فِي أَيْدِيهِمْ، وَإِنْ وُجِدَ فِي نَهْرٍ صَغِيرٍ مِمَّا يُقْضَى فِيهِ بِالشُّفْعَةِ لِلشُّرَكَاءِ فِي الشُّرْبِ فَفِيهِ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى أَهْلِ النَّهْرِ؛ لِأَنَّ النَّهْرَ مَمْلُوكٌ لَهُمْ وَسَوَاءٌ كَانَ الْقَتِيلُ مُحْتَبَسًا أَوْ مَرْبُوطًا عَلَى الشَّطِّ أَوْ كَانَ النَّهْرُ يَجْرِي بِهِ بِخِلَافِ النَّهْرِ الْكَبِيرِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مِلْكًا لِأَرْبَابِهِ - كَانَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يَجْرِي بِهِ مَمْلُوكًا لَهُمْ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ النَّهْرُ الْكَبِيرُ، وَلَا قَسَامَةَ فِي قَتِيلٍ يُوجَدُ فِي مَسْجِدِ الْجَامِعِ، وَلَا فِي شَوَارِعِ الْعَامَّةِ، وَلَا فِي جُسُورِ الْعَامَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الْمِلْكُ، وَلَا يَدُ الْخُصُوصِ، وَتَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ تَدْبِيرَ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ وَمَصْلَحَتَهَا إلَى الْعَامَّةِ فَكَانَ حِفْظُهَا عَلَيْهِمْ فَإِذَا قَصَّرُوا ضَمَّنُوا بَيْتَ الْمَالِ مَالَهُمْ فَيُؤْخَذُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ.
وَكَذَلِكَ لَا قَسَامَةَ فِي قَتِيلٍ فِي سُوقِ الْعَامَّةِ، وَهِيَ الْأَسْوَاقُ الَّتِي لَيْسَتْ بِمَمْلُوكَةٍ، وَهِيَ سُوقُ السُّلْطَانِ؛ لِأَنَّهَا إذَا لَمْ تَكُنْ مَمْلُوكَةً وَلَيْسَ لِأَحَدٍ عَلَيْهَا يَدُ الْخُصُوصِ كَانَتْ كَالشَّوَارِعِ الْعَامَّةِ؛ لِأَنَّ سُوقَ السُّلْطَانِ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ فَلَا تَجِبُ الْقَسَامَةُ، وَتَجِبُ الدِّيَةُ؛ لِأَنَّ حِفْظَهَا وَالتَّدْبِيرَ فِيهَا إلَى جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ فَيَضْمَنُونَ بِالتَّقْصِيرِ؛ فَبَيْتُ الْمَالِ مَالُ عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ، فَيُؤْخَذُ مِنْهُ.
وَكَذَا إذَا وُجِدَ فِي مَسْجِدِ جَمَاعَتِهِمْ، وَلَا قَسَامَةَ، وَالدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لِأَحَدٍ فِيهِ، وَلَا يَدُ الْخُصُوصِ، وَيَدُ الْعُمُومِ تُوجِبُ الدِّيَةَ لَا الْقَسَامَةَ؛ لِمَا بَيَّنَّا، فَإِنْ كَانَ السَّوْقُ مِلْكًا تَجِبُ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ لَكِنْ عَلَى مِنْ تَجِبُ فِيهِ اخْتِلَافٌ نَذْكُرهُ فِي مَوْضِعه إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى - وَلَا قَسَامَةَ فِي قَتِيلٍ يُوجَدُ فِي السِّجْنِ لِانْعِدَامِ الْمِلْكِ وَيَدِ الْخُصُوصِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَصَرُّفَ لِأَهْلِ السِّجْنِ فِي السِّجْنِ؛ لِكَوْنِهِمْ مَقْهُورِينَ فِيهِ وَتَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ يَدَ الْعُمُومِ ثَابِتَةٌ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ مَنْفَعَةَ السِّجْنِ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُ بُنِيَ لِاسْتِيفَاءِ حُقُوقِهِمْ، وَدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُمْ، وَيَدُ الْعُمُومِ تُوجِبُ الدِّيَةَ لَا الْقَسَامَةَ، وَهَذَا قَوْلُهُمَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ ﵀: تَجِبُ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى أَهْلِ السِّجْنِ؛ لِأَنَّ لَهُمْ ضَرْبَ تَصَرُّفٍ فِي السِّجْنِ فَكَأَنَّ لَهُمْ يَدًا عَلَى السِّجْنِ فَعَلَيْهِمْ حِفْظُهُ.
(وَمِنْهَا) أَنْ لَا يَكُونَ الْقَتِيلُ مِلْكًا لِصَاحِبِ الْمِلْكِ الَّذِي وُجِدَ فِيهِ فَلَا قَسَامَةَ، وَلَا دِيَةَ فِي قِنٍّ أَوْ مُدَبَّرٍ أَوْ أُمِّ وَلَدٍ أَوْ مُكَاتَبٍ أَوْ مَأْذُونٍ وُجِدَ قَتِيلًا فِي دَارِ مَوْلَاهُ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ وَوُجُودُهُ فِي دَارِهِ قَتِيلًا، كَمُبَاشَرَةِ الْقَتْلِ مِنْهُ، وَقَتْلُ الْمَمْلُوكِ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ ضَمَانٌ إلَّا أَنَّ فِي الْمُكَاتَبِ تَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى قِيمَتُهُ؛ لِأَنَّهُ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى كَسْبِهِ وَأَرْشُ جِنَايَتِهِ حُرٌّ؛ فَكَانَ كَسْبُهُ وَأَرْشُهُ لَهُ، وَالْمَوْلَى فِيهِ كَالْأَجْنَبِيِّ، وَلَا تَعْقِلَهُ الْعَاقِلَةُ؛ لِأَنَّهُ إذًا صَارَ مَضْمُونًا بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ، وَالْعَقْدُ ثَبَتَ فِي حَقِّ الْمَوْلَى وَالْمُكَاتَبِ لَا فِي حَقِّ الْعَاقِلَةِ، وَفِي الْمَأْذُونِ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ لِغُرَمَائِهِ إنْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ؛ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ بِمَالِيَّتِهِ، وَقَدْ اسْتَهْلَكَ حَقَّهُمْ بِالْقَتْلِ بِاسْتِهْلَاكِ مَحَلِّ الْحَقِّ فَيَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ لِغُرَمَائِهِ، وَتَكُونُ حَالَّةً فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ ضَمَانَ النَّفْسِ؛ لِأَنَّ نَفْسَهُ مِلْكُ الْمَوْلَى بَلْ هَذَا ضَمَانُ الْمَالِ لِتَعَلُّقِ الْغُرَمَاءُ بِمَالِيَّتِهِ، فَكَانَ هَذَا ضَمَانَ الِاسْتِهْلَاكِ، فَتَكُونُ فِي مَالِهِ حَالَّةً لَا مُؤَجَّلَةً كَمَا لَوْ اسْتَهْلَكَهُ بِالْإِعْتَاقِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ - لَا شَيْءَ فِيهِ.
وَكَذَلِكَ إنْ قَتَلَهُ عَمْدًا.
وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْعَبْدُ جَنَى جِنَايَةً ثُمَّ وُجِدَ قَتِيلًا فِي دَارِ مَوْلَاهُ فَعَلَى الْمَوْلَى قِيمَتُهُ حَالَّةً وَكَذَلِكَ إنْ قَتَلَهُ خَطَأً وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِجِنَايَتِهِ لِمَا قُلْنَا، وَلَوْ وُجِدَ الْعَبْدُ الرَّهْنُ قَتِيلًا فِي دَارِ الرَّاهِنِ أَوْ الْمُرْتَهِنِ، فَإِنْ وُجِدَ قَتِيلًا فِي دَارِ الرَّاهِنِ فَلَا قَسَامَةَ، وَالْقِيمَةُ عَلَى رَبِّ الدَّارِ دُونَ الْعَاقِلَةِ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ وَقَتْلُ الْإِنْسَانِ مِلْكَ نَفْسِهِ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا وَجَبَ الضَّمَانُ بِعَقْدِ الرَّهْنِ، وَالْعَقْدُ ثَبَتَ فِي حَقِّ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ لَا فِي حَقِّ الْعَاقِلَةِ فَلَا يَلْزَمُ حُكْمَهُ الْعَاقِلَةُ، وَإِنْ وُجِدَ فِي دَارِ الْمُرْتَهِنِ فَالْقَسَامَةُ وَالْقِيمَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا الضَّمَانَ لَا يَجِبُ بِالْعَقْدِ وَإِنَّمَا يَجِبُ بِالْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّ وُجُودَهُ فِي دَارِهِ قَتِيلًا كَمُبَاشَرَةِ الْقَتْلِ مِنْهُ، كَعَبْدٍ لَيْسَ بِرَهْنٍ وُجِدَ فِي دَارِهِ قَتِيلًا، وَثَمَّةَ الْقَسَامَةُ وَالْقِيمَةُ عَلَيْهِ، كَذَا هَهُنَا.
[فَصْلٌ فِي بَيَانُ سَبَبِ وُجُوبِ الْقَسَامَةِ وَالدِّيَةِ]
(فَصْلٌ) :
(وَأَمَّا) بَيَانُ سَبَبِ وُجُوبِ الْقَسَامَةِ وَالدِّيَةِ فَنَقُولُ: سَبَبُ وُجُوبِهِمَا هُوَ التَّقْصِيرُ فِي النُّصْرَةِ وَحِفْظُ الْمَوْضِعِ الَّذِي وُجِدَ فِيهِ الْقَتِيلُ مِمَّنْ وَجَبَ عَلَيْهِ النُّصْرَةُ وَالْحِفْظُ؛ لِأَنَّهُ إذَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْحِفْظُ فَلَمْ يُحْفَظْ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْحِفْظِ صَارَ مُقَصِّرًا بِتَرْكِ الْحِفْظِ الْوَاجِبِ فَيُؤَاخَذُ بِالتَّقْصِيرِ زَجْرًا عَنْ ذَلِكَ وَحَمْلًا عَلَى تَحْصِيلِ الْوَاجِبِ، وَكُلُّ مَنْ كَانَ أَخَصَّ بِالنُّصْرَةِ وَالْحِفْظ كَانَ أَوْلَى بِتَحَمُّلِ الْقَسَامَةِ وَالدِّيَةَ؛ لِأَنَّهُ أَوْلَى بِالْحِفْظِ فَكَانَ التَّقْصِيرُ مِنْهُ أَبْلَغَ، وَلِأَنَّهُ إذَا اخْتَصَّ بِالْمَوْضِعِ مِلْكًا أَوْ يَدًا بِالتَّصَرُّفِ كَانَتْ مَنْفَعَتُهُ لَهُ، فَكَانَتْ النُّصْرَةُ عَلَيْهِ؛ إذْ الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَقَالَ ﵎ ﴿لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ﴾ [البقرة: ٢٨٦] وَلِأَنَّ الْقَتِيلَ إذَا وُجِدَ فِي مَوْضِعٍ اُخْتُصَّ بِهِ وَاحِدٌ أَوْ جَمَاعَةٌ إمَّا بِالْمِلْكِ أَوْ بِالْيَدِ، وَهُوَ التَّصَرُّفُ فِيهِ فَيُتَّهَمُونَ أَنَّهُمْ قَتَلُوهُ، فَالشَّرْعُ أَلْزَمَهُمْ الْقَسَامَةَ دَفْعًا لِلتُّهْمَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute