للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُصَلِّيَهَا أَنَّهُ مَاتَ وَلَا صَلَاةَ عَلَيْهِ، كَذَا هَهُنَا.

وَعَلَى هَذَا تُخْرِجُ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الرَّجُلَ الْمُوسِرَ إذَا وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ فِي آخِرِ أَيَّامِ النَّحْرِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَذْبَحَ عَنْهُ، وَهِيَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ اللَّتَيْنِ ذَكَرْنَاهُمَا أَنَّهُ كَمَا يَجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ إذَا كَانَ مُوسِرًا أَنْ يَذْبَحَ عَنْ نَفْسِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَذْبَحَ عَنْ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ؛ لِأَنَّهُ وُلِدَ وَقْتَ تَأَكُّدِ الْوُجُوبِ بِخِلَافِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ أَنَّهُ إذَا وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ أَنَّهُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ صَدَقَةُ فِطْرِهِ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ هُنَاكَ تَعَلَّقَ بِأَوَّلِ الْيَوْمِ فَلَا يَجِبُ بَعْدَ مُضِيِّ جُزْءٍ مِنْهُ وَهَهُنَا بِخِلَافِهِ.

وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ مَا إذَا اشْتَرَى شَاةً لِلْأُضْحِيَّةِ وَهُوَ مُوسِرٌ، ثُمَّ إنَّهَا مَاتَتْ أَوْ سُرِقَتْ أَوْ ضَلَّتْ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُضَحِّيَ بِشَاةٍ أُخْرَى؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ فِي جُمْلَةِ الْوَقْتِ وَالْمُشْتَرَى لَمْ يَتَعَيَّنْ لِلْوُجُوبِ وَالْوَقْتُ بَاقٍ - وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْوُجُوبِ - فَيَجِبُ إلَّا إذَا كَانَ عَيَّنَهَا بِالنَّذْرِ بِأَنْ قَالَ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَيَّ أَنْ أُضَحِّيَ بِهَذِهِ الشَّاةِ - وَهُوَ مُوسِرٌ أَوْ مُعْسِرٌ - فَهَلَكَتْ أَوْ ضَاعَتْ أَنَّهُ تَسْقُطُ عَنْهُ التَّضْحِيَةُ بِسَبَبِ النَّذْرِ؛ لِأَنَّ الْمَنْذُورَ بِهِ مُعَيَّنٌ لِإِقَامَةِ الْوَاجِبِ فَيَسْقُطُ الْوَاجِبُ بِهَلَاكِهِ؛ كَالزَّكَاةِ تَسْقُطُ بِهَلَاكِ النِّصَابِ عِنْدَنَا غَيْرَ أَنَّهُ إنْ كَانَ النَّاذِرُ مُوسِرًا تَلْزَمُهُ شَاةٌ أُخْرَى بِإِيجَابِ الشَّرْعِ ابْتِدَاءً لَا بِالنَّذْرِ وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَاشْتَرَى شَاةً لِلْأُضْحِيَّةِ فَهَلَكَتْ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ أَوْ ضَاعَتْ سَقَطَتْ عَنْهُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ آخَرُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الشِّرَاءَ مِنْ الْفَقِيرِ لِلْأُضْحِيَّةِ بِمَنْزِلَةِ النَّذْرِ فَإِذَا هَلَكَتْ فَقَدْ هَلَكَ مَحَلُّ إقَامَةِ الْوَاجِبِ فَيَسْقُطُ عَنْهُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ آخَرُ بِإِيجَابِ الشَّرْعِ ابْتِدَاءً لِفَقْدِ شَرْطِ الْوُجُوبِ وَهُوَ الْيَسَارُ.

وَلَوْ اشْتَرَى الْمُوسِرُ شَاةً لِلْأُضْحِيَّةِ فَضَلَّتْ فَاشْتَرَى شَاةً أُخْرَى لِيُضَحِّيَ بِهَا ثُمَّ وَجَدَ الْأُولَى فِي الْوَقْتِ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُضَحِّيَ بِهِمَا؛ فَإِنْ ضَحَّى بِالْأُولَى أَجْزَأهُ وَلَا تَلْزَمُهُ التَّضْحِيَةُ بِالْأُخْرَى وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ غَيْرُ ذَلِكَ؛ سَوَاءٌ كَانَتْ قِيمَةُ الْأُولَى أَكْثَرَ مِنْ الثَّانِيَةِ أَوْ أَقَلَّ، وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رُوِيَ عَنْ سَيِّدَتِنَا عَائِشَةَ أَنَّهَا سَاقَتْ هَدْيًا فَضَاعَ فَاشْتَرَتْ مَكَانَهُ آخَرَ ثُمَّ وَجَدَتْ الْأَوَّلَ فَنَحَرَتْهُمَا ثُمَّ قَالَتْ: " الْأَوَّلُ كَانَ يُجْزِئُ عَنِّي " فَثَبَتَ الْجَوَاز بِقَوْلِهَا وَالْفَضِيلَةُ بِفِعْلِهَا .

وَلِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي ذِمَّتِهِ لَيْسَ إلَّا التَّضْحِيَةُ بِشَاةٍ وَاحِدَةٍ وَقَدْ ضَحَّى، وَإِنْ ضَحَّى بِالثَّانِيَةِ أَجْزَأَهُ وَسَقَطَتْ عَنْهُ الْأُضْحِيَّةُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُضَحِّيَ بِالْأُولَى؛ لِأَنَّ التَّضْحِيَةَ بِهَا لَمْ تَجِبْ بِالشِّرَاءِ بَلْ كَانَتْ الْأُضْحِيَّةُ وَاجِبَةً فِي ذِمَّتِهِ بِمُطْلَقِ الشَّاةِ فَإِذَا ضَحَّى بِالثَّانِيَةِ فَقَدْ أَدَّى الْوَاجِبَ بِهَا، بِخِلَافِ الْمُتَنَفِّلِ بِالْأُضْحِيَّةِ إذَا ضَحَّى بِالثَّانِيَةِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ التَّضْحِيَةُ بِالْأُولَى أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا اشْتَرَاهَا لِلْأُضْحِيَّةِ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّضْحِيَةُ بِالْأُولَى أَيْضًا بِعَيْنِهَا فَلَا يَسْقُطُ بِالثَّانِيَةِ بِخِلَافِ الْمُوسِرِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّضْحِيَةُ بِالشَّاةِ الْمُشْتَرَاةِ بِعَيْنِهَا وَإِنَّمَا الْوَاجِبُ فِي ذِمَّتِهِ - وَقَدْ أَدَّاهُ بِالثَّانِيَةِ - فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ التَّضْحِيَةُ بِالْأُولَى.

وَسَوَاءٌ كَانَتْ الثَّانِيَةُ مِثْلَ الْأُولَى فِي الْقِيمَةِ أَوْ فَوْقَهَا أَوْ دُونَهَا لِمَا قُلْنَا، غَيْرَ أَنَّهَا إنْ كَانَتْ دُونَهَا فِي الْقِيمَةِ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِفَضْلِ مَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ بَقِيَتْ لَهُ هَذِهِ الزِّيَادَةُ سَالِمَةً مِنْ الْأُضْحِيَّةَ فَصَارَ كَاللَّبَنِ وَنَحْوِهِ وَلَوْ لَمْ يَتَصَدَّقْ بِشَيْءٍ وَلَكِنَّهُ ضَحَّى بِالْأُولَى أَيْضًا - وَهُوَ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ - أَجْزَأَهُ وَسَقَطَتْ عَنْهُ الصَّدَقَةُ؛ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ إنَّمَا تَجِب خَلَفًا عَنْ فَوَاتِ شَيْءٍ مِنْ شَاةِ الْأُضْحِيَّةَ فَإِذَا أَدَّى الْأَصْلَ فِي وَقْتِهِ سَقَطَ عَنْهُ الْخَلَفُ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فَإِنَّهُ لَا تُجْزِيهِ التَّضْحِيَةُ إلَّا بِالْأُولَى؛ لِأَنَّهُ يَجْعَلُ الْأُضْحِيَّةَ كَالْوَقْفِ وَلَوْ لَمْ يَذْبَحْ الثَّانِيَةَ حَتَّى مَضَتْ أَيَّامُ النَّحْرِ ثُمَّ وَجَدَ الْأُولَى ذَكَرَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ فِي الْأَضَاحِيّ أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِأَفْضَلِهِمَا وَلَا يَذْبَحَ وَذَكَرَ فِيهَا أَنَّهُ قَوْلُ زُفَرَ وَأَبِي يُوسُفَ وَالْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ فِي آخِرِ الْوَقْتِ إلَّا التَّضْحِيَةُ بِشَاةٍ، فَإِذَا خَرَجَ الْوَقْتُ تَحَوَّلَ الْوَاجِبُ مِنْ الْإِرَاقَةِ إلَى التَّصَدُّقِ بِالْعَيْنِ.

وَلَوْ اشْتَرَى شَاةً لِلْأُضْحِيَّةِ وَهُوَ مُعْسِرٌ أَوْ كَانَ مُوسِرًا فَانْتَقَصَ نِصَابُهُ بِشِرَاءِ الشَّاةِ ثُمَّ ضَلَّتْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ آخَرُ؛ أَمَّا الْمُوسِرُ فَلِفَوَاتِ شَرْطِ الْوُجُوبِ وَقْتَ الْوُجُوبِ وَأَمَّا الْمُعْسِرُ فَلِهَلَاكِ مَحَلِّ إقَامَةِ الْوَاجِبِ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ آخَرُ.

(وَمِنْهَا) أَنْ لَا يَقُومَ غَيْرُهَا مَقَامَهَا حَتَّى لَوْ تَصَدَّقَ بِعَيْنِ الشَّاةِ أَوْ قِيمَتِهَا فِي الْوَقْتِ لَا يَجْزِيهِ عَنْ الْأُضْحِيَّةَ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ تَعَلَّقَ بِالْإِرَاقَةِ وَالْأَصْلُ أَنَّ الْوُجُوبَ إذَا تَعَلَّقَ بِفِعْلٍ مُعَيَّنٍ أَنَّهُ لَا يَقُومُ غَيْرُهُ مَقَامَهُ كَمَا فِي الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَغَيْرِهِمَا، بِخِلَافِ الزَّكَاةِ فَإِنَّ الْوَاجِبَ أَدَاءُ جُزْءٍ مِنْ النِّصَابِ، وَلَوْ أَدَّى مِنْ مَالِ آخَرَ جَازَ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ هُنَاكَ لَيْسَ جُزْءًا مِنْ النِّصَابِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا، بَلْ الْوَاجِبُ مُطْلَقُ الْمَالِ وَقَدْ أُدِّيَ، وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ وَإِنْ كَانَ الْوَاجِبُ أَدَاءَ جُزْءٍ مِنْ النِّصَابِ لَكِنْ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَالٌ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ جُزْءٌ مِنْ النِّصَابِ؛ لِأَنَّ مَبْنَى وُجُوبِ

<<  <  ج: ص:  >  >>