لِسَتْرِ الْعَوْرَةِ وَلِدَفْعِ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ وَالشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ عَلَى مَا نَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَذَكَرَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ أَنَّ الْمُعْسِرَ يُفْرَضُ عَلَيْهِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ فِي الشَّهْرِ وَالْمُوسِرَ عَشَرَةٌ وَذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى اعْتِبَارِ قَرَارِ السِّعْرِ فِي الْوَقْتِ، وَلَوْ جَاءَ الزَّوْجُ بِطَعَامٍ يَحْتَاجُ إلَى الطَّبْخِ وَالْخَبْزِ فَأَبَتْ الْمَرْأَةُ الطَّبْخَ وَالْخَبْزَ يَعْنِي بِأَنْ تَطْبُخَ وَتَخْبِزَ لِمَا رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَسَمَ الْأَعْمَالَ بَيْنَ عَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ ﵄ فَجَعَلَ أَعْمَالَ الْخَارِجِ عَلَى عَلِيٍّ وَأَعْمَالَ الدَّاخِلِ عَلَى فَاطِمَةَ ﵄ وَلَكِنَّهَا لَا تُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ إنْ أَبَتْ وَيُؤْمَرُ الزَّوْجُ أَنْ يَأْتِيَ لَهَا بِطَعَامٍ مُهَيَّأٍ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَهَا لِلطَّبْخِ وَالْخَبْزِ؛ لَمْ يَجُزْ وَلَا يَجُوزُ لَهَا أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا لَوْ أَخَذَتْ الْأُجْرَةَ لَأَخَذَتْهَا عَلَى عَمَلٍ وَاجِبٍ عَلَيْهَا فِي الْفَتْوَى فَكَانَ فِي مَعْنَى الرِّشْوَةِ فَلَا يَحِلُّ لَهَا الْأَخْذُ، وَذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ أَنَّ هَذَا إذَا كَانَ بِهَا عِلَّةٌ لَا تَقْدِرُ عَلَى الطَّبْخِ وَالْخَبْزِ أَوْ كَانَتْ مِنْ بَنَاتِ الْأَشْرَافِ، فَأَمَّا إذَا كَانَتْ تَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ وَهِيَ مِمَّنْ تَخْدُمُ بِنَفْسِهَا تُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ لَهَا خَادِمٌ يَجِبُ لِخَادِمِهَا أَيْضًا النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ إذَا كَانَتْ مُتَفَرِّغَةً لِشُغُلِهَا وَلِخِدْمَتِهَا لَا شُغْلَ لَهَا غَيْرُهَا؛ لِأَنَّ أُمُورَ الْبَيْتِ لَا تَقُومُ بِهَا وَحْدَهَا فَتَحْتَاجُ إلَى خَادِمٍ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ لِأَكْثَرَ مِنْ خَادِمٍ وَاحِدٍ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجِبُ لِخَادِمَيْنِ وَلَا يَجِبُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ.
وَرُوِيَ عَنْهُ رِوَايَةٌ أُخْرَى أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا كَانَتْ يَجِلُّ مِقْدَارُهَا عَنْ خِدْمَةِ خَادِمٍ وَاحِدٍ وَتَحْتَاجُ إلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ يَجِبُ لِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ بِالْمَعْرُوفِ وَبِهِ أَخَذَ الطَّحَاوِيُّ وَجْهُ ظَاهِرِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ إنَّ خِدْمَةَ امْرَأَةٍ لَا تَقُومُ بِخَادِمٍ وَاحِدٍ بَلْ تَقَعُ الْحَاجَةُ إلَى خَادِمَيْنِ يَكُونُ أَحَدُهُمَا مُعِينًا لِلْآخَرِ وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الزَّوْجَ لَوْ قَامَ بِخِدْمَتِهَا بِنَفْسِهِ لَا يَلْزَمُهُ نَفَقَةُ خَادِمٍ أَصْلًا وَخَادِمٌ وَاحِدٌ يَقُومُ مَقَامَهُ فَلَا يَلْزَمُهُ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَامَ مَقَامَهُ؛ صَارَ كَأَنَّهُ خَدَمَ بِنَفْسِهِ وَلِأَنَّ الْخَادِمَ الْوَاحِدَ لَا بُدَّ مِنْهُ وَالزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ لَيْسَ لَهُ حَدٌّ مَعْلُومٌ يُقَدَّرُ بِهِ فَلَا يَكُونُ اعْتِبَارُ الْخَادِمَيْنِ أَوْلَى مِنْ الثَّلَاثَةِ وَالْأَرْبَعَةِ فَيُقَدَّرَ بِالْأَقَلِّ وَهُوَ الْوَاحِدُ هَذَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ مُوسِرًا فَأَمَّا إذَا كَانَ مُعْسِرًا فَقَدْ رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ نَفَقَةُ خَادِمٍ وَإِنْ كَانَ لَهَا خَادِمٌ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إنْ كَانَ لَهَا خَادِمٌ فَعَلَيْهِ نَفَقَتُهُ وَإِلَّا فَلَا، وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ لَهَا خَادِمٌ عُلِمَ أَنَّهَا لَا تَرْضَى بِالْخِدْمَةِ بِنَفْسِهَا فَكَانَ عَلَى الزَّوْجِ نَفَقَةُ خَادِمِهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا خَادِمٌ؛ دَلَّ أَنَّهَا رَاضِيَةٌ بِالْخِدْمَةِ بِنَفْسِهَا فَلَا يُجْبَرُ عَلَى اتِّخَاذِ خَادِمٍ لَمْ يَكُنْ، وَجْهُ رِوَايَةِ الْحَسَنِ أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الزَّوْجِ الْمُعْسِرِ مِنْ النَّفَقَةِ أَدْنَى الْكِفَايَةِ، وَقَدْ تُكْفَى الْمَرْأَةُ بِخِدْمَةِ نَفْسِهَا فَلَا يَلْزَمُهُ نَفَقَةُ الْخَادِمِ وَإِنْ كَانَ لَهَا خَادِمٌ.
وَأَمَّا الثَّانِي: وَهُوَ بَيَانُ مَنْ يُقَدَّرُ بِهِ هَذِهِ النَّفَقَةَ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ أَيْضًا ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّ قَدْرَ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ يُعْتَبَرُ بِحَالِ الزَّوْجِ فِي يَسَارِهِ وَإِعْسَارِهِ لَا بِحَالِهَا وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا، وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ بِحَالِهِمَا جَمِيعًا حَتَّى لَوْ كَانَا مُوسِرَيْنِ فَعَلَيْهِ نَفَقَةُ الْيَسَارِ وَإِنْ كَانَا مُعْسِرَيْنِ فَعَلَيْهِ نَفَقَةُ الْإِعْسَارِ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الزَّوْجُ مُعْسِرًا وَالْمَرْأَةُ مُوسِرَةً، وَلَا خِلَافَ فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ فَأَمَّا إذَا كَانَ الزَّوْجُ مُوسِرًا وَالْمَرْأَةُ مُعْسِرَةً؛ فَعَلَيْهِ نَفَقَةُ الْيَسَارِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ وَعَلَى قَوْلِ الْخَصَّافِ عَلَيْهِ أَدْنَى مِنْ نَفَقَةِ الْمُوسِرَاتِ وَأَوْسَعُ مِنْ نَفَقَةِ الْمُعْسِرِينَ حَتَّى لَوْ كَانَ الزَّوْجُ مُفْرِطًا فِي الْيَسَارِ يَأْكُلُ خُبْزَ الْحُوَّارَى وَلَحْمَ الْحَمَلِ وَالدَّجَاجِ، وَالْمَرْأَةُ مُفْرِطَةً فِي الْفَقْرِ تَأْكُلُ فِي بَيْتِهَا خُبْزَ الشَّعِيرِ؛ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُطْعِمَهَا مَا يَأْكُلُهُ وَلَا يُطْعِمُهَا مَا كَانَتْ تَأْكُلُ فِي بَيْتِ أَهْلِهَا أَيْضًا وَلَكِنْ يُطْعِمُهَا خُبْزَ الْحِنْطَةِ وَلَحْمَ الشَّاةِ وَكَذَلِكَ الْكِسْوَةُ عَلَى هَذَا الِاعْتِبَارِ، وَجْهُ قَوْلِ الْخَصَّافِ إنَّ فِي اعْتِبَارِ حَالَتِهِمَا فِي تَقْدِيرِ النَّفَقَةِ وَالْكُسْوَةِ نَظَرًا مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَكَانَ أَوْلَى مِنْ اعْتِبَارِ حَالِ أَحَدِهِمَا وَالصَّحِيحُ مَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا مَا آتَاهَا﴾ [الطلاق: ٧] وَهَذَا نَصٌّ فِي الْبَابِ إذَا عُرِفَ هَذَا فَنَقُولُ إذَا كَانَ الزَّوْجُ مُعْسِرًا يُنْفِقْ عَلَيْهَا أَدْنَى مَا يَكْفِيهَا مِنْ الطَّعَامِ وَالْإِدَامِ وَالدُّهْنِ بِالْمَعْرُوفِ وَمِنْ الْكِسْوَةِ أَدْنَى مَا يَكْفِيهَا مِنْ الصَّيْفِيَّةِ وَالشِّتْوِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ مُتَوَسِّطًا يُنْفِقْ عَلَيْهَا أَوْسَعَ مِنْ ذَلِكَ بِالْمَعْرُوفِ وَمِنْ الْكِسْوَةِ أَرْفَعَ مِنْ ذَلِكَ بِالْمَعْرُوفِ، وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا يُنْفِقْ عَلَيْهَا أَوْسَعَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ بِالْمَعْرُوفِ وَمِنْ الْكِسْوَةِ أَرْفَعَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ بِالْمَعْرُوفِ وَإِنَّمَا كَانَتْ النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ بِالْمَعْرُوفِ؛ لِأَنَّ دَفْعَ الضَّرَرِ عَنْ الزَّوْجَيْنِ وَاجِبٌ وَذَلِكَ فِي إيجَابِ الْوَسَطِ مِنْ الْكِفَايَةِ وَهُوَ تَفْسِيرُ الْمَعْرُوفِ فَيَكْفِيهَا مِنْ الْكِسْوَةِ فِي الصَّيْفِ قَمِيصٌ وَخِمَارٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute