَدٍ وَمَكَانٍ شَاءَ فَيَفْسُدُ الشَّرْطُ لَكِنْ لَا يَفْسُدُ عَقْدُ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يَرْجِعُ إلَى صُلْبِ الْعَقْدِ، وَمِثْلُهُ مِنْ الشُّرُوطِ لَا يُوجِبُ فَسَادَ الْعَقْدِ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ الْفِقْهِ، فَلَوْ أَنَّهَا أَدَّتْ الْأَلْفَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى عَتَقَتْ فِي قَوْلِ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ.
وَقَالَ بِشْرُ بْنُ غِيَاثٍ الْمَرِيسِيِّ: لَا تَعْتِقُ، وَجْهُ قَوْلِهِ إنَّ الْمَوْلَى جَعَلَ شَرْطَ الْعِتْقِ شَيْئَيْنِ الْأَلْفَ وَوَطْأَهَا، وَالْمُعَلَّقَ بِشَرْطَيْنِ لَا يَنْزِلُ عِنْدَ وُجُودِ أَحَدِهِمَا، كَمَا إذَا كَاتَبَهَا عَلَى أَلْفٍ وَرِطْلٍ مِنْ خَمْرٍ فَأَدَّتْ الْأَلْفَ دُونَ الْخَمْرِ وَلَنَا أَنَّ الْوَطْءَ لَا يَصْلُحُ عِوَضًا فِي الْمُكَاتَبَةِ فَلَا يَتَعَلَّقُ الْعِتْقُ بِهِ فَأُلْحِقَ ذِكْرُهُ بِالْعَدَمِ، بِخِلَافِ الْخَمْرِ فَإِنَّهُ يَصْلُحُ عِوَضًا فِي الْجُمْلَةِ لِكَوْنِهِ مَالًا مَقْدُورَ التَّسْلِيمِ فَلَمْ يُلْحَقْ بِالْعَدَمِ وَتَعَلُّقِ الْعِتْقِ بِأَدَائِهَا، ثُمَّ إذَا أَدَّتْ فَعَتَقَتْ يُنْظَرُ إلَى قِيمَتِهَا فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا أَلْفَ دِرْهَمٍ فَلَا شَيْءَ لِلْمَوْلَى عَلَيْهَا،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute