للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَنَا عُمُومَاتُ النِّكَاحِ نَحْوُ قَوْلِهِ ﷿: ﴿وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ﴾ [النساء: ٢٤] وَقَوْلِهِ ﷿: ﴿فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ﴾ [النساء: ٢٥] وَقَوْلِهِ ﷿: ﴿فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ﴾ [النساء: ٣] وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ الْأَمَةِ الْمُؤْمِنَةِ وَالْأَمَةِ الْكَافِرَةِ الْكِتَابِيَّةِ إلَّا مَا خُصَّ بِدَلِيلٍ.

وَأَمَّا الْآيَةُ فَهِيَ فِي غَيْرِ الْكِتَابِيَّاتِ مِنْ الْمُشْرِكَاتِ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ، وَإِنْ كَانُوا مُشْرِكِينَ عَلَى الْحَقِيقَةِ لَكِنْ هَذَا الِاسْمُ فِي مُتَعَارَفِ النَّاسِ يُطْلَقُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ﴾ [البقرة: ١٠٥] .

وَقَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ﴾ [البينة: ٦] فَصَلَ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ فِي الِاسْمِ عَلَى أَنَّ الْكِتَابِيَّاتِ، وَإِنْ دَخَلْنَ تَحْتَ عُمُومِ اسْمِ الْمُشْرِكَاتِ بِحُكْمِ ظَاهِرِ اللَّفْظِ لَكِنَّهُنَّ خُصِّصْنَ عَنْ الْعُمُومِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ [المائدة: ٥] وَأَمَّا الْكِتَابِيَّاتُ إذَا كُنَّ عَفَائِفَ يَسْتَحْقِقْنَ هَذَا الِاسْمَ؛ لِأَنَّ الْإِحْصَانَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ عِبَارَةٌ عَنْ الْمَنْعِ، وَمَعْنَى الْمَنْعِ يَحْصُلُ بِالْعِفَّةِ وَالصَّلَاحِ كَمَا يَحْصُلُ بِالْحُرِّيَّةِ وَالْإِسْلَامِ وَالنِّكَاحِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَانِعُ الْمَرْأَةِ عَنْ ارْتِكَابِ الْفَاحِشَةِ، فَيَتَنَاوَلُهُنَّ عُمُومُ اسْمِ الْمُحْصَنَاتِ، وَقَوْلُهُ: (الْأَصْلُ فِي نِكَاحِ الْإِمَاءِ الْفَسَادُ) مَمْنُوعٌ بَلْ الْأَصْلُ فِي النِّكَاحِ هُوَ الْجَوَازُ حُرَّةً كَانَتْ الْمَنْكُوحَةُ أَوْ أَمَةً مُسْلِمَةً أَوْ كِتَابِيَّةً لِمَا مَرَّ أَنَّ النِّكَاحَ عَقْدُ مَصْلَحَةٍ، وَالْأَصْلُ فِي الْمَصَالِحِ إطْلَاقُ الِاسْتِيفَاءِ، وَالْمَنْعُ عَنْهُ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ عَلَى مَا عُرِفَ، وَلَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ نِكَاحُ الْمَجُوسِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْمَجُوسَ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ قَالَ اللَّهُ : ﴿وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ﴾ [الأنعام: ٩٢] إلَى قَوْلِهِ: ﴿أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا﴾ [الأنعام: ١٥٦] مَعْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، أَيْ: أُنْزِلَتْ عَلَيْكُمْ لِئَلَّا تَقُولُوا إنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا.

وَلَوْ كَانَ الْمَجُوسُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَكَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ ثَلَاثَ طَوَائِفَ فَيُؤَدِّي إلَى الْخُلْفِ فِي خَبَرِهِ ﷿، وَذَلِكَ مُحَالٌ عَلَى أَنَّ هَذَا لَوْ كَانَ حِكَايَةً عَنْ قَوْلِ الْمُشْرِكِينَ لَكَانَ دَلِيلًا عَلَى مَا قُلْنَا؛ لِأَنَّهُ حَكَى عَنْهُمْ الْقَوْلَ وَلَمْ يَعْقُبْهُ بِالْإِنْكَارِ عَلَيْهِمْ وَالتَّكْذِيبِ إيَّاهُمْ، وَالْحَكِيمُ إذَا حَكَى عَنْ مُنْكَرٍ غَيَّرَهُ، وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ: «سُنُّوا بِالْمَجُوسِ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ غَيْرَ أَنَّكُمْ لَيْسُوا نَاكِحِي نِسَائِهِمْ وَلَا آكِلِي ذَبَائِحِهِمْ» وَدَلَّ قَوْلُهُ " سُنُّوا بِالْمَجُوسِ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ " عَلَى أَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا يَحِلُّ وَطْؤُهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ أَيْضًا، وَالْأَصْلُ أَنْ لَا يَحِلَّ وَطْءُ كَافِرَةٍ بِنِكَاحٍ وَلَا بِمِلْكِ يَمِينٍ إلَّا الْكِتَابِيَّةَ خَاصَّةً؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ﴾ [البقرة: ٢٢١] وَاسْمُ النِّكَاحِ يَقَعُ عَلَى الْعَقْدِ وَالْوَطْءِ جَمِيعًا فَيُحَرَّمَانِ جَمِيعًا وَمَنْ كَانَ أَحَدُ أَبَوَيْهِ كِتَابِيًّا وَالْآخَرُ مَجُوسِيًّا كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ أَهْلِ الْكِتَابِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ أَحَدُ أَبَوَيْهِ مُسْلِمًا يُعْطَى لَهُ حُكْمُ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى، فَكَذَا إذَا كَانَ كِتَابِيًّا يُعْطَى لَهُ حُكْمُ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَلِأَنَّ الْكِتَابِيَّ لَهُ بَعْضُ أَحْكَامِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ - وَهُوَ الْمُنَاكَحَةُ - وَجَوَازُ الذَّبِيحَةِ - وَالْإِسْلَامُ يَعْلُو بِنَفْسِهِ وَبِأَحْكَامِهِ، وَلِأَنَّ رَجَاءَهُ الْإِسْلَامَ مِنْ الْكِتَابِيِّ أَكْثَرُ، فَكَانَ أَوْلَى بِالِاسْتِتْبَاعِ.

وَأَمَّا الصَّابِئَاتُ فَقَدْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ نِكَاحُهُنَّ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: لَا يَجُوزُ، وَقِيلَ: لَيْسَ هَذَا بِاخْتِلَافٍ فِي الْحَقِيقَةِ، وَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ لِاشْتِبَاهِ مَذْهَبِهِمْ، فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ هُمْ قَوْمٌ يُؤْمِنُونَ بِكِتَابٍ فَإِنَّهُمْ يَقْرَءُونَ الزَّبُورَ وَلَا يَعْبُدُونَ الْكَوَاكِبَ وَلَكِنْ يُعَظِّمُونَهَا كَتَعْظِيمِ الْمُسْلِمِينَ الْكَعْبَةَ فِي الِاسْتِقْبَالِ إلَيْهَا إلَّا أَنَّهُمْ يُخَالِفُونَ غَيْرَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي بَعْضِ دِيَانَاتِهِمْ وَذَا لَا يَمْنَعُ الْمُنَاكَحَةَ كَالْيَهُودِ مَعَ النَّصَارَى، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّهُمْ قَوْمٌ يَعْبُدُونَ الْكَوَاكِبَ، وَعَابِدُ الْكَوَاكِبِ كَعَابِدِ الْوَثَنِ فَلَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِينَ مُنَاكَحَاتُهُمْ.

[فَصْلٌ إسْلَامُ الرَّجُلِ إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ مُسْلِمَةً]

(فَصْلٌ) :

وَمِنْهَا إسْلَامُ الرَّجُلِ إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ مُسْلِمَةً فَلَا يَجُوزُ إنْكَاحُ الْمُؤْمِنَةِ الْكَافِرَ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا﴾ [البقرة: ٢٢١] وَلِأَنَّ فِي إنْكَاحِ الْمُؤْمِنَةِ الْكَافِرَ خَوْفَ وُقُوعِ الْمُؤْمِنَةِ فِي الْكُفْرِ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ يَدْعُوهَا إلَى دِينِهِ، وَالنِّسَاءُ فِي الْعَادَاتِ يَتْبَعْنَ الرِّجَالَ فِيمَا يُؤْثِرُونَ مِنْ الْأَفْعَالِ وَيُقَلِّدُونَهُمْ فِي الدِّينِ إلَيْهِ وَقَعَتْ الْإِشَارَةُ فِي آخِرِ الْآيَةِ بِقَوْلِهِ ﷿: ﴿أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ﴾ [البقرة: ٢٢١] لِأَنَّهُمْ يَدْعُونَ الْمُؤْمِنَاتِ إلَى الْكُفْرِ، وَالدُّعَاءُ إلَى الْكُفْرِ دُعَاءٌ إلَى النَّارِ؛ لِأَنَّ الْكُفْرَ يُوجِبُ النَّارَ، فَكَانَ نِكَاحُ الْكَافِرِ الْمُسْلِمَةَ سَبَبًا دَاعِيًا إلَى الْحَرَامِ فَكَانَ حَرَامًا، وَالنَّصُّ وَإِنْ وَرَدَ

<<  <  ج: ص:  >  >>