للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلَّا فَرْضًا وَتُوجَدُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ غَيْرَ فَرْضٍ وَكَذَا تَجِبُ فِي الْأُولَيَيْنِ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ وَالسُّورَةِ لَا تَجِبُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ، وَكَذَا الشَّفْعُ الْأَوَّلُ مَشْرُوعٌ عَلَى الْأَصَالَةِ وَالشَّفْعُ الثَّانِي مَشْرُوعٌ زِيَادَةً عَلَى الْأَوَّلِ فَإِنَّ الصَّلَاةَ فُرِضَتْ فِي الْأَصْلِ رَكْعَتَيْنِ فَأُقِرَّتْ فِي السَّفْرِ وَزِيدَتْ فِي الْحَضَرِ عَلَى مَا رُوِيَ فِي الْخَبَرِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ الِاقْتِدَاءُ وَمَعَ هَذَا صَحَّ فَدَلَّ عَلَى ثُبُوتِ الْمُوَافَقَةِ وَذَلِكَ فِي حَقِّ الْإِمَامِ آخِرَ الصَّلَاةِ فَكَذَا فِي حَقِّ الْمُقْتَدِي وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي الْحَدِيثِ؛ لِأَنَّ تَمَامَ الشَّيْءِ لَا يَكُونُ بِآخِرِهِ لَا مَحَالَةَ فَإِنَّ حَدَّ التَّمَامِ مَا إذَا حَرَّرْنَاهُ لَمْ يُحْتَجْ مَعَهُ إلَى غَيْرِهِ وَذَا لَا يَخْتَصُّ بِأَوَّلٍ وَلَا بِآخِرٍ فَإِنَّ مَنْ كَتَبَ آخِرَ الْكِتَابِ أَوَّلًا ثُمَّ كَتَبَ أَوَّلَهُ يَصِيرُ مُتَمِّمًا بِالْأَوَّلِ لَا بِالْآخِرِ وَكَذَا قِرَاءَةُ الْكِتَابِ بِأَنْ قَرَأَ أَوَّلًا نِصْفَهُ الْأَخِيرِ ثُمَّ الْأَوَّلَ.

وَأَمَّا وُجُوبُ الْقَعْدَةِ بَعْدَ قَضَاءِ الْأُولَيَيْنِ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ سُبِقَ بِهِمَا فَنَقُولُ الْقِيَاسُ أَنْ يَقْضِيَ الرَّكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَقْعُدُ إلَّا أَنَّا اسْتَحْسَنَّا وَتَرَكْنَا الْقِيَاسَ بِالْأَثَرِ وَهُوَ مَا رُوِيَ أَنَّ جُنْدُبًا وَمَسْرُوقًا اُبْتُلِيَا بِهَذَا فَصَلَّى جُنْدُبُ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قَعَدَ وَصَلَّى مَسْرُوقٌ رَكْعَةً ثُمَّ قَعَدَ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَةً أُخْرَى فَسَأَلَا ابْنَ مَسْعُودٍ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ كِلَاكُمَا أَصَابَ وَلَوْ كُنْتُ أَنَا لَصَنَعْتُ كَمَا صَنَعَ مَسْرُوقٌ، وَإِنَّمَا حَكَمَ بِتَصْوِيبِهِمَا لِمَا أَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الْحَسَنِ وَالْأَحْسَنِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى فِي قِصَّةِ دَاوُد وَسُلَيْمَانَ - عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ﴿فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا﴾ [الأنبياء: ٧٩] فَلَا يُؤَدِّي إلَى تَصْوِيبِ كُلِّ مُجْتَهِدٍ وَيُحْمَلُ عَلَى التَّصْوِيبِ فِي نَفْسِ الِاجْتِهَادِ لَا فِيمَا أَدَّى إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ: كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ وَالْحَقُّ عِنْدَ اللَّهِ وَاحِدٌ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ ثُمَّ الْعُذْرُ عَنْهُ أَنَّ الْمُدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ أَوَّلُ صَلَاتِهِ حَقِيقَةً وَفِعْلًا لَكِنَّا جَعَلْنَا آخِرَ صَلَاتِهِ حُكْمًا لِلتَّبَعِيَّةِ وَبَعْدَ انْقِطَاعِ تَحْرِيمَةِ الْإِمَامِ زَالَتْ التَّبَعِيَّةُ فَصَارَتْ الْحَقِيقَةُ مُعْتَبَرَةً فَكَانَتْ هَذِهِ الرَّكْعَةُ ثَانِيَةَ هَذَا الْمَسْبُوقِ، وَالْقَعْدَةُ بَعْدَ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ فِي الْمَغْرِبِ وَاجِبَةٌ إنْ لَمْ تَكُنْ فَرْضًا فَيَنْبَغِي أَنْ يَقْعُدَ وَكَذَا الْقَعْدَةُ بَعْدَ قَضَاءِ الرَّكْعَتَيْنِ اُفْتُرِضَتْ؛ لِأَنَّهَا مِنْ حَيْثُ الْحَقِيقَةِ وُجِدَتْ عَقِيبَ الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ وَصَارَتْ الْحَقِيقَةُ وَاجِبَةَ الِاعْتِبَارِ، وَقَوْلُهُمْ إنَّهَا وَقَعَتْ فِي مَحَلِّهَا فَلَا يُؤْتَى بِهَا ثَانِيًا قُلْنَا هِيَ وَإِنْ وَقَعَتْ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ فِي حَقِّ الْمُقْتَدِي كَمَا وَقَعَتْ فِي حَقِّ الْإِمَامِ غَيْرَ أَنَّهَا مَا وَقَعَتْ فَرْضًا فِي حَقِّ الْمَسْبُوقِ؛ لِأَنَّ فَرْضِيَّتَهَا مَا كَانَتْ لِوُقُوعِهَا فِي آخِرِ الصَّلَاةِ بَلْ لِحُصُولِ التَّحَلُّلِ بِهَا حَتَّى أَنَّ الْمُتَطَوِّعَ إذَا قَامَ إلَى الثَّالِثَةِ انْقَلَبَتْ قَعْدَتُهُ وَاجِبَةً عِنْدَنَا وَلَمْ تَبْقَ فَرْضًا لِانْعِدَامِ التَّحَلُّلِ فَكَذَا هَذِهِ الْقَعْدَةُ عِنْدَنَا جُعِلَتْ فِعْلًا فِي حَقِّ الْمَسْبُوقِ وَبَعْدَ الْفَرَاغِ مِمَّا سَبَقَ جَاءَ أَوَانُ التَّحَلُّلِ فَافْتُرِضَتْ الْقَعْدَةُ.

وَأَمَّا حُكْمُ الْقِرَاءَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَنَقُول: إذَا أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً مِنْ الْمَغْرِبِ ثُمَّ قَامَ إلَى الْقَضَاءِ يَقْضِي رَكْعَتَيْنِ وَيَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ.

وَلَوْ تَرَكَ الْقِرَاءَةَ فِي إحْدَاهُمَا فَسَدَتْ صَلَاتُهُ، أَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّهُ يَقْضِي أَوَّلَ صَلَاتِهِ، وَكَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ فِي حَقِّ الْقِرَاءَةِ، وَالْقِرَاءَةُ فِي الْأُولَيَيْنِ فَرْضٌ فَتَرْكُهَا يُوجِبُ فَسَادَ الصَّلَاةِ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ الْمُخَالِفِينَ فَلِعِلَّةٍ أُخْرَى عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَكَذَا إذَا أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَتَيْنِ مِنْهَا قَضَى رَكْعَةً بِقِرَاءَةٍ وَلَوْ أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً فِي ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ فَقَامَ إلَى الْقَضَاءِ قَضَى رَكْعَةً يَقْرَأُ فِيهَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ وَيَتَشَهَّدُ ثُمَّ يَقُومُ فَيَقْضِي رَكْعَةً أُخْرَى يَقْرَأُ فِيهَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ.

وَلَوْ تَرَكَ الْقِرَاءَةَ فِي إحْدَاهُمَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ لِمَا قُلْنَا وَفِي الثَّالِثَةِ هُوَ بِالْخِيَارِ، وَالْقِرَاءَةُ أَفْضَلُ لِمَا عُرِفَ، وَلَوْ أَدْرَكَ رَكْعَتَيْنِ مِنْهَا قَضَى رَكْعَتَيْنِ يَقْرَأُ فِيهِمَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ، وَلَوْ تَرَكَ الْقِرَاءَةَ فِي إحْدَاهُمَا فَسَدَتْ صَلَاتُهُ لِمَا ذَكَرْنَا وَيَسْتَوِي الْجَوَابُ بَيْنَ مَا إذَا قَرَأَ إمَامُهُ فِي الْأُولَيَيْنِ وَبَيْنَ مَا إذَا تَرَكَ الْقِرَاءَةَ فِيهِمَا، وَقَرَأَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ قَضَاءً عَنْ الْأُولَيَيْنِ وَأَدْرَكَهُ الْمَسْبُوقُ فِيهِمَا لِمَا ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ فِي الْأُخْرَيَيْنِ تَلْتَحِقُ بِالْأُولَيَيْنِ فَتَخْلُو الْأُخْرَيَانِ عَنْ الْقِرَاءَةِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَقْرَأْ فِيهِمَا.

وَأَمَّا إذَا فَاتَ شَيْءٌ عَنْ مَحَلِّهِ ثُمَّ تَذَكَّرَهُ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ بِأَنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْ سَجَدَاتِ صَلَاتِهِ سَاهِيًا ثُمَّ تَذَكَّرَهُ بَعْدَ مَا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ قَضَاهُ سَوَاءٌ كَانَ الْمَتْرُوكُ سَجْدَةً وَاحِدَةً أَوْ أَكْثَرَ وَسَوَاءٌ عَلِمَ أَنَّهُ مِنْ أَيَّةِ رَكْعَةٍ تَرَكَهُ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ لَكِنَّ الْكَلَامَ فِي كَيْفِيَّةِ الْقَضَاءِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وَهِيَ الْمَسَائِلُ الْمَعْرُوفَةُ بِالسَّجَدَاتِ.

[فَصْلٌ الْكَلَامُ فِي مَسَائِلِ السَّجَدَاتِ يَدُورُ عَلَى أُصُولٍ]

(فَصْلٌ) :

وَالْكَلَامُ فِي مَسَائِلِ السَّجَدَاتِ يَدُورُ عَلَى أُصُولٍ، مِنْهَا أَنَّ السَّجْدَةَ الْأَخِيرَةَ إذَا فَاتَتْ عَنْ مَحَلِّهَا وَقُضِيَتْ الْتَحَقَتْ بِمَحَلِّهَا عَلَى مَا هُوَ الْأَصْلُ فِي الْقَضَاءِ وَمِنْهَا أَنَّ الصَّلَاةَ إذَا تَرَدَّدَتْ بَيْنَ الْجَوَازِ وَالْفَسَادِ فَالْحُكْمُ بِالْفَسَادِ أَوْلَى وَإِنْ كَانَ لِلْجَوَازِ وُجُوهٌ وَلِلْفَسَادِ وَجْهٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ كَانَ ثَابِتًا بِيَقِينٍ فَلَا يَسْقُطُ بِالشَّكِّ وَلِأَنَّ الِاحْتِيَاطَ فِيمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>