للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا مِلْكَ لَهُ فِي الرَّقَبَةِ فَلَا يَمْلِكُ الِاسْتِيفَاءَ بِنَفْسِهِ، وَالْمُوصَى لَهُ بِالرَّقَبَةِ وَإِنْ مَلَكَ الرَّقَبَةَ لَكِنْ فِي اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ إبْطَالُ حَقِّ الْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ لَا إلَى بَدَلٍ هُوَ مَالٌ فَلَا يَمْلِكُ إبْطَالَ حَقِّهِ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ، وَإِذَا اجْتَمَعَا فَلِلْمُوصَى لَهُ بِالرَّقَبَةِ أَنْ يَسْتَوْفِيَ؛ لِأَنَّ الْمُطْلِقَ لِلِاسْتِيفَاءِ مَوْجُودٌ، وَهُوَ قِيَامُ مِلْكِ الرَّقَبَةِ، وَالِامْتِنَاعُ كَانَ لِحَقِّ الْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ فَإِذَا رَضِيَ بِسُقُوطِ حَقِّهِ فَقَدْ زَالَ الْمَانِعُ.

وَلَوْ قُتِلَ الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ لَمْ يَكُنْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَنْفَرِدَ بِاسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ (أَمَّا) الْمُرْتَهِنُ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الرَّقَبَةِ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا لَهُ وَقْتَ الْقَتْلِ فَلَمْ يُوجَدْ سَبَبُ ثُبُوتِ وِلَايَةِ الِاسْتِيفَاءِ فِي حَقِّهِ (وَأَمَّا) الرَّاهِنُ فَلِأَنَّ اسْتِيفَاءَهُ يَتَضَمَّنُ إبْطَالَ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ فِي الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ؛ لِأَنَّ الرَّهْنُ يَصِيرُ هَالِكًا مِنْ غَيْرِ بَدَلٍ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ إنَّمَا كَانَ رَهْنًا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَالٌ، وَالْقِصَاصُ لَا يَصْلُحُ بَدَلًا عَنْ الْمَالِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ فَيَصِيرَ الرَّهْنُ هَالِكًا مِنْ غَيْرِ بَدَلٍ فَيَسْقُطَ دَيْنُهُ فَكَانَ فِي اسْتِيفَائِهِ الْقِصَاصَ إبْطَالُ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ، وَلَوْ اجْتَمَعَا ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْقِصَاصَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ كَانَ لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ، وَقَدْ رَضِيَ بِسُقُوطِهِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ، وَإِنْ اجْتَمَعَا عَلَى الِاسْتِيفَاءِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ لَا قِصَاصَ عَلَى قَاتِلِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْخِلَافَ، وَقَدْ ذَكَرْنَا وَجْهَ كُلٍّ مِنْ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ.

(وَمِنْهَا) الْوَلَاءُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِمَوْلَى الْأَسْفَلِ وَارِثٌ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ سَبَبُ الْوِلَايَةِ فِي الْجُمْلَةِ.

أَلَا تَرَى أَنَّ مَوْلَى الْعَتَاقَةِ يُزَوِّجُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ آخِرُ الْعَصَبَاتِ، وَمَوْلَى الْمُوَالَاةِ يُزَوِّجُ عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّهُ آخِرُ الْوَرَثَةِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ وَارِثٌ فَلَا قِصَاصَ لِاشْتِبَاهِ الْوَلِيِّ فَلَا يُتَصَوَّرُ الِاسْتِيفَاءُ.

(وَمِنْهَا) السَّلْطَنَةُ عِنْدَ عَدَمِ الْوَرَثَةِ، وَالْمِلْكِ، وَالْوَلَاءِ كَاللَّقِيطِ، وَنَحْوِهِ إذَا قُتِلَ، وَهَذَا قَوْلُهُمَا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَيْسَ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَسْتَوْفِيَ إذَا كَانَ الْمَقْتُولُ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ، وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ الدِّيَةَ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ فَلَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْقِصَاصَ، وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ الدِّيَةَ (وَجْهُ) قَوْلِهِ أَنَّ الْمَقْتُولَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لَا يَخْلُو عَنْ وَلِيٍّ لَهُ عَادَةً إلَّا أَنَّهُ رُبَّمَا لَا يُعْرَفُ، وَقِيَامُ وِلَايَةِ الْوَلِيِّ تَمْنَعُ وِلَايَةَ السُّلْطَانِ، وَبِهَذَا لَا يَمْلِكُ الْعَفْوَ، بِخِلَافِ الْحَرْبِيِّ إذَا دَخَلَ دَارَ الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمَ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، وَلَهُمَا أَنَّ الْكَلَامَ فِي قَتِيلٍ لَمْ يُعْرَفْ لَهُ وَلَيٌّ عِنْدَ النَّاسِ فَكَانَ وَلِيُّهُ السُّلْطَانَ لِقَوْلِهِ «السُّلْطَانُ وَلَيُّ مِنْ لَا وَلَيَّ لَهُ» .

وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ لَمَا قُتِلَ سَيِّدُنَا عُمَرُ خَرَجَ الْهُرْمُزَانُ، وَالْخِنْجَرُ فِي يَدِهِ فَظَنَّ عُبَيْدُ اللَّهِ أَنَّ هَذَا الَّذِي قَتَلَ سَيِّدَنَا عُمَرَ فَقَتَلَهُ فَرُفِعَ ذَلِكَ إلَى سَيِّدِنَا عُثْمَانَ فَقَالَ سَيِّدُنَا عَلِيٌّ لِسَيِّدِنَا عُثْمَانَ اُقْتُلْ عُبَيْدَ اللَّهِ فَامْتَنَعَ سَيِّدُنَا عُثْمَانُ وَقَالَ: كَيْفَ أَقْتُلُ رَجُلًا قُتِلَ أَبُوهُ أَمْسِ؟ لَا أَفْعَلُ، وَلَكِنْ هَذَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ، وَأَنَا وَلِيُّهُ أَعْفُو عَنْهُ، وَأُؤَدِّي دِيَتَهُ وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ أَعْفُو عَنْهُ، وَأُؤَدِّي دِيَتَهُ الصُّلْحَ عَلَى الدِّيَةِ وَلِلْإِمَامِ أَنْ يُصَالِحَ عَلَى الدِّيَةِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْعَفْوَ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ حَقُّ الْمُسْلِمِينَ بِدَلِيلِ أَنَّ مِيرَاثَهُ لَهُمْ، وَإِنَّمَا الْإِمَامُ نَائِبٌ عَنْهُمْ فِي الْإِقَامَةِ، وَفِي الْعَفْوِ إسْقَاطُ حَقِّهِمْ أَصْلًا وَرَأْسًا، وَهَذَا لَا يَجُوزُ؛ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُهُ الْأَبُ، وَالْجَدُّ، وَإِنْ كَانَا يَمْلِكَانِ اسْتِيفَاءَ الْقِصَاصِ، وَلَهُ أَنْ يُصَالِحَ عَلَى الدِّيَةِ كَمَا فَعَلَ سَيِّدُنَا عُثْمَانُ وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ بِالصَّوَابِ.

[فَصْلٌ فِي بَيَانُ مَا يُسْتَوْفَى بِهِ الْقِصَاصُ وَكَيْفِيَّةُ الِاسْتِيفَاءِ]

(فَصْلٌ) :

وَأَمَّا بَيَانُ مَا يُسْتَوْفَى بِهِ الْقِصَاصُ، وَكَيْفِيَّةُ الِاسْتِيفَاءِ فَالْقِصَاصُ لَا يُسْتَوْفَى إلَّا بِالسَّيْفِ عِنْدَنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : يُفْعَلُ بِهِ مِثْلُ مَا فَعَلَ، فَإِنْ مَاتَ، وَإِلَّا تُحَزُّ رَقَبَتُهُ حَتَّى لَوْ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ عَمْدًا فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّ الْوَلِيَّ يَقْتُلُهُ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْطَعَ يَدَهُ عِنْدَنَا، وَعِنْدَهُ تُقْطَعُ يَدُهُ، فَإِنْ مَاتَ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي مَاتَ الْأَوَّلُ فِيهَا، وَإِلَّا تُحَزُّ رَقَبَتُهُ.

(وَجْهُ) قَوْلِهِ أَنَّ مَبْنَى الْقِصَاصِ عَلَى الْمُمَاثَلَةِ فِي الْفِعْلِ؛ لِأَنَّهُ جَزَاءُ الْفِعْلِ فَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مِثْلَ الْفِعْلِ الْأَوَّلِ، وَذَلِكَ فِيمَا قُلْنَا، وَهُوَ أَنْ يُفْعَلَ بِهِ مِثْلُ مَا فَعَلَ هُوَ، وَالْمَوْجُودُ مِنْهُ الْقَطْعُ فَيَجِبُ أَنْ يُجَازَى بِالْقَطْعِ، وَالظَّاهِرُ فِي الْقَطْعِ عَدَمُ السِّرَايَةِ، فَإِنْ اتَّفَقَتْ السِّرَايَةُ، وَإِلَّا تُحَزُّ رَقَبَتُهُ، وَيَكُونُ الْحَزُّ تَتْمِيمًا لِلْفِعْلِ الْأَوَّلِ لَا حَزًّا مُبْتَدَأً.

(وَلَنَا) قَوْلُهُ «لَا قَوَدَ إلَّا بِالسَّيْفِ» وَالْقَوَدُ هُوَ الْقِصَاصُ، وَالْقِصَاصُ هُوَ الِاسْتِيفَاءُ، فَكَانَ هَذَا نَفْيُ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ بِالسَّيْفِ، وَلِأَنَّ الْقَطْعَ إذَا اتَّصَلَتْ بِهِ السِّرَايَةُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ وَقَعَ قَتْلًا مِنْ حِينِ وُجُودِهِ فَلَا يُجَازَى إلَّا بِالْقَتْلِ فَلَوْ قُطِعَ ثُمَّ اُحْتِيجَ إلَى الْحَزِّ كَانَ ذَلِكَ جَمْعًا بَيْنَ الْقَتْلِ وَالْحَزِّ فَلَمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>