للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِثْلُ الْحُكْمِ فِي السَّرِقَة، قَدْ اسْتَوْفَيْنَا الْكَلَامَ فِيهِ فِي كِتَابِ السَّرِقَةِ، وَكَذَا مَحِلُّ الْقَطْعِ مِنْ الْيَدِ الْيُمْنَى هُوَ الْمَفْصِلُ كَمَا فِي السَّرِقَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[فَصْلٌ فِي بَيَانِ مَنْ يُقِيمُ حَدّ قَطْعِ الطَّرِيقِ]

(فَصْلٌ) :

وَأَمَّا بَيَانُ مَنْ يُقِيمُ هَذَا الْحُكْمَ فَاَلَّذِي يُقِيمُهُ الْإِمَامُ، أَوْ مَنْ وَلَّاهُ الْإِمَامُ الْإِقَامَةَ، لَيْسَ إلَى الْأَوْلِيَاءِ، وَلَا إلَى أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ شَيْءٌ، بَلْ يُقِيمُهُ الْإِمَامُ طَالَبَ الْأَوْلِيَاءُ، وَأَرْبَابُ الْأَمْوَالِ بِالْإِقَامَةِ، أَوْ لَمْ يُطَالِبُوا، وَهَذَا عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ : الْمَوْلَى يَمْلِكُ إقَامَةَ الْحَدِّ عَلَى مَمْلُوكِهِ مِنْ غَيْرِ تَوْلِيَةِ الْإِمَامِ، وَالْكَلَامُ فِي هَذَا الْفَصْلِ عَلَى الِاسْتِقْصَاءِ ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ.

[فَصْلٌ فِي بَيَانِ مَا يُسْقِطُ حَدّ قَطْعِ الطَّرِيقِ بَعْدَ وُجُوبِهِ]

(فَصْلٌ) :

وَأَمَّا بَيَانُ مَا يُسْقِطُ هَذَا الْحُكْمَ بَعْدَ وُجُوبِهِ فَالْمُسْقِطُ لَهُ بَعْدَ الْوُجُوبِ أَشْيَاءُ ذَكَرْنَاهَا فِي كِتَابِ السَّرِقَةِ: (مِنْهَا) تَكْذِيبُ الْمَقْطُوعِ عَلَيْهِ الْقَاطِعَ فِي إقْرَارِهِ بِقَطْعِ الطَّرِيقِ أَنَّهُ لَمْ يَقْطَعْ عَلَيْهِ الطَّرِيقَ.

(وَمِنْهَا) رُجُوعُ الْقَاطِعِ عَنْ إقْرَارِهِ بِقَطْعِ الطَّرِيقِ.

(وَمِنْهَا) تَكْذِيبُ الْمَقْطُوعِ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ.

(وَمِنْهَا) مِلْكُ الْقَاطِعِ الْمَقْطُوعَ لَهُ، وَهُوَ الْمَالُ قَبْلَ التَّرَافُعِ أَوْ بَعْدَهُ عَلَى التَّفْصِيلِ عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِ السَّرِقَةِ.

(وَمِنْهَا) تَوْبَةُ الْقَاطِعِ قَبْلَ أَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [المائدة: ٣٤] أَيْ: رَجَعُوا عَمَّا فَعَلُوا فَنَدِمُوا عَلَى ذَلِكَ، وَعَزَمُوا عَلَى أَنْ لَا يَفْعَلُوا مِثْلَهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَدَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ الشَّرِيفَةُ عَلَى أَنَّ قَاطِعَ الطَّرِيقِ إذَا تَابَ قَبْلَ أَنْ يُظْفَرَ بِهِ يَسْقُطُ عَنْهُ الْحَدُّ، وَتَوْبَتُهُ بِرَدِّ الْمَالِ عَلَى صَاحِبِهِ إنْ كَانَ أَخَذَ الْمَالَ لَا غَيْرُ، مَعَ الْعَزْمِ عَلَى أَنْ لَا يَفْعَلَ مِثْلَهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ.

وَيَسْقُطُ عَنْهُ الْقَطْعُ أَصْلًا، وَيَسْقُطُ عَنْهُ الْقَتْلُ حَدًّا، وَكَذَلِكَ إنْ أَخَذَ الْمَالَ، وَقَتَلَ حَتَّى لَمْ يَكُنْ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْتُلَهُ، وَلَكِنْ يَدْفَعُهُ إلَى أَوْلِيَاءِ الْقَتِيلِ لِيَقْتُلُوهُ قِصَاصًا إنْ كَانَ الْقَتْلُ بِسِلَاحٍ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى -، وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْ الْمَالَ، وَلَمْ يَقْتُلْ فَتَوْبَتُهُ النَّدَمُ عَلَى مَا فَعَلَ، وَالْعَزْمُ عَلَى تَرْكِ مِثْلِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَهُوَ أَنْ يَأْتِيَ الْإِمَامَ عَنْ طَوْعٍ، وَاخْتِيَارٍ، وَيُظْهِرَ التَّوْبَةَ عِنْدَهُ، وَيَسْقُطُ عَنْهُ الْحَبْسُ؛ لِأَنَّ الْحَبْسَ لِلتَّوْبَةِ، وَقَدْ تَابَ فَلَا مَعْنًى لِلْحَبْسِ، وَكَذَلِكَ السَّرِقَةُ الصُّغْرَى، إذَا تَابَ السَّارِقُ قَبْلَ أَنْ يُظْفَرَ بِهِ، وَرَدَّ الْمَالَ إلَى صَاحِبِهِ يَسْقُطُ عَنْهُ الْقَطْعُ، بِخِلَافِ سَائِرِ الْحُدُودِ أَنَّهَا لَا تَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ.

وَالْفَرْقُ أَنَّ الْخُصُومَةَ شَرْطٌ فِي السَّرِقَةِ الصُّغْرَى وَالْكُبْرَى؛ لِأَنَّ مَحِلَّ الْجِنَايَةِ خَالِصُ حَقِّ الْعِبَادِ، وَالْخُصُومَةُ تَنْتَهِي بِالتَّوْبَةِ، وَالتَّوْبَةُ تَمَامُهَا بِرَدِّ الْمَالِ إلَى صَاحِبِهِ، فَإِذَا وَصَلَ الْمَالُ إلَى صَاحِبِهِ لَمْ يَبْقَ لَهُ حَقُّ الْخُصُومَةِ مَعَ السَّارِقِ، بِخِلَافِ سَائِرِ الْحُدُودِ فَإِنَّ الْخُصُومَةَ فِيهَا لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فَعَدَمُهَا لَا يَمْنَعُ مِنْ إقَامَةِ الْحُدُودِ، وَفِي حَدِّ الْقَذْفِ إنْ كَانَتْ شَرْطًا لَكِنَّهَا لَا تَبْطُلُ بِالتَّوْبَةِ؛ لِأَنَّ بُطْلَانَهَا بِرَدِّ الْمَالِ إلَى صَاحِبِهِ، وَلَمْ يُوجَدْ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ سَيِّدِنَا عَلِيٍّ أَنَّهُ كَتَبَ إلَيْهِ عَامِلُهُ بِالْبَصْرَةِ أَنَّ حَارِثَةَ بْنَ زَيْدٍ حَارَبَ اللَّهَ، وَرَسُولَهُ، وَسَعَى فِي الْأَرْضِ فَسَادًا فَكَتَبَ إلَيْهِ - سَيِّدُنَا - عَلِيٌّ أَنَّ حَارِثَةَ قَدْ تَابَ قَبْلَ أَنْ تَقْدِرَ عَلَيْهِ فَلَا تَتَعَرَّضْ لَهُ إلَّا بِخَيْرٍ هَذَا إذَا تَابَ قَاطِعُ الطَّرِيقِ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ.

فَأَمَّا إذَا تَابَ بَعْدَ مَا قُدِرَ عَلَيْهِ بِأَنْ أَخَذَ، ثُمَّ تَابَ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْحَدُّ؛ لِأَنَّ التَّوْبَةَ عَنْ السَّرِقَةِ إذَا أَخَذَ الْمَالَ بِرَدِّ الْمَالِ عَلَى صَاحِبِهِ، وَبَعْدَ الْأَخْذِ لَا يَكُونُ رَدُّ الْمَالِ، بَلْ يَكُونُ اسْتِرْدَادًا مِنْهُ جَبْرًا فَلَا يَسْقُطُ الْحَدُّ، وَإِذَا لَمْ يَأْخُذْ الْمَالَ فَهُوَ بَعْدَ الْأَخْذِ مُتَّهَمٌ فِي إظْهَارِ التَّوْبَةِ فَلَا تَتَحَقَّقُ تَوْبَتُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[فَصْلٌ فِي حُكْمِ سُقُوطِ حَدِّ قطع الطَّرِيق بَعْدَ وُجُوبه]

(فَصْلٌ) :

وَأَمَّا حُكْمُ سُقُوطِ الْحَدِّ بَعْدَ الْوُجُوبِ، وَحُكْمُ عَدَمِ الْوُجُوبِ لِمَانِعٍ فَنَقُولُ: - وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ - إذَا سَقَطَ الْحَدُّ بَعْدَ التَّوْبَةِ قَبْلَ أَنْ يُقْدَرَ عَلَيْهِمْ، فَإِنْ كَانُوا أَخَذُوا الْمَالَ لَا غَيْرُ رَدُّوهُ عَلَى صَاحِبِهِ إنْ كَانَ قَائِمًا، وَإِنْ كَانَ هَالِكًا، أَوْ مُسْتَهْلَكًا؛ فَعَلَيْهِمْ الضَّمَانُ، وَإِنْ كَانُوا قَتَلُوا لَا غَيْرُ يُدْفَعُ مَنْ قَتَلَ مِنْهُمْ بِسِلَاحٍ إلَى الْأَوْلِيَاءِ لِيَقْتُلُوهُ، أَوْ يَعْفُوا عَنْهُ، وَمَنْ قَتَلَ بِعَصًا، أَوْ حَجَرٍ فَعَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ لِوَرَثَةِ الْمَقْتُولِ، وَإِنْ كَانُوا أَخَذُوا الْمَالَ، وَقَتَلُوا فَحُكْمُ أَخْذِ الْمَالِ، وَالْقَتْلِ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ مَا هُوَ حُكْمُهُمَا عِنْدَ الِانْفِرَادِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ إذَا سَقَطَ بِالتَّوْبَةِ قَبْلَ الْقُدْرَةِ صَارَ حُكْمُ الْقَتْلِ، وَأَخْذُ الْمَالِ، وَهَلَاكُهُ، وَاسْتِهْلَاكُهُ مَا هُوَ حُكْمُهَا فِي غَيْرِ قَطْعِ الطَّرِيقِ مَا قُلْنَا.

وَإِنْ كَانُوا أَخَذُوا الْمَالَ، وَجَرَحُوا، أَوْ أَخَذُوا الْمَالَ، وَقَتَلُوا، وَجَرَحُوا قَوْمًا، أَوْ جَرَحُوا قَوْمًا، وَلَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ أَخْذٌ، وَلَا قَتْلٌ فَحُكْمُ الْقَتْلِ، وَالْمَالِ مَا ذَكَرْنَا، وَالْجِرَاحَاتُ فِيهَا الْقِصَاصُ فِيمَا يَقْدِرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>