للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأَقْوَالِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ الْأَفْعَالِ.

(أَمَّا) التَّصَرُّفَاتُ الْقَوْلِيَّةُ فَعَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: نَافِعٍ مَحْضٍ، وَضَارٍّ مَحْضٍ وَدَائِرٍ بَيْنَ الضَّرَرِ وَالنَّفْعِ.

(أَمَّا) الْمَجْنُونُ فَلَا تَصِحُّ مِنْهُ التَّصَرُّفَاتُ الْقَوْلِيَّةُ كُلُّهَا فَلَا يَجُوزُ طَلَاقُهُ وَعِتَاقُهُ وَكِتَابَتُهُ وَإِقْرَارُهُ، وَلَا يَنْعَقِدُ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ حَتَّى لَا تَلْحَقَهُ الْإِجَازَةُ، وَلَا يَصِحُّ مِنْهُ قَبُولُ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْوَصِيَّةِ، وَكَذَا الصَّبِيُّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ؛ لِأَنَّ الْأَهْلِيَّةَ شَرْطُ جَوَازِ التَّصَرُّفِ وَانْعِقَادِهِ وَلَا أَهْلِيَّةَ بِدُونِ الْعَقْلِ.

(وَأَمَّا) الصَّبِيُّ الْعَاقِلُ فَتَصِحُّ مِنْهُ التَّصَرُّفَاتُ النَّافِعَةُ بِلَا خِلَافٍ، وَلَا تَصِحُّ مِنْهُ التَّصَرُّفَاتُ الضَّارَّةُ الْمَحْضَةُ بِالْإِجْمَاعِ

(وَأَمَّا) الدَّائِرَةُ بَيْنَ الضَّرَرِ وَالنَّفْعِ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْإِجَارَةِ وَنَحْوِهَا فَيَنْعَقِدُ عِنْدَنَا مَوْقُوفًا عَلَى إجَازَةِ وَلِيِّهِ فَإِنْ أَجَازَ جَازَ، وَإِنْ رَدَّ بَطَلَ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ ﵀ لَا تَنْعَقِدُ أَصْلًا وَهِيَ مَسْأَلَةُ تَصَرُّفَاتِ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ، وَقَدْ مَرَّتْ فِي مَوْضِعِهَا.

(وَأَمَّا) الرَّقِيقُ فَيَصِحُّ مِنْهُ قَبُولُ الْهِبَةِ، وَالصَّدَقَةِ وَالْوَصِيَّةِ، وَكَذَا يَصِحُّ طَلَاقُهُ وَإِقْرَارُهُ بِالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ.

(وَأَمَّا) إقْرَارُهُ بِالْمَالِ فَلَا يَصِحُّ فِي حَقِّ مَوْلَاهُ، وَيَصِحُّ فِي حَقِّ نَفْسِهِ حَتَّى يُؤَاخَذَ بِهِ بَعْدَ الْعَتَاقِ.

(وَأَمَّا) الْبَيْعُ وَغَيْرُهُ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الدَّائِرَةِ بَيْنَ الضَّرَرِ وَالنَّفْعِ فَلَا يَنْفُذُ بَلْ يَنْعَقِدُ مَوْقُوفًا عَلَى إجَازَةِ الْمَوْلَى، وَدَلَائِلُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ ذُكِرَتْ فِي مَوَاضِعِهَا (وَأَمَّا) التَّصَرُّفَاتُ الْفِعْلِيَّةُ وَهِيَ الْغُصُوبُ وَالْإِتْلَافَاتُ فَهَذِهِ الْعَوَارِضُ وَهِيَ: الصِّبَا، وَالْجُنُونُ، وَالرِّقُّ لَا تُوجِبُ الْحَجْرَ فِيهَا حَتَّى لَوْ أَتْلَفَ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ شَيْئًا، فَضَمَانُهُ فِي مَالِهِمَا، وَكَذَا الْعَبْدُ إذَا أَتْلَفَ مَالَ إنْسَانٍ فَإِنَّهُ يُؤَاخَذُ بِهِ لَكِنْ بَعْدَ الْعَتَاقِ.

(وَأَمَّا) السَّفِيهُ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ لَيْسَ بِمَحْجُورٍ عَنْ التَّصَرُّفَاتِ أَصْلًا وَحَالُهُ وَحَالُ الرَّشِيدِ فِي التَّصَرُّفَاتِ سَوَاءٌ لَا يَخْتَلِفَانِ إلَّا فِي وَجْهٍ وَاحِدٍ: وَهُوَ أَنَّ الصَّبِيَّ إذَا بَلَغَ سَفِيهًا يُمْنَعُ عَنْهُ مَالُهُ إلَى خَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً، وَإِذَا بَلَغَ رَشِيدًا يُدْفَعُ إلَيْهِ مَالُهُ.

(فَأَمَّا) فِي التَّصَرُّفَاتِ فَلَا يَخْتَلِفَانِ حَتَّى لَوْ تَصَرَّفَ بَعْدَ مَا بَلَغَ سَفِيهًا وَمُنِعَ عَنْهُ مَالُهُ نَفَذَ تَصَرُّفُهُ، كَمَا يَنْفُذُ بَعْدَ أَنْ دُفِعَ الْمَالُ إلَيْهِ عِنْدَهُ.

(وَأَمَّا) عِنْدَهُمَا فَحُكْمُهُ وَحُكْمُ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ وَالْبَالِغِ الْمَعْتُوهِ سَوَاءٌ فَلَا يَنْفُذُ بَيْعُهُ، وَشِرَاؤُهُ، وَإِجَارَتُهُ وَهِبَتُهُ، وَصَدَقَتُهُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الَّتِي تَحْتَمِلُ النَّقْضَ وَالْفَسْخَ.

(وَأَمَّا) فِيمَا سِوَى ذَلِكَ فَحُكْمُهُ وَحُكْمُ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ الرَّشِيدِ سَوَاءٌ، فَيَجُوزُ طَلَاقُهُ وَنِكَاحُهُ وَإِعْتَاقُهُ وَتَدْبِيرُهُ وَاسْتِيلَادُهُ، وَتَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ زَوْجَاتِهِ وَأَقَارِبِهِ، وَالزَّكَاةُ فِي مَالِهِ، وَحِجَّةُ الْإِسْلَامِ، وَيُنْفِقُ عَلَى زَوْجَاتِهِ، وَأَقَارِبِهِ، وَيُؤَدِّي الزَّكَاةَ مِنْ مَالِهِ، وَلَا يُمْنَعُ مِنْ حِجَّةِ الْإِسْلَامِ وَلَا مِنْ الْعُمْرَةِ، وَلَا مِنْ الْقَرَابِينِ، وَسُوقِ الْبَدَنَةِ لَكِنْ يُسَلِّمُ الْقَاضِي النَّفَقَةَ وَالْكِرَاءَ وَالْهَدْيَ عَلَى يَدِ أَمِينٍ لِيُنْفِقَ عَلَيْهِ فِي الطَّرِيقِ، وَلَا وِلَايَةَ عَلَيْهِ لِأَبِيهِ وَجَدِّهِ وَوَصِيِّهِمَا، وَيَجُوزُ إقْرَارُهُ عَلَى نَفْسِهِ بِالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ، وَتَجُوزُ وَصَايَاهُ بِالْقُرْبِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ مِنْ ثُلْثِ مَالِهِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الَّتِي تَصِحُّ مِنْ الْعَاقِلِ الْبَالِغِ الرَّشِيدِ، إلَّا أَنَّهُ إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِأَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا فَالزِّيَادَةُ بَاطِلَةٌ، وَإِذَا أَعْتَقَ عَبْدَهُ يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ، وَقَالَ يَعْتِقُ مِنْ غَيْرِ سِعَايَةٍ فَأَمَّا فِيمَا سِوَى ذَلِكَ فَلَا يَخْتَلِفَانِ، وَلَوْ بَاعَ السَّفِيهُ أَوْ اشْتَرَى نَظَرَ الْقَاضِي فِي ذَلِكَ فَمَا كَانَ خَيْرًا أَجَازَ وَمَا كَانَ فِيهِ مَضَرَّةٌ رَدَّهُ وَاَللَّهُ ﷾ أَعْلَمُ.

[فَصْلٌ فِي بَيَانُ مَا يَرْفَعُ الْحَجْرَ]

(فَصْلٌ) :

وَأَمَّا بَيَانُ مَا يَرْفَعُ الْحَجْرَ (أَمَّا) الصَّبِيُّ فَاَلَّذِي يَرْفَعُ الْحَجْرَ عَنْهُ شَيْئَانِ: أَحَدُهُمَا: إذْنُ الْوَلِيِّ إيَّاهُ بِالتِّجَارَةِ، وَالثَّانِي: بُلُوغُهُ إلَّا أَنَّ الْإِذْنَ بِالتِّجَارَةِ يُزِيلُ الْحَجْرَ عَنْ التَّصَرُّفَاتِ الدَّائِرَةِ بَيْنَ الضَّرَرِ وَالنَّفْعِ.

(وَأَمَّا) التَّصَرُّفَاتُ الضَّارَّةُ الْمَحْضَةُ فَلَا يَزُولُ الْحَجْرُ عَنْهَا إلَّا بِالْبُلُوغِ وَهَذَا عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ ﵀ لَا يَزُولُ الْحَجْرُ عَنْ الصَّبِيِّ إلَّا بِالْبُلُوغِ وَقَدْ مَرَّتْ الْمَسْأَلَةُ ثَمَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ﵁ يَزُولُ الْحَجْرُ عَنْ التَّصَرُّفَاتِ بِالْبُلُوغِ سَوَاءٌ بَلَغَ رَشِيدًا أَوْ سَفِيهًا، وَكَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إلَّا أَنْ يَحْجُرَ عَلَيْهِ الْقَاضِي بَعْدَ الْبُلُوغِ فَيَنْحَجِرُ بِحَجْرِهِ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀ لَا يَنْحَجِرُ الصَّبِيُّ عَنْ التَّصَرُّفِ بِحَجْرِ الْقَاضِي لَكِنْ يَمْنَعُ مَالَهُ إلَى خَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ.

وَالشَّافِعِيِّ لَا يَزُولُ إلَّا بِبُلُوغِهِ رَشِيدًا، ثُمَّ الْبُلُوغُ فِي الْغُلَامِ يُعْرَفُ بِالِاحْتِلَامِ وَالْإِحْبَالِ وَالْإِنْزَالِ، وَفِي الْجَارِيَةِ يُعْرَفُ بِالْحَيْضِ وَالِاحْتِلَامِ وَالْحَبَلِ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَيُعْتَبَرُ بِالسِّنِّ.

(أَمَّا) مَعْرِفَةُ الْبُلُوغِ بِالِاحْتِلَامِ فَلِمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ مِنْهَا الصَّبِيُّ حَتَّى يَحْتَلِمَ» جَعَلَ ﵊ الِاحْتِلَامَ غَايَةً لِارْتِفَاعِ الْخِطَابِ، وَالْخِطَابُ بِالْبُلُوغِ دَلَّ أَنَّ الْبُلُوغَ يَثْبُتُ بِالِاحْتِلَامِ؛ وَلِأَنَّ الْبُلُوغَ وَالْإِدْرَاكَ عِبَارَةٌ عَنْ بُلُوغِ الْمَرْءِ كَمَالَ الْحَالِ وَذَلِكَ بِكَمَالِ الْقُدْرَةِ وَالْقُوَّةِ، وَالْقُدْرَةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>