للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ الْعَلَمِ فِي مَوْضِعِ النَّكِرَةِ لِأَنَّ اسْمَ الْأَعْلَامِ وَإِنْ كَانَتْ مَعَارِفَ لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ سَبْقِ الْمَعْرِفَةِ مِنْ الْمُتَكَلِّمِ وَالسَّامِعِ حَتَّى يُجْعَلَ هَذَا اللَّفْظُ عَلَمًا عِنْدَهُ وَعِنْدَ سَبْقِ الْمَعْرِفَةِ مِنْهُمَا بِذَلِكَ إمَّا بِتَعَيُّنِ الْمُسَمَّى بِالْعَلَمِ بِاسْمِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ يُزَاحِمُهُ غَيْرُهُ وَالْعَلَمُ وَاحْتِمَالُ الْمُزَاحَمَةِ ثَابِتٌ وَإِذَا جَازَ اسْتِعْمَالُ الْعَلَمِ فِي مَوْضِعِ النَّكِرَةِ وَقَدْ وُجِدَ هَهُنَا دَلِيلُ انْصِرَافِ التَّسْمِيَةِ إلَى غَيْرِ الْحَالِفِ وَهُوَ أَنَّ الْإِنْسَانَ فِي الْعُرْفِ الظَّاهِرِ مِنْ أَهْلِ اللِّسَانِ أَنَّهُ لَا يَذْكُرُ نَفْسَهُ بِاسْمِ الْعَلَمِ بَلْ يُضِيفُ غُلَامَهُ إلَيْهِ بِيَاءِ الْإِضَافَةِ فَيَقُولُ غُلَامِي فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ نَفْسَهُ وَأَنَّهُ مَا دَخَلَ تَحْتَ الْعَلَمِ الَّذِي هُوَ مَعْرِفَةٌ فَلَمْ يَخْرُجْ الْحَالِفُ عَنْ عُمُومِ هَذِهِ النَّكِرَةِ.

[فَصْلٌ فِي الْحَلِفِ عَلَى أُمُورٍ شَرْعِيَّةٍ]

(فَصْلٌ) :

وَأَمَّا النَّوْعُ الثَّانِي وَهُوَ الْحَلِفُ عَلَى أُمُورٍ شَرْعِيَّةٍ وَمَا يَقَعُ مِنْهَا عَلَى الصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ أَوْ عَلَى الصَّحِيحِ دُونَ الْفَاسِدِ مِثْلِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْهِبَةِ وَالْمُعَارَضَةِ وَالْعَارِيَّةِ وَالنِّحْلَة وَالْعَطِيَّةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْقَرْضِ وَالتَّزْوِيجِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ إذَا حَلَفَ لَا يَشْتَرِي ذَهَبًا وَلَا فِضَّةً فَاشْتَرَى دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ أَوْ آنِيَةً أَوْ تِبْرًا أَوْ مَصُوغَ حِلْيَةٍ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ ذَهَبٌ أَوْ فِضَّةٌ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ.

وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَحْنَثُ فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْأَصْلُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ يَعْتَبِرُ الْحَقِيقَةَ وَمُحَمَّدٌ يَعْتَبِرُ الْعُرْفَ لِمُحَمَّدٍ أَنَّ اسْمَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ إذَا أُطْلِقَ لَا يُرَادُ بِهِ الدِّرْهَمُ وَالدَّنَانِيرُ فِي الْعُرْفِ أَلَا تَرَى أَنَّهَا اخْتَصَّتْ بِاسْمٍ عَلَى حِدَةٍ فَلَا يَتَنَاوَلُهَا مُطْلَقُ اسْمِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ اسْمَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ يَقَعُ عَلَى الْكُلِّ لِأَنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ وَكَوْنُهُ مَضْرُوبًا وَمَصُوغًا وَتِبْرًا أَسْمَاءُ أَنْوَاعٍ لَهُ وَاسْمُ الْجِنْسِ يَتَنَاوَلُ الْأَنْوَاعَ كَاسْمِ الْآدَمِيِّ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [التوبة: ٣٤] فَدَخَلَ تَحْتَ هَذَا الْوَعِيدِ كَأَثَرِ الْمَضْرُوبِ وَغَيْرِهِ.

وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي حَدِيدًا فَهُوَ عَلَى مَضْرُوبِ ذَلِكَ وَتِبْرِهِ سِلَاحًا كَانَ أَوْ غَيْرَ سِلَاحٍ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ حَدِيدًا فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ.

وَقَالَ مُحَمَّدٌ إنْ اشْتَرَى شَيْئًا مِنْ الْحَدِيدِ يُسَمَّى بَائِعُهُ حَدَّادًا يَحْنَثْ وَإِنْ كَانَ بَائِعُهُ لَا يُسَمَّى حَدَّادًا لَا يَحْنَثُ وَبَائِعُ التِّبْرِ لَا يُسَمَّى حَدَّادًا فَلَا يَتَنَاوَلُهَا مُطْلَقُ اسْمِ الْحَدِيدِ وَلَهَا اسْمٌ يَخُصُّهَا فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْيَمِينِ وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْحَدِيدَ اسْمُ جِنْسٍ فَيَتَنَاوَلُ الْمَعْمُولَ وَغَيْرَ الْمَعْمُولِ.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي بَابِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ إنَّهُ إنْ كَانَ لَهُ نِيَّةٌ دُيِّنَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ.

وَالنِّيَّةُ فِي هَذَا وَاسِعَةٌ لِأَنَّهَا تَخْصِيصُ الْمَذْكُورِ.

وَقَالَ فِي بَابِ الْحَدِيدِ لَوْ قَالَ عَنَيْت التِّبْرَ فَاشْتَرَى إنَاءً لَمْ يَحْنَثْ وَلَوْ قَالَ عَنَيْت قُمْقُمًا فَاشْتَرَى سَيْفًا أَوْ إبَرًا أَوْ سَكَاكِينَ أَوْ شَيْئًا مِنْ السِّلَاحِ لَمْ يَحْنَثْ وَيُدَيَّنُ فِي الْقَضَاءِ وَهَذَا مُشْكِلٌ عَلَى مَذْهَبِهِ لِأَنَّ الِاسْمَ عِنْدَهُ عَامٌّ فَإِذَا نَوَى شَيْئًا مِنْهُ بِعَيْنِهِ فَقَدْ عَدَلَ عَنْ ظَاهِرِ الْعُمُومِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُصَدَّقَ فِي الْقَضَاءِ وَإِنْ صُدِّقَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى.

وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي الزِّيَادَاتِ لَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي حَدِيدًا وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَاشْتَرَى دِرْعَ حَدِيدٍ أَوْ سَيْفًا أَوْ سِكِّينًا أَوْ سَاعِدَيْنِ أَوْ بَيْضَةً أَوْ إبَرًا أَوْ مَسَالَّ لَا يَحْنَثُ وَإِنْ اشْتَرَى شَيْئًا غَيْرَ مَضْرُوبٍ أَوْ إنَاءً مِنْ آنِيَةِ الْحَدِيدِ أَوْ مَسَامِيرَ وَأَقْفَالًا أَوْ كَانُونَ حَدِيدٍ يَحْنَثُ قَالَ لِأَنَّ الَّذِي يَبِيعُ السِّلَاحَ وَالْإِبَرَ وَالْمَسَالَّ لَا يُسَمَّى حَدَّادًا وَاَلَّذِي يَبِيعُ مَا وَصَفْت لَك يُسَمَّى حَدَّادًا.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ اشْتَرَى بَابَ حَدِيدٍ أَوْ كَانُونَ حَدِيدٍ أَوْ إنَاءَ حَدِيدٍ مَكْسُورٍ أَوْ نَصْلَ سَيْفٍ مَكْسُورٍ حَنِثَ فَأَبُو يُوسُفَ اعْتَبَرَ الْحَقِيقَةَ وَهُوَ أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ حَدِيدٌ فَتَنَاوَلَهُ الْيَمِينُ وَمُحَمَّدٌ اعْتَبَرَ الْعُرْفَ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُسَمَّى حَدِيدًا فِي الْعُرْفِ حَتَّى لَا يُسَمَّى بَائِعُهُ حَدَّادًا قَالَ أَبُو يُوسُفَ.

وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي صُفْرًا فَاشْتَرَى طَشْتَ صُفْرٍ أَوْ كُوزًا أَوْ تَوْرًا حَنِثَ وَكَذَلِكَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ أَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَلِاعْتِبَارِ الْحَقِيقَةِ وَأَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَلِأَنَّ بَائِعَ ذَلِكَ يُسَمَّى صَفَّارًا.

وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَوْ اشْتَرَى فُلُوسًا لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهَا لَا تُسَمَّى صُفْرًا فِي كَلَامِ النَّاسِ.

وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي صُوفًا فَاشْتَرَى شَاةً عَلَى ظَهْرِهَا صُوفٌ لَمْ يَحْنَثْ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي شَيْئًا فَاشْتَرَى غَيْرَهُ وَدَخَلَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ فِي الْبَيْعِ تَبَعًا لَمْ يَحْنَثْ وَإِنْ دَخَلَ مَقْصُودًا يَحْنَثْ وَالصُّوفُ هَهُنَا لَمْ يَدْخُلْ فِي الْعَقْدِ مَقْصُودًا لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ لَمْ تَتَنَاوَلْ الصُّوفَ وَإِنَّمَا دَخَلَ فِي الْعَقْدِ تَبَعًا لِلشَّاةِ وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي آجُرًّا أَوْ خَشَبًا أَوْ قَصَبًا فَاشْتَرَى دَارًا لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ الْبِنَاءَ يَدْخُلُ فِي الْعَقْدِ تَبَعًا لِدُخُولِهِ فِي الْعَقْدِ بِغَيْرِ تَسْمِيَةٍ فَلَمْ يَكُنْ مَقْصُودًا بِالْعَقْدِ وَإِنَّمَا يَدْخُلُ فِيهِ تَبَعًا وَإِنْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي ثَمَرَ نَخْلٍ فَاشْتَرَى أَرْضًا فِيهَا نَخْلٌ مُثْمِرَةٌ وَشَرَطَ الْمُشْتَرِي الثَّمَرَةَ يَحْنَثْ لِأَنَّ الثَّمَرَةَ دَخَلْت فِي الْعَقْدِ مَقْصُودَةً

<<  <  ج: ص:  >  >>