الطَّحَاوِيُّ ﵀ مَا يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ فَإِنَّهُ قَالَ: وَيَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يُضَحِّيَ عَنْ أَوْلَادِهِ الصِّغَارِ.
(وَجْهُ) رِوَايَةِ الْوُجُوبِ أَنَّ وَلَدَ الرَّجُلِ جُزْؤُهُ فَإِذَا وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُضَحِّيَ عَنْ نَفْسِهِ فَكَذَا عَنْ وَلَدِهِ؛ وَلِهَذَا وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَ عَنْهُ صَدَقَةَ الْفِطْرِ، وَلِأَنَّ لَهُ عَلَى وَلَدِهِ الصَّغِيرِ وِلَايَةً كَامِلَةً فَيَجِبُ كَصَدَقَةِ الْفِطْرِ؛ بِخِلَافِ الْكَبِيرِ فَإِنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ.
(وَجْهُ) ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْأَصْلَ أَنْ لَا يَجِبَ عَلَى الْإِنْسَانِ شَيْءٌ عَلَى غَيْرِهِ خُصُوصًا فِي الْقُرُبَاتِ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى﴾ [النجم: ٣٩] وَقَوْلِهِ جَلَّ شَأْنُهُ ﴿لَهَا مَا كَسَبَتْ﴾ [البقرة: ٢٨٦] وَلِهَذَا لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ عَنْ عَبْدِهِ وَعَنْ وَلَدِهِ الْكَبِيرِ، إلَّا أَنَّ صَدَقَةَ الْفِطْرِ خُصَّتْ عَنْ النُّصُوصِ فَبَقِيَتْ الْأُضْحِيَّةَ عَلَى عُمُومِهَا وَلِأَنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ هُنَاكَ رَأْسٌ يُمَوِّنُهُ وَيَلِي عَلَيْهِ وَقَدْ وُجِدَ فِي الْوَلَدِ الصَّغِيرِ وَلَيْسَ السَّبَبُ الرَّأْسَ هَهُنَا؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجِبُ بِدُونِهِ وَكَذَا لَا يَجِبُ بِسَبَبِ الْعَبْدِ.
وَأَمَّا الْوُجُوبُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ لِوَلَدِ وَلَدِهِ إذَا كَانَ أَبُوهُ مَيِّتًا فَقَدْ رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀ أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُضَحِّيَ عَنْهُ، قَالَ الْقُدُورِيُّ ﵀: وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ هَذَا عَلَى رِوَايَتَيْنِ كَمَا قَالُوا فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ، وَقَدْ مَرَّ وَجْهُ الرِّوَايَتَيْنِ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ.
وَأَمَّا الْمِصْرُ فَلَيْسَ بِشَرْطِ الْوُجُوبِ فَتَجِبُ عَلَى الْمُقِيمِينَ فِي الْأَمْصَارِ وَالْقُرَى وَالْبَوَادِي؛ لِأَنَّ دَلَائِلَ الْوُجُوبِ لَا تُوجِبُ الْفَصْلَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَصْلٌ فِي وَقْتُ وُجُوبِ الْأُضْحِيَّةِ]
فَصْلٌ وَأَمَّا وَقْتُ الْوُجُوبِ فَأَيَّامُ النَّحْرِ فَلَا تَجِبُ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَاتِ الْمُؤَقَّتَةَ لَا تَجِبُ قَبْلَ أَوْقَاتِهَا كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَنَحْوِهِمَا، وَأَيَّامُ النَّحْرِ ثَلَاثَةٌ: يَوْمُ الْأَضْحَى - وَهُوَ الْيَوْمُ الْعَاشِرُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ - وَالْحَادِيَ عَشَرَ، وَالثَّانِيَ عَشَرَ وَذَلِكَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ الثَّانِي عَشَرَ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: أَيَّامُ النَّحْرِ أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ؛ الْعَاشِرُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَالْحَادِيَ عَشَرَ، وَالثَّانِيَ عَشَرَ، وَالثَّالِثَ عَشَرَ، وَالصَّحِيحُ قَوْلُنَا لِمَا رُوِيَ عَنْ سَيِّدِنَا عُمَرَ وَسَيِّدِنَا عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ سَيِّدِنَا عُمَرَ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أَنَّهُمْ قَالُوا: أَيَّامُ النَّحْرِ ثَلَاثَةٌ أَوَّلُهَا أَفْضَلُهَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ سَمِعُوا ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لِأَنَّ أَوْقَاتَ الْعِبَادَاتِ وَالْقُرُبَاتِ لَا تُعْرَفُ إلَّا بِالسَّمْعِ فَإِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ مِنْ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ فَقَدْ دَخَلَ وَقْتُ الْوُجُوبِ فَتَجِبُ عِنْدَ اسْتِجْمَاعِ شَرَائِطِ الْوُجُوبِ، ثُمَّ لِجَوَازِ الْأَدَاءِ بَعْدَ ذَلِكَ شَرَائِطُ أُخَرُ نَذْكُرُهَا فِي مَوْضِعِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنْ وُجِدَتْ يَجُوزُ وَإِلَّا فَلَا، كَمَا تَجِبُ الصَّلَاةُ بِدُخُولِ وَقْتِهَا ثُمَّ إنْ وُجِدَتْ شَرَائِطُ جَوَازِ أَدَائِهَا جَازَتْ وَإِلَّا فَلَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
[فَصْلٌ فِي أَنْوَاعِ كَيْفِيَّةِ الْوُجُوبِ]
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا كَيْفِيَّةُ الْوُجُوبِ فَأَنْوَاعٌ.
(مِنْهَا) أَنَّهَا تَجِبُ فِي وَقْتِهَا وُجُوبًا مُوَسَّعًا؛ وَمَعْنَاهُ أَنَّهَا تَجِبُ فِي جُمْلَةِ الْوَقْتِ غَيْرَ عَيْنٍ كَوُجُوبِ الصَّلَاةِ فِي وَقْتِهَا فَفِي أَيِّ وَقْتٍ ضَحَّى مَنْ عَلَيْهِ الْوَاجِبُ كَانَ مُؤَدِّيًا لِلْوَاجِبِ سَوَاءٌ كَانَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ أَوْ وَسَطِهِ أَوْ آخِرِهِ كَالصَّلَاةِ، وَالْأَصْلُ أَنَّ مَا وَجَبَ فِي جُزْءٍ مِنْ الْوَقْتِ غَيْرَ عَيْنٍ يَتَعَيَّنُ الْجُزْءُ الَّذِي أَدَّى فِيهِ الْوُجُوبَ أَوْ آخِرِ الْوَقْتِ كَمَا فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْأَقَاوِيلِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ، وَعَلَى هَذَا يُخَرَّجُ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِلْوُجُوبِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ ثُمَّ صَارَ أَهْلًا فِي آخِرِهِ بِأَنْ كَانَ كَافِرًا أَوْ عَبْدًا أَوْ فَقِيرًا أَوْ مُسَافِرًا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ ثُمَّ أَسْلَمَ أَوْ أُعْتِقَ أَوْ أَيْسَرَ أَوْ أَقَامَ فِي آخِرِهِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ أَهْلًا فِي أَوَّلِهِ ثُمَّ لَمْ يَبْقَ أَهْلًا فِي آخِرِهِ بِأَنْ ارْتَدَّ أَوْ أَعْسَرَ أَوْ سَافَرَ فِي آخِرِهِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ، وَلَوْ ضَحَّى فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَهُوَ فَقِيرٌ ثُمَّ أَيْسَرَ فِي آخِر الْوَقْتِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ الْأُضْحِيَّةَ عِنْدَنَا، وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا لَيْسَ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ.
وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَيْسَرَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ تَعَيَّنَ آخِرَ الْوَقْتِ لِلْوُجُوبِ عَلَيْهِ وَتَبَيَّنَ أَنَّ مَا أَدَّاهُ وَهُوَ فَقِيرٌ كَانَ تَطَوُّعًا فَلَا يَنُوبُ عَنْ الْوَاجِبِ، وَمَا رُوِيَ عَنْ الْكَرْخِيِّ ﵀ فِي الصَّلَاةِ الْمُؤَدَّاةِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ أَنَّهَا نَفْلٌ مَانِعٌ مِنْ الْوُجُوبِ فِي آخِرِ الْوَقْتِ فَاسِدٌ عُرِفَ فَسَادُهُ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ.
وَلَوْ كَانَ مُوسِرًا فِي جَمِيعِ الْوَقْتِ فَلَمْ يُضَحِّ حَتَّى مَضَى الْوَقْتُ ثُمَّ صَارَ فَقِيرًا صَارَ قِيمَةُ شَاةٍ صَالِحَةٍ لِلْأُضْحِيَّةِ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ يَتَصَدَّقُ بِهَا مَتَى وَجَدَهَا؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ قَدْ تَأَكَّدَ عَلَيْهِ بِآخِرِ الْوَقْتِ فَلَا يَسْقُطُ بِفَقْرِهِ بَعْدَ ذَلِكَ؛ كَالْمُقِيمِ إذَا مَضَى عَلَيْهِ وَقْتُ الصَّلَاةِ وَلَمْ يُصَلِّ حَتَّى سَافَرَ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ شَطْرُ الصَّلَاةِ؛ وَكَالْمَرْأَةِ إذَا مَضَى عَلَيْهَا وَقْتُ الصَّلَاةِ وَهِيَ طَاهِرَةٌ ثُمَّ حَاضَتْ لَا يَسْقُطُ عَنْهَا فَرْضُ الْوَقْتِ حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهَا الْقَضَاءُ إذَا طَهُرَتْ مِنْ حَيْضِهَا، كَذَا هَهُنَا وَلَوْ مَاتَ الْمُوسِرُ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ قَبْلَ أَنْ يُضَحِّيَ سَقَطَتْ عَنْهُ الْأُضْحِيَّةُ وَفِي الْحَقِيقَةِ لَمْ تَجِبْ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْوُجُوبَ عِنْدَ الْأَدَاءِ أَوْ فِي آخِرِ الْوَقْتِ فَإِذَا مَاتَ قَبْلَ الْأَدَاءِ مَاتَ قَبْلَ أَنْ تَجِبَ عَلَيْهِ؛ كَمَنْ مَاتَ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ قَبْلَ أَنْ