أَحَدَهُمَا وَبَيَّنَ الْآخَرَ فَإِنْ جَمَعَ بَيْنَ عَدَدَيْنِ مُجْمَلَيْنِ بِأَنْ قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ كَذَا كَذَا دِرْهَمًا، لَا يُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ عَدَدَيْنِ مُبْهَمَيْنِ وَجَعَلَهُمَا اسْمًا وَاحِدًا مِنْ غَيْرِ حَرْفِ الْجَمْعِ وَذَلِكَ يَحْتَمِلُ أَحَدَ عَشَرَ وَاثْنَيْ عَشَرَ هَكَذَا إلَى تِسْعَةَ عَشَرَ إلَّا أَنَّ أَقَلَّ عَدَدٍ يُعَبَّرُ عَنْهُ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ أَحَدَ عَشَرَ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ مُتَيَقَّنًا بِهِ وَيَلْزَمُهُ أَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا لِأَنَّهُ فَسَّرَ هَذَا الْعَدَدَ بِالدَّرَاهِمِ لَا بِغَيْرِهَا وَلَوْ قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ كَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا لَا يُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ إحْدَى وَعِشْرِينَ دِرْهَمًا لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ عَدَدَيْنِ مُبْهَمَيْنِ بِحَرْفِ الْجَمْعِ وَجَعَلَهُمَا اسْمًا وَاحِدًا، وَأَقَلُّ ذَلِكَ إحْدَى وَعِشْرُونَ وَأَمَّا إذَا أَجْمَلَ أَحَدَهُمَا وَبَيَّنَ الْآخَرَ فَنَحْوُ أَنْ يَقُولَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَنَيِّفٌ فَعَلَيْهِ عَشَرَةٌ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي النَّيِّفِ مِنْ دِرْهَمٍ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ مُطْلَقِ الزِّيَادَةِ وَلَوْ قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ بِضْعٌ وَخَمْسُونَ دِرْهَمًا لَا يُصَدَّقُ فِي بَيَانِ الْبِضْعِ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ؛ لِأَنَّ الْبِضْعَ فِي اللُّغَةِ اسْمٌ لِقِطْعَةٍ مِنْ الْعَدَدِ، وَفِي عُرْفِ اللُّغَةِ يُسْتَعْمَلُ فِي الثَّلَاثَةِ إلَى التِّسْعَةِ فَيُحْمَلُ عَلَى أَقَلِّ الْمُتَعَارَفِ لِأَنَّهُ مُتَيَقَّنٌ بِهِ وَلَوْ قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَدَانِقٌ أَوْ قِيرَاطًا فَالدَّانِقُ وَالْقِيرَاطُ مِنْ الدَّرَاهِمِ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ جُزْءٍ مِنْ الدَّرَاهِمِ كَأَنَّهُ قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ عَشَرَةٌ وَسُدُسٌ وَلَوْ قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ مِائَةٌ وَدِرْهَمٌ فَالْمِائَةُ دَرَاهِمُ وَلَوْ قَالَ: مِائَةٌ وَدِينَارٌ فَالْمِائَةُ دَنَانِيرُ وَيَكُونُ الْمَعْطُوفُ عَلَيْهِ مِنْ جِنْسِ الْمَعْطُوفِ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَلْزَمَهُ دِرْهَمٌ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي الْمِائَةِ.
(وَجْهُ) الْقِيَاسِ أَنَّهُ أَبْهَمَ الْمِائَةَ وَعَطَفَ الدِّرْهَمَ عَلَيْهَا فَيُعْتَبَرُ تَصَرُّفُهُ عَلَى حَسَبِ مَا أَوْقَعَهُ فَيَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ وَالْقَوْلُ فِي الْمُبْهَمِ قَوْلُهُ (وَجْهُ) الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ قَوْلَهُ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ مِائَةٌ وَدِرْهَمٌ أَيْ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَدِرْهَمٌ، هَذَا مَعْنَى هَذَا فِي عُرْفِ النَّاسِ، إلَّا أَنَّهُ حَذَفَ الدِّرْهَمَ طَلَبًا لِلِاخْتِصَارِ عَلَى مَا عَلَيْهِ عَادَةُ الْعَرَبِ مِنْ الْإِضْمَارِ وَالْحَذْفِ فِي الْكَلَامِ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ مِائَةٌ وَشَاةٌ فَالْمِائَةُ مِنْ الشِّيَاهِ عَلَيْهِ النَّاسِ وَلَوْ قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ مِائَةٌ وَثَوْبٌ فَعَلَيْهِ ثَوْبٌ، وَالْقَوْلُ فِي الْمِائَةِ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يُسْتَعْمَلُ فِي بَيَانِ كَوْنِ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ مِنْ جِنْسِ الْمَعْطُوفِ فَبَقِيَتْ الْمِائَةُ مُجْمَلَةً فَكَانَ الْبَيَانُ فِيمَا أَجْمَلَ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ: مِائَةٌ وَثَوْبَانِ وَلَوْ قَالَ: مِائَةٌ وَثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ فَالْكُلُّ ثِيَابٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ مِائَةٌ وَثَلَاثَةٌ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُجْمَلٌ، وَقَوْلُهُ أَثْوَابٌ يَصْلُحُ تَفْسِيرًا لَهُمَا فَجُعِلَ تَفْسِيرًا لَهُمَا وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ ﵀ فِيمَنْ قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ عَشَرَةٌ وَعَبْدٌ أَنَّ عَلَيْهِ عَبْدًا، وَالْبَيَانُ فِي الْعَشَرَةِ إلَيْهِ، وَاَللَّهُ ﷾ أَعْلَمُ وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ عَشَرَةٌ وَوَصِيفَةٌ أَنَّ عَلَيْهِ وَصِيفَةً، وَالْبَيَانُ فِي الْعَشَرَةِ إلَيْهِ وَلَوْ أَقَرَّ لِرَجُلٍ بِأَلْفٍ فِي مَجْلِسٍ ثُمَّ أَقَرَّ لَهُ بِأَلْفٍ أُخْرَى نُظِرَ فِي ذَلِكَ: فَإِنْ أَقَرَّ لَهُ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ فَعَلَيْهِ أَلْفَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ عَلَيْهِ أَلْفٌ وَاحِدَةٌ، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ﵁ أَيْضًا.
وَإِنْ أَقَرَّ لَهُ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ فَعِنْدَهُمَا لَا يُشْكِلُ أَنَّ عَلَيْهِ أَلْفًا وَاحِدًا وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ذُكِرَ عَنْ الْكَرْخِيُّ أَنَّ عَلَيْهِ أَلْفَيْنِ وَذُكِرَ عَنْ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ عَلَيْهِ أَلْفًا وَاحِدًا وَهُوَ الصَّحِيحُ (وَجْهُ) قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّ الْعَادَةَ بَيْنَ النَّاسِ بِتَكْرَارِ الْإِقْرَارِ بِمَالٍ وَاحِدٍ فِي مَجْلِسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ لِتَكْثِيرِ الشُّهُودِ كَمَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِذَلِكَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ لِيَفْهَمَ الشُّهُودُ فَلَا يُحْمَلُ عَلَى إنْشَاءِ الْإِقْرَارِ مَعَ الشَّكِّ (وَجْهُ) قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْأَلْفَ الْمَذْكُورَ فِي الْإِقْرَارِ الثَّانِي غَيْرُ الْأَلْفِ الْمَذْكُورِ فِي الْإِقْرَارِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ ذَكَرَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَلْفَيْنِ مُنَكَّرًا، وَالْأَصْلُ أَنَّ النَّكِرَةَ إذَا كُرِّرَتْ يُرَادُ بِالثَّانِي غَيْرُ الْأَوَّلِ قَالَ اللَّهُ ﵎ ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾ [الشرح: ٥] ﴿إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾ [الشرح: ٦] حَتَّى قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ﵁ لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ إلَّا أَنَّا تَرَكْنَا هَذَا الْأَصْلَ فِي الْمَجْلِسِ الْوَاحِدِ لِلْعَادَةِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
[فَصْلٌ فِي شَرَائِطُ رُكْن الْإِقْرَار]
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا شَرَائِطُ الرُّكْنِ فَأَنْوَاعٌ لَكِنَّ بَعْضَهَا يَعُمُّ الْأَقَارِيرَ كُلَّهَا وَبَعْضُهَا يَخُصُّ الْبَعْضَ دُونَ الْبَعْضِ، أَمَّا الشَّرَائِطُ الْعَامَّةُ فَأَنْوَاعٌ: مِنْهَا الْعَقْلُ فَلَا يَصِحُّ إقْرَارُ الْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ فَأَمَّا الْبُلُوغُ فَلَيْسَ بِشَرْطٍ فَيَصِحُّ إقْرَارُ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ بِالدَّيْنِ وَالْعَيْنِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ ضَرُورَاتِ التِّجَارَةِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ الْمَأْذُونِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إقْرَارُ الْمَحْجُورِ لِأَنَّهُ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الضَّارَّةِ الْمَحْضَةِ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ، وَالْقَبُولُ مِنْ الْمَأْذُونِ لِلضَّرُورَةِ وَلَمْ يُوجَدْ.
وَأَمَّا الْحُرِّيَّةُ فَلَيْسَتْ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ الْإِقْرَارِ فَيَصِحُّ إقْرَارُ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ بِالدَّيْنِ وَالْعَيْنِ لِمَا بَيَّنَّا فِي كِتَابِ الْمَأْذُونِ، وَكَذَا بِالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ، وَكَذَا الْعَبْدُ الْمَحْجُورُ يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِالْمَالِ لَكِنْ لَا يَنْفُذُ عَلَى الْمَوْلَى لِلْحَالِ حَتَّى لَا تُبَاعَ رَقَبَتُهُ بِالدَّيْنِ بِخِلَافِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute