وَمِلْحَفَةٌ وَسَرَاوِيلُ - أَيْضًا فِي عُرْفِ دِيَارِنَا - عَلَى قَدْرِ حَالِهِ مِنْ الْخَشِنِ وَاللَّيِّنِ وَالْوَسَطِ، وَالْخَشِنُ إذَا كَانَ مِنْ الْفُقَرَاءِ وَاللَّيِّنُ إذَا كَانَ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ وَالْوَسَطُ إذَا كَانَ مِنْ الْأَوْسَاطِ وَذَلِكَ كُلُّهُ مِنْ الْقُطْنِ أَوْ الْكَتَّانِ عَلَى حَسَبِ عَادَاتِ الْبُلْدَانِ إلَّا الْخِمَارُ فَإِنَّهُ يُفْرَضُ عَلَى الْغَنِيِّ خِمَارٌ حَرِيرٌ فِي الشِّتَاءِ يُزَادُ عَلَى ذَلِكَ حَشْوِيًّا وَفَرْوَةً بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الْبِلَادِ فِي الْحَرِّ وَالْبَرْدِ.
وَأَمَّا نَفَقَةُ الْخَادِمِ فَقَدْ قِيلَ: إنَّ الزَّوْجَ الْمُوسِرَ يَلْزَمُهُ نَفَقَةُ الْخَادِمِ كَمَا يَلْزَمُ الْمُعْسِرَ نَفَقَةُ امْرَأَتِهِ وَهُوَ أَدْنَى الْكِفَايَةِ وَكَذَا الْكِسْوَةُ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فَقَالَتْ الْمَرْأَةُ: إنَّهُ مُوسِرٌ وَعَلَيْهِ نَفَقَةُ الْمُوسِرِينَ، وَقَالَ الزَّوْجُ: إنِّي مُعْسِرٌ وَعَلَيَّ نَفَقَةُ الْمُعْسِرِينَ وَالْقَاضِي لَا يَعْلَمُ بِحَالِهِ ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الزَّوْجِ مَعَ يَمِينِهِ وَكَذَا ذَكَرَ الْقَاضِي وَالْخَصَّافُ، وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الزِّيَادَاتِ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمَرْأَةِ مَعَ يَمِينِهَا وَأَصْلُ هَذَا أَنَّهُ مَتَى وَقَعَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ الطَّالِبِ وَبَيْنَ الْمَطْلُوبِ فِي يَسَارِ الْمَطْلُوبِ وَإِعْسَارِهِ فِي سَائِرِ الدُّيُونِ فَالْمَشَايِخُ اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ الْقَوْلَ قَوْلَ الْمَطْلُوبِ مُطْلَقًا وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ الْقَوْلَ قَوْلَ الطَّالِبِ مُطْلَقًا وَمِنْهُمْ مَنْ حَكَّمَ فِيهِ رَأْيَ الْمَطْلُوبِ وَمُحَمَّدٌ فَصَلَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ فَجَعَلَ الْقَوْلَ قَوْلَ الطَّالِبِ فِي الْبَعْضِ وَقَوْلَ الْمَطْلُوبِ فِي الْبَعْضِ، وَذَكَرَ فِي الْفَصْلِ أَصْلًا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ فِي النَّفَقَةِ قَوْلَ الْمَرْأَةِ وَكَذَا فَصَلَ الْخَصَّافُ لَكِنَّهُ ذَكَرَ أَصْلًا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ فِي النَّفَقَةِ قَوْلَ الزَّوْجِ.
وَبَيَانُ الْأَصْلَيْنِ وَذِكْرُ الْحُجَجِ يَأْتِي فِي كِتَابِ الْحَبْسِ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - فَإِنْ أَقَامَتْ الْمَرْأَةُ الْبَيِّنَةَ عَلَى يَسَارِهِ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهَا وَإِنْ أَقَامَا جَمِيعًا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَتُهَا؛ لِأَنَّهَا مُثْبِتَةٌ وَبَيِّنَةُ الزَّوْجِ لَا تُثْبِتُ شَيْئًا، وَلَوْ فَرَضَ الْقَاضِي لَهَا نَفَقَةَ شَهْرٍ وَهُوَ مُعْسِرٌ ثُمَّ أَيْسَرَ قَبْلَ تَمَامِ الشَّهْرِ يَزِيدُهَا فِي الْفَرْضِ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ وَكَذَلِكَ لَوْ فَرَضَ لَهَا فَرِيضَةً لِلْوَقْتِ وَالسِّعْرُ رَخِيصٌ ثُمَّ غَلَا فَلَمْ يَكْفِهَا مَا فَرَضَ لَهَا فَإِنَّهُ يَزِيدُهَا فِي الْفَرْضِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ كِفَايَةُ الْوَقْتِ وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ السِّعْرِ، وَلَوْ فَرَضَ لَهَا نَفَقَةَ شَهْرٍ فَدَفَعَهَا الزَّوْجُ إلَيْهَا ثُمَّ ضَاعَتْ قَبْلَ تَمَامِ الشَّهْرِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ نَفَقَةٌ أُخْرَى حَتَّى يَمْضِيَ الشَّهْرُ وَكَذَا إذَا كَسَاهَا الزَّوْجُ فَضَاعَتْ الْكِسْوَةُ قَبْلَ تَمَامِ الْمُدَّةِ فَلَا كِسْوَةَ لَهَا عَلَيْهِ حَتَّى تَمْضِيَ الْمُدَّةُ الَّتِي أَخَذَتْ لَهَا الْكِسْوَةَ بِخِلَافِ نَفَقَةِ الْأَقَارِبِ فَإِنَّ هُنَاكَ يُجْبَرُ عَلَى نَفَقَةٍ أُخْرَى وَكِسْوَةٍ أُخْرَى لِتَمَامِ الْمُدَّةِ الَّتِي أَخَذَ لَهَا الْكِسْوَةَ إذَا حَلَفَ أَنَّهَا ضَاعَتْ، وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ تِلْكَ النَّفَقَةَ تَجِبُ لِلْحَاجَةِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَا تَجِبُ إلَّا لِلْمُحْتَاجِ وَقَدْ تَحَقَّقَتْ الْحَاجَةُ إلَى نَفَقَةٍ أُخْرَى وَكِسْوَةٍ أُخْرَى وَوُجُوبُ هَذِهِ النَّفَقَةِ لَيْسَ مَعْلُولًا بِالْحَاجَةِ بِدَلِيلِ أَنَّهَا تَجِبُ لِلْمُوسِرَةِ إلَّا أَنَّ لَهَا شَبَهًا بِالْأَعْوَاضِ وَقَدْ جُعِلَتْ عِوَضًا عَنْ الِاحْتِبَاسِ فِي جَمِيعِ الشَّهْرِ فَلَا يَلْزَمُهُ عِوَضٌ آخَرُ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ، وَلَوْ فَرَضَ الْقَاضِي لَهَا نَفَقَةً أَوْ كِسْوَةً فَمَضَى الْوَقْتُ الَّذِي أَخَذَتْ لَهُ وَقَدْ بَقِيَتْ تِلْكَ النَّفَقَةُ أَوْ الْكِسْوَةُ بِأَنْ أَكَلَتْ مِنْ مَالٍ آخَرَ أَوْ لَبِسَتْ ثَوْبًا آخَرَ فَلَهَا عَلَيْهِ نَفَقَةٌ أُخْرَى وَكِسْوَةٌ أُخْرَى بِخِلَافِ نَفَقَةِ الْأَقَارِبِ وَالْفَرْقُ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ نَفَقَةَ الْأَقَارِبِ تَجِبُ بِعِلَّةِ الْحَاجَةِ صِلَةً مَحْضَةً وَلَا حَاجَةَ عِنْدَ بَقَاءِ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ، وَنَفَقَةُ الزَّوْجَاتِ لَا تَجِبُ لِمَكَانِ الْحَاجَةِ وَإِنَّمَا تَجِبُ جَزَاءً عَلَى الِاحْتِبَاسِ لَكِنْ لَهَا شُبْهَةُ الْعِوَضِيَّةِ عَنْ الِاحْتِبَاسِ وَقَدْ جُعِلَتْ عِوَضًا فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ وَهِيَ مُحْتَبِسَةٌ بَعْدَ مُضِيِّ هَذِهِ الْمُدَّةِ بِحَبْسٍ آخَرَ فَلَا بُدَّ لَهَا مِنْ عِوَضٍ آخَرَ، وَلَوْ نَفِدَتْ نَفَقَتُهَا قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ الَّتِي لَهَا أُخِذَتْ أَوْ تَخَرَّقَ الثَّوْبُ؛ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا عَلَى الزَّوْجِ وَلَا كِسْوَةَ حَتَّى تَمْضِيَ الْمُدَّةُ بِخِلَافِ نَفَقَةِ الْأَقَارِبِ وَكِسْوَتِهِمْ، وَالْفَرْقُ نَحْوُ مَا ذَكَرْنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَصْلٌ فِي بَيَانِ كَيْفِيَّةِ وُجُوبِ هَذِهِ النَّفَقَةِ]
وَأَمَّا بَيَانُ كَيْفِيَّةِ وُجُوبِ هَذِهِ النَّفَقَةِ فَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي كَيْفِيَّةِ وُجُوبِهَا قَالَ أَصْحَابُنَا: إنَّهَا تَجِبُ عَلَى وَجْهٍ لَا يَصِيرُ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ الزَّوْجِ إلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي أَوْ بِتَرَاضِي الزَّوْجَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ أَحَدُ هَذَيْنِ؛ تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنَّهَا تَصِيرُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ مِنْ غَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي وَلَا رِضَاهُ وَلَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ فَيَقَعُ الْكَلَامُ فِي هَذَا الْفَصْلِ فِي مَوَاضِعَ: فِي بَيَانِ أَنَّ الْفَرْضَ مِنْ الْقَاضِي أَوْ التَّرَاضِي هَلْ هُوَ شَرْطُ صَيْرُورَةِ هَذِهِ النَّفَقَةِ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ الزَّوْجِ أَمْ لَا وَفِي بَيَانِ شَرْطِ جَوَازِ فَرْضِهَا مِنْ الْقَاضِي عَلَى الزَّوْجِ إذَا كَانَ شَرْطًا، وَفِي بَيَانِ حُكْمِ صَيْرُورَتِهَا دَيْنًا فِي ذِمَّةِ الزَّوْجِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَا.
احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِقَوْلِهِ ﷿ ﴿وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [البقرة: ٢٣٣] عَلَى كَلِمَةُ إيجَابٍ، فَقَدْ أَخْبَرَ ﷾ عَنْ وُجُوبِ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ مُطْلَقًا عَنْ الزَّمَانِ، وَقَوْلِهِ ﷿ ﴿لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ﴾ [الطلاق: ٧]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute