طَلَاقٍ مَوْصُوفٍ بِكَوْنِهِ سُنِّيًّا مُطْلَقًا فَلَا يَقَعُ إلَّا عَلَى صِفَةِ السُّنَّةِ الْمُطْلَقَةِ وَالطَّلَاقُ السُّنِّيُّ عَلَى الْإِطْلَاقِ لَا يَقَعُ فِي غَيْرِ وَقْتِ السُّنَّةِ وَلِهَذَا يَقَعُ فِي وَقْتِ السُّنَّةِ فِي قَوْلِهِ " أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ " كَذَا هَذَا وَفَرَّقَ أَبُو يُوسُفَ بَيْنَ السُّنِّيَّةِ وَبَيْنَ الْحَسَنَةِ وَالْجَمِيلَةِ، وَمَا كَانَ الْغَالِبُ فِيهِ أَنْ يُجْعَلَ صِفَةً لِلطَّلَاقِ يُجْعَلُ صِفَةً لَهُ كَقَوْلِهِ سُنِّيَّةً وَعَدْلِيَّةً وَمَا كَانَ الْغَالِبُ فِيهِ أَنْ يُجْعَلَ صِفَةً لِلْمَرْأَةِ يُجْعَلُ صِفَةً لَهَا كَقَوْلِهِ " حَسَنَةً وَجَمِيلَةً " لِأَنَّ الْمَرْأَةَ مَذْكُورَةٌ فِي اللَّفْظِ بِقَوْلِهِ أَنْتِ وَالتَّطْلِيقَةُ مَذْكُورَةٌ أَيْضًا فَيُحْمَلُ عَلَى مَا يَغْلِبُ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِيهِ وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَهِيَ مِمَّنْ تَحِيضُ: " أَنْتِ طَالِقٌ لِلْحَيْضِ " وَقَعَ عِنْدَ كُلِّ طُهْرٍ مِنْ كُلِّ حَيْضَةٍ تَطْلِيقَةٌ لِأَنَّ الْحَيْضَةَ الَّتِي يُضَافُ إلَيْهَا الطَّلَاقُ هِيَ أَطْهَارُ الْعِدَّةِ وَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا تَحِيضُ فَقَالَ لَهَا: " أَنْتِ طَالِقٌ لِلْحَيْضِ " لَا يَقَعُ عَلَيْهَا شَيْءٌ لِأَنَّهُ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى مَا لَيْسَ بِمَوْجُودٍ فَصَارَ كَأَنَّهُ عَلَّقَهُ لِشَرْطٍ لَمْ يُوجَدْ وَلَوْ قَالَ لَهَا وَهِيَ مِمَّنْ لَا تَحِيضُ أَنْتِ طَالِقٌ لِلشُّهُورِ يَقَعُ لِلْحَالِ وَاحِدَةٌ وَبَعْدَ شَهْرٍ أُخْرَى وَبَعْدَ شَهْرٍ أُخْرَى، لِأَنَّ الشُّهُورَ الَّتِي يُضَافُ إلَيْهَا الطَّلَاقُ هِيَ شُهُورُ الْعِدَّةِ.
وَكَذَا الْحَامِلُ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَلَوْ نَوَى - بِشَيْءٍ مِنْ الْأَلْفَاظِ الَّتِي يَقَعُ بِهَا طَلَاقُ السُّنَّةِ وَهُوَ الطَّلَاقُ فِي الطُّهْرِ الَّذِي لَا جِمَاعَ فِيهِ - الْوُقُوعَ لِلْحَالِ تَصِحُّ نِيَّتُهُ وَيَكُونُ عَلَى مَا عَنَى لِأَنَّهُ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ كَلَامُهُ أَمَّا فِي لَفْظِ الْأَحْسَنِ وَالْأَجْمَلِ وَالْأَعْدَلِ فَلِأَنَّ أَلِفَ التَّفْضِيلِ قَدْ تُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ مُطْلَقُ الصِّفَةِ قَالَ اللَّهُ ﷾: ﴿وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ﴾ [الروم: ٢٧] أَيْ هَيِّنٌ عَلَيْهِ إذْ لَا تَفَاوُتَ لِلْأَشْيَاءِ فِي قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى بَلْ هِيَ بِالنِّسْبَةِ إلَى قُدْرَتِهِ سَوَاءٌ وَقَدْ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ وَلَا تُهْمَةَ فِي الْعُدُولِ عَنْ هَذَا الظَّاهِرِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّشْدِيدِ عَلَى نَفْسِهِ فَكَانَ مُصَدَّقًا وَكَذَا فِي سَائِرِ الْأَلْفَاظِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الطَّلَاقَ تَصَرُّفٌ مَشْرُوعٌ فِي نَفْسِهِ فَكَانَ إيقَاعُهُ سُنَّةً فِي كُلِّ وَقْتٍ أَوْ لِأَنَّ وُقُوعَهُ عُرِفَ بِالسُّنَّةِ عَلَى مَا نَذْكُرُ وَذَكَرَ بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ هَذَا النَّوْعَ مِنْ الْأَلْفَاظِ أَقْسَامٌ ثَلَاثَةٌ: قِسْمٌ مِنْهَا يَكُونُ طَلَاقَ السُّنَّةِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَفِي الْقَضَاءِ نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ، وَقِسْمٌ مِنْهَا يَكُونُ طَلَاقَ السُّنَّةِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَفِي الْقَضَاءِ إنْ نَوَى وَإِنْ لَمْ يَنْوِ لَا يَكُونُ لِلسُّنَّةِ وَيَقَعُ الطَّلَاقُ لِلْحَالِ، وَقِسْمٌ مِنْهَا مَا يُصَدَّقُ فِيهِ إذَا قَالَ نَوَيْتُ بِهِ طَلَاقَ السُّنَّةِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَيَقَعُ فِي أَوْقَاتِهَا وَلَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ بَلْ يَقَعُ لِلْحَالِ أَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ فَهُوَ أَنْ يَقُولَ: أَنْتِ طَالِقٌ لِلْعِدَّةِ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ طَلَاقَ الْعَدْلِ أَوْ طَلَاقَ الدِّينِ أَوْ طَلَاقَ الْإِسْلَامِ أَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ طَلَاقًا عَدْلًا أَوْ طَلَاقَ عِدَّةٍ أَوْ طَلَاقَ سُنَّةٍ أَوْ أَحْسَنَ الطَّلَاقِ أَوْ أَجْمَلَ الطَّلَاقِ أَوْ طَلَاقَ الْحَقِّ أَوْ طَلَاقَ الْقُرْآنِ أَوْ طَلَاقَ الْكِتَابِ أَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ أَوْ فِي السُّنَّةِ أَوْ بِالسُّنَّةِ أَوْ مَعَ السُّنَّةِ أَوْ عِنْدَ السُّنَّةِ أَوْ عَلَى السُّنَّةِ.
(وَأَمَّا) الْقِسْمُ الثَّانِي: فَهُوَ أَنْ يَقُولَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ ﷿، أَوْ بِكِتَابِ اللَّهِ ﷿، أَوْ مَعَ كِتَابِ اللَّهِ ﷿؛ لِأَنَّ فِي كِتَابِ اللَّهِ ﷿ دَلِيلُ وُقُوعِ الطَّلَاقِ لِلسُّنَّةِ وَالْبِدْعَةِ لِأَنَّ فِيهِ شَرْعُ الطَّلَاقِ مُطْلَقًا فَكَانَ الطَّلَاقُ تَصَرُّفًا مَشْرُوعًا فِي نَفْسِهِ فَكَانَ كَلَامُهُ مُحْتَمِلَ الْأَمْرَيْنِ فَوُقِّفَ عَلَى نِيَّتِهِ وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّالِثُ فَهُوَ أَنْ يَقُولَ: أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى الْكِتَابِ أَوْ بِالْكِتَابِ أَوْ عَلَى قَوْلِ الْقُضَاةِ أَوْ عَلَى قَوْلِ الْفُقَهَاءِ أَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ طَلَاقَ الْقُضَاةِ أَوْ طَلَاقَ الْفُقَهَاءِ لِأَنَّ الْقُضَاةَ وَالْفُقَهَاءَ يَقُولُونَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ ﷿ قَالَ اللَّهُ ﷿: ﴿وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ [الأنعام: ٥٩] ، وَفِي كِتَابِ اللَّهِ ﷿ دَلِيلُ الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا لِمَا بَيَّنَّا فَكَانَ لَفْظُهُ مُحْتَمِلًا لِلْأَمْرَيْنِ فَيُصَدَّقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ ﷿ وَيَقَعُ فِي وَقْتِ السُّنَّةِ وَلَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ، وَاَللَّهُ ﷿ أَعْلَمُ وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ غَائِبًا فَأَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَهَا لِلسُّنَّةِ وَاحِدَةً فَإِنَّهُ يَكْتُبُ إلَيْهَا إذَا جَاءَكِ كِتَابِي هَذَا ثُمَّ حِضْتِ وَطَهُرْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا يَكْتُبْ إلَيْهَا إذَا جَاءَكِ كِتَابِي هَذَا ثُمَّ حِضْتِ وَطَهُرْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ إذَا حِضْتِ وَطَهُرْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ إذَا حِضْتِ وَطَهُرْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الرُّقَيَّاتِ أَنَّهُ يَكْتُبُ إلَيْهَا إذَا جَاءَكِ كِتَابِي هَذَا فَعَلِمْت مَا فِيهِ ثُمَّ حِضْتِ وَطَهُرْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَتِلْكَ الرِّوَايَةُ أَحْوَطُ وَاَللَّهُ ﷿ أَعْلَمُ.
[فَصْلٌ فِي طَلَاقِ الْبِدْعَةِ]
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا طَلَاقُ الْبِدْعَةِ فَالْكَلَامُ فِيهِ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ: فِي تَفْسِيرِهِ وَفِي بَيَانِ الْأَلْفَاظِ الَّتِي يَقَعُ بِهَا طَلَاقُ الْبِدْعَةِ وَفِي بَيَانِ حُكْمِهِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَطَلَاقُ الْبِدْعَةِ نَوْعَانِ أَيْضًا: نَوْعٌ يَرْجِعُ إلَى الْوَقْتِ وَنَوْعٌ يَرْجِعُ إلَى الْعَدَدِ أَمَّا الَّذِي يَرْجِعُ إلَى الْوَقْتِ فَنَوْعَانِ أَيْضًا: أَحَدُهُمَا الطَّلْقَةُ الْوَاحِدَةُ الرَّجْعِيَّةُ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ إذَا كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا سَوَاءٌ كَانَتْ حُرَّةً أَوْ أَمَةً
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute