مِنْ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ، وَإِنَّمَا خَالَفَهُ مِنْ حَيْثُ الْوَصْفُ فَإِذَا وَقَعَ الْأَصْلُ اسْتَتْبَعَ الْوَصْفُ الْمُمَلَّكُ فَيَقَعُ مَا فَوَّضَ إلَيْهَا وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ.
[فَصْلٌ فِي الرِّسَالَةِ فِي الطَّلَاقِ]
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا الرِّسَالَةُ فَهِيَ أَنْ يَبْعَثَ الزَّوْجُ طَلَاقَ امْرَأَتِهِ الْغَائِبَةِ عَلَى يَدِ إنْسَانٍ فَيَذْهَبُ الرَّسُولُ إلَيْهَا وَيُبَلِّغُهَا الرِّسَالَةَ عَلَى وَجْهِهَا فَيَقَعُ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّ الرَّسُولَ يَنْقُلُ كَلَامَ الْمُرْسِلِ فَكَانَ كَلَامُهُ كَكَلَامِهِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.
عَدَمُ الشَّكِّ مِنْ الزَّوْجِ فِي الطَّلَاقِ وَهُوَ شَرْطُ الْحُكْمِ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ حَتَّى لَوْ شَكَّ فِيهِ، لَا يُحْكَمُ بِوُقُوعِهِ حَتَّى لَا يَجِبَ عَلَيْهِ أَنْ يَعْتَزِلَ امْرَأَتَهُ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ كَانَ ثَابِتًا بِيَقِينٍ وَوَقَعَ الشَّكُّ فِي زَوَالِهِ بِالطَّلَاقِ فَلَا يُحْكَمُ بِزَوَالِهِ بِالشَّكِّ كَحَيَاةِ الْمَفْقُودِ، أَنَّهَا لَمَّا كَانَتْ ثَابِتَةً وَوَقَعَ الشَّكُّ فِي زَوَالِهَا لَا يُحْكَمُ بِزَوَالِهَا بِالشَّكِّ حَتَّى لَا يُورَثَ مَالُهُ وَلَا يَرِثَ هُوَ أَيْضًا مِنْ أَقَارِبِهِ.
وَالْأَصْلُ فِي نَفْيِ اتِّبَاعِ الشَّكِّ قَوْله تَعَالَى ﴿وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ [الإسراء: ٣٦] ، وَقَوْلُهُ ﵊ لَمَّا سُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يُخَيَّلُ إلَيْهِ أَنَّهُ يَجِدُ الشَّيْءَ فِي الصَّلَاةِ - «لَا يَنْصَرِفُ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا» اعْتَبَرَ الْيَقِينَ وَأَلْغَى الشَّكَّ ثُمَّ شَكُّ الزَّوْجِ لَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ وَقَعَ فِي أَصْلِ التَّطْلِيقِ أَطَلَّقَهَا أَمْ لَا؟ وَإِمَّا أَنْ وَقَعَ فِي عَدَدِ الطَّلَاقِ وَقَدْرِهِ؛ أَنَّهُ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، أَوْ صِفَةِ الطَّلَاقِ أَنَّهُ طَلَّقَهَا رَجْعِيَّةً أَوْ بَائِنَةً فَإِنْ وَقَعَ فِي أَصْلِ الطَّلَاقِ لَا يُحْكَمُ بِوُقُوعِهِ لِمَا قُلْنَا، وَإِنْ وَقَعَ فِي الْقَدْرِ يُحْكَمُ بِالْأَقَلِّ؛ لِأَنَّهُ مُتَيَقَّنٌ بِهِ وَفِي الزِّيَادَةِ شَكٌّ، وَإِنْ وَقَعَ فِي وَصْفِهِ يُحْكَمُ بِالرَّجْعِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا أَضْعَفُ الطَّلَاقَيْنِ فَكَانَتْ مُتَيَقَّنًا بِهَا.
[فَصْل فِي شَرَائِط رُكْن الطَّلَاق وبعضها يَرْجِعُ إلَى الْمَرْأَةِ]
(فَصْل) وَأَمَّا الَّذِي يَرْجِعُ إلَى الْمَرْأَةِ فَمِنْهَا الْمِلْكُ أَوْ عَلَقَةٌ مِنْ عَلَائِقِهِ؛ فَلَا يَصِحُّ الطَّلَاقُ إلَّا فِي الْمِلْكِ أَوْ فِي عَلَقَةٍ مِنْ عَلَائِقِ الْمِلْكِ وَهِيَ عِدَّةُ الطَّلَاقِ أَوْ مُضَافًا إلَى الْمِلْكِ.
وَجُمْلَةُ الْكَلَامِ فِيهِ أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ تَنْجِيزًا، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ تَعْلِيقًا بِشَرْطٍ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ إضَافَةً إلَى وَقْتٍ أَمَّا التَّنْجِيزُ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ وَالْعِدَّةِ فَبَاطِلٌ؛ بِأَنْ قَالَ لِامْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ: أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ طَلَّقْتُكِ؛ لِأَنَّهُ إبْطَالُ الْحِلِّ وَرَفْعُ الْقَيْدِ وَلَا حِلَّ وَلَا قَيْدَ فِي الْأَجْنَبِيَّةِ، فَلَا يُتَصَوَّرُ إبْطَالُهُ وَرَفْعُهُ وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «لَا طَلَاقَ قَبْلَ النِّكَاحِ» .
وَإِنْ كَانَتْ مَنْكُوحَةَ الْغَيْرِ وُقِفَ عَلَى إجَازَتِهِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، وَالْمَسْأَلَةُ تَأْتِي فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ
وَأَمَّا التَّعْلِيقُ بِشَرْطٍ فَنَوْعَانِ: تَعْلِيقٌ فِي الْمِلْكِ، وَتَعْلِيقٌ بِالْمِلْكِ.
وَالتَّعْلِيقُ فِي الْمِلْكِ نَوْعَانِ: حَقِيقِيٌّ، وَحُكْمِيٌّ أَمَّا الْحَقِيقِيُّ: فَنَحْوُ أَنْ يَقُولَ لِامْرَأَتِهِ: إنْ دَخَلْتِ هَذِهِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ إنْ كَلَّمْتِ فُلَانًا أَوْ إنْ قَدِمَ فُلَانٌ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَإِنَّهُ صَحِيحٌ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ مَوْجُودٌ فِي الْحَالِ، فَالظَّاهِرُ بَقَاؤُهُ إلَى وَقْتِ وُجُودِ الشَّرْطِ، فَكَانَ الْجَزَاءُ غَالِبَ الْوُجُودِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ فَيَحْصُلُ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْيَمِينِ وَهُوَ التَّقَوِّي عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ تَحْصِيلِ الشَّرْطِ فَصَحَّتْ الْيَمِينُ، ثُمَّ إذَا وُجِدَ الشَّرْطُ، وَالْمَرْأَةُ فِي مِلْكِهِ أَوْ فِي الْعِدَّةِ يَقَعُ الطَّلَاقُ وَإِلَّا فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ، وَلَكِنْ تَنْحَلُّ الْيَمِينُ لَا إلَى جَزَاءٍ حَتَّى إنَّهُ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: إنْ دَخَلْتِ هَذِهِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَدَخَلَتْ الدَّارَ وَهِيَ فِي مِلْكِهِ طَلُقَتْ.
وَكَذَا إذَا أَبَانَهَا قَبْلَ دُخُولِ الدَّارِ فَدَخَلَتْ الدَّارَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ الْمُبَانَةَ يَلْحَقُهَا صَرِيحُ الطَّلَاقِ عِنْدَنَا، وَإِنْ أَبَانَهَا قَبْلَ دُخُولِ الدَّارِ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا ثُمَّ دَخَلَتْ الدَّارَ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ لِعَدَمِ الْمِلْكِ وَالْعِدَّةِ، وَلَكِنْ تَبْطُلُ الْيَمِينُ حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَهَا ثَانِيًا وَدَخَلَتْ الدَّارَ لَا يَقَعُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ يَصِيرُ عِنْدَ الشَّرْطِ كَالْمُنَجَّزِ، وَالتَّنْجِيزُ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ وَالْعِدَّةِ بَاطِلٌ.
فَإِنْ قِيلَ: أَلَيْسَ أَنَّ الصَّحِيحَ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ جُنَّ فَدَخَلَتْ الدَّارَ أَنَّهُ يَقَعُ طَلَاقُهُ، وَلَوْ نَجَزَ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ لَا يَقَعُ فَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدِهِمَا أَنَّ التَّطْلِيقَ كَلَامُهُ السَّابِقُ عِنْدَ الشَّرْطِ فَتُعْتَبَرُ الْأَهْلِيَّةُ وَقْتَ وُجُودِهِ وَقَدْ وُجِدَتْ، وَالثَّانِي أَنَّا إنَّمَا اعْتَبَرْنَاهُ تَنْجِيزًا حُكْمًا وَتَقْدِيرًا، وَالْمَجْنُونُ مِنْ أَهْلِ أَنْ يَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَى امْرَأَتِهِ بِطَرِيقِ الْحُكْمِ، فَإِنَّ الْعِنِّينَ إذَا أَجَّلَ فَمَضَتْ الْمُدَّةُ وَقَدْ جُنَّ يُفَرِّقُ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا وَيَكُونُ ذَلِكَ طَلَاقًا فَاطَّرَدَ الْكَلَامُ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَوْ أَبَانَهَا قَبْلَ دُخُولِ الدَّارِ وَلَمْ تَدْخُلْ الدَّارَ حَتَّى تَزَوَّجَهَا ثُمَّ دَخَلَتْ يَقَعُ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ لَمْ تَبْطُلْ بِالْإِبَانَةِ؛ لِأَنَّهُ يُتَصَوَّرُ عَوْدُ الْمِلْكِ فَمَا قَامَتْ الْجَزَاءُ عَلَى وَجْهٍ لَا يُتَصَوَّرُ عَوْدُهُ، وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: إنْ دَخَلْتِ هَذِهِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ قَبْلَ دُخُولِ الدَّارِ فَتَزَوَّجَتْ بِزَوْجٍ آخَرَ وَدَخَلَ بِهَا ثُمَّ عَادَتْ إلَى الزَّوْجِ الْأَوَّلِ فَدَخَلَتْ طَلُقَتْ ثَلَاثًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ هِيَ طَالِقٌ مَا بَقِيَ مِنْ الطَّلْقَاتِ الثَّلَاثِ شَيْءٌ، وَأَصْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ مَنْ طَلَّقَ