لِلْحَجِّ بِدُونِهِ، وَهَذَا خِلَافُ الْحَدِيثِ، وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الرُّكْنُ هُوَ الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ لَا غَيْرُ، إلَّا أَنَّ طَوَافَ الزِّيَارَةِ عُرِفَ رُكْنًا بِدَلِيلٍ آخَرَ، وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ، وَلِأَنَّ تَرْكَ الْوُقُوفِ بِمُزْدَلِفَةَ جَائِزٌ لِعُذْرٍ عَلَى مَا نُبَيِّنُ، وَلَوْ كَانَ فَرْضًا لَمَا جَازَ تَرْكُهُ أَصْلًا كَسَائِرِ الْفَرَائِضِ فَدَلَّ أَنَّهُ لَيْسَ بِفَرْضٍ بَلْ هُوَ وَاجِبٌ إلَّا أَنَّهُ قَدْ يَسْقُطُ وُجُوبُهُ لِعُذْرٍ مِنْ ضَعْفٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ حَيْضٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ حَتَّى لَوْ تَعَجَّلَ وَلَمْ يَقِفْ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْآيَةُ فَقَدْ قِيلَ فِي تَأْوِيلِهَا: إنَّ الْمُرَادَ مِنْ الذِّكْرِ هُوَ صَلَاةُ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِمُزْدَلِفَةَ، وَقِيلَ: هُوَ الدُّعَاءُ، وَفَرْضِيَّتُهَا لَا تَقْتَضِي فَرْضِيَّةَ الْوُقُوفِ، عَلَى أَنَّ مُطْلَقَ الْأَمْرِ لِلْوُجُوبِ لَا لِلْفَرْضِيَّةِ بَلْ الْفَرْضِيَّةُ ثَبَتَتْ بِدَلِيلٍ زَائِدٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَصْلٌ رُكْنُ الْوُقُوف بِمُزْدَلِفَةَ]
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا رُكْنُهُ فَكَيْنُونَتُهُ بِمُزْدَلِفَةَ، سَوَاءٌ كَانَ بِفِعْلِ نَفْسِهِ، أَوْ بِفِعْلِ غَيْرِهِ بِأَنْ كَانَ مَحْمُولًا، وَهُوَ نَائِمٌ أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ، أَوْ كَانَ عَلَى دَابَّةٍ لِحُصُولِهِ كَائِنًا بِهَا، وَسَوَاءٌ عَلِمَ بِهَا أَوْ لَمْ يَعْلَمْ لِمَا قُلْنَا، وَلِأَنَّ الْفَائِتَ لَيْسَ إلَّا النِّيَّةَ، وَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِشَرْطٍ كَمَا فِي الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، وَسَوَاءٌ وَقَفَ أَوْ مَرَّ مَارًّا لِحُصُولِهِ كَائِنًا بِمُزْدَلِفَةَ، وَإِنْ قَلَّ، وَلَا تُشْتَرَطُ لَهُ الطَّهَارَةُ عَنْ الْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ؛ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ لَا تَتَعَلَّقُ بِالْبَيْتِ فَتَصِحُّ مِنْ غَيْرِ طَهَارَةٍ كَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، وَرَمْيِ الْجِمَارِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَصْلٌ مَكَانُ الْوُقُوف بِمُزْدَلِفَةَ]
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا مَكَانُهُ فَجُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ مُزْدَلِفَةَ، أَيَّ جُزْءٍ كَانَ، وَلَهُ أَنْ يَنْزِلَ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ شَاءَ مِنْهَا إلَّا أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَنْزِلَ فِي، وَادِي مُحَسِّرٍ لِقَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ «عَرَفَاتٌ كُلُّهَا مَوْقِفٌ إلَّا بَطْنَ عُرَنَةَ، وَمُزْدَلِفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ إلَّا، وَادِيَ مُحَسِّرٍ» .
وَرُوِيَ أَنَّهُ قَالَ «مُزْدَلِفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ، وَارْتَفِعُوا عَنْ الْمُحَسِّرِ» فَيُكْرَهُ النُّزُولُ فِيهِ، وَلَوْ، وَقَفَ بِهِ أَجْزَأَهُ مَعَ الْكَرَاهَةِ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ وُقُوفُهُ خَلْفَ الْإِمَامِ عَلَى الْجَبَلِ الَّذِي يَقِفُ عَلَيْهِ الْإِمَامُ، وَهُوَ الْجَبَلُ الَّذِي يُقَالُ لَهُ قُزَحُ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ أَنَّهُ ﷺ وَقَفَ عَلَيْهِ، وَقَالَ «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» ، وَلِأَنَّهُ يَكُونُ أَقْرَبَ إلَى الْإِمَامِ فَيَكُونُ أَفْضَلَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَصْلٌ زَمَانُ الْوُقُوف بِمُزْدَلِفَةَ]
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا زَمَانُهُ فَمَا بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ، وَطُلُوعِ الشَّمْسِ فَمَنْ حَصَلَ بِمُزْدَلِفَةَ فِي هَذَا الْوَقْتِ فَقَدْ أَدْرَكَ الْوُقُوفَ، سَوَاءٌ بَاتَ بِهَا أَوْ لَا، وَمَنْ لَمْ يَحْصُلْ بِهَا فِيهِ فَقَدْ فَاتَهُ الْوُقُوفُ، وَهَذَا عِنْدَنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ لَيْلَةِ النَّحْرِ كَمَا قَالَ فِي الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، وَفِي جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، وَالسُّنَّةُ أَنْ يَبِيتَ لَيْلَةَ النَّحْرِ بِمُزْدَلِفَةَ، وَالْبَيْتُوتَةُ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ، إنَّمَا الْوَاجِبُ هُوَ الْوُقُوفُ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ وُقُوفُهُ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَيُصَلِّيَ صَلَاةَ الْفَجْرِ بِغَلَسٍ ثُمَّ يَقِفَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ فَيَدْعُوَ اللَّهَ تَعَالَى، وَيَسْأَلَهُ حَوَائِجَهُ إلَى أَنْ يُسْفِرَ ثُمَّ يُفِيضَ مِنْهَا قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى مِنًى، وَلَوْ أَفَاضَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ فَقَدْ أَسَاءَ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِتَرْكِهِ السُّنَّةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَصْلٌ حُكْمُ فَوَاتِ وَقْتِ الْوُقُوف بِمُزْدَلِفَةَ]
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا حُكْمُ فَوَاتِهِ عَنْ، وَقْتِهِ أَنَّهُ إنْ كَانَ لِعُذْرٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَدَّمَ ضَعَفَةَ أَهْلِهِ، وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِالْكَفَّارَةِ» ، وَإِنْ كَانَ فَوَاتُهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ الْوَاجِبَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، وَإِنَّهُ يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ، وَاَللَّهُ ﷿ أَعْلَمُ.
[فَصْلٌ رَمْيُ الْجِمَارِ]
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا رَمْيُ الْجِمَارِ فَالْكَلَامُ فِيهِ فِي مَوَاضِعَ: فِي بَيَانِ.
وُجُوبِ الرَّمْيِ، وَفِي تَفْسِيرِ الرَّمْيِ، وَفِي بَيَانِ، وَقْتِهِ، وَفِي بَيَانِ مَكَانِهِ، وَفِي بَيَانِ عَدَدِ الْجِمَارِ.
وَقَدْرِهَا، وَجِنْسِهَا، وَمَأْخَذِهَا، وَمِقْدَارِ مَا يُرْمَى كُلَّ يَوْمٍ عِنْدَ كُلِّ مَوْضِعٍ، وَكَيْفِيَّةِ الرَّمْيِ، وَمَا يُسَنُّ فِي ذَلِكَ، وَيُسْتَحَبُّ، وَمَا يُكْرَهُ، وَفِي بَيَانِ حُكْمِهِ إذَا تَأَخَّرَ عَنْ، وَقْتِهِ أَوْ فَاتَ عَنْ، وَقْتِهِ.
(أَمَّا) الْأَوَّلُ فَدَلِيلُ وُجُوبِهِ الْإِجْمَاعُ، وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَفِعْلُهُ، أَمَّا الْإِجْمَاعُ فَلِأَنَّ الْأُمَّةَ أَجْمَعَتْ عَلَى وُجُوبِهِ.
وَأَمَّا قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَمَا رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ، وَقَالَ إنِّي ذَبَحْتُ ثُمَّ رَمَيْتُ، فَقَالَ ﷺ «ارْمِ، وَلَا حَرَجَ» ، وَظَاهِرُ الْأَمْرِ يَقْتَضِي وُجُوبَ الْعَمَلِ.
وَأَمَّا فِعْلُهُ فَلِأَنَّهُ ﷺ رَمَى، وَأَفْعَالُ النَّبِيِّ ﷺ فِيمَا لَمْ يَكُنْ بَيَانًا لِمُجْمَلِ الْكِتَابِ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ حَوَائِجِ نَفْسِهِ، وَلَا مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا مَحْمُولٌ عَلَى الْوُجُوبِ لِوُرُودِ النُّصُوصِ بِوُجُوبِ الِاقْتِدَاءِ بِهِ، وَالِاتِّبَاعِ لَهُ، وَلُزُومِ طَاعَتِهِ، وَحُرْمَةِ مُخَالَفَتِهِ فَكَانَتْ أَفْعَالُهُ فِيمَا قُلْنَا مَحْمُولَةً عَلَى الْوُجُوبِ لَكِنْ عَمَلًا لَا اعْتِقَادًا عَلَى طَرِيقِ التَّعْيِينِ لِاحْتِمَالِ الْخُصُوصِ كَمَا فِي بَعْضِ الْوَاجِبَاتِ نَحْوِ صَلَاةِ اللَّيْلِ، وَبَعْضِ الْمُبَاحَاتِ، وَهُوَ حِلُّ تِسْعِ نِسْوَةٍ أَوْ زِيَادَةٍ عَلَيْهَا فَاعْتِقَادُ الْوُجُوبِ مِنْهَا عَيْنًا يُؤَدِّي إلَى اعْتِقَادِ غَيْرِ الْوَاجِبِ، وَاجِبًا فِي حَقِّهِ، وَغَيْرِ