[فَصْلٌ فِي الْحَلِفِ عَلَى الِاسْتِخْدَامِ]
فَصْلٌ) :
وَأَمَّا الْحَلِفُ عَلَى الِاسْتِخْدَامِ فَإِذَا حَلَفَ الرَّجُلُ لَا يَسْتَخْدِمُ خَادِمَةً لَهُ قَدْ كَانَتْ تَخْدُمُهُ وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَجَعَلَتْ الْخَادِمَةُ تَخْدُمُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْمُرَهَا حَنِثَ لِأَنَّهُ لَمَّا مَكَّنَهَا مِنْ الْخِدْمَةِ فَقَدْ تَرَكَهَا عَلَى الِاسْتِخْدَامِ السَّابِقِ وَلِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَمْنَعْهَا فَقَدْ اسْتَخْدَمَهَا دَلَالَةً وَإِنْ لَمْ يَسْتَخْدِمْ نَصًّا صَرِيحًا وَلَوْ كَانَ الْحَالِفُ عَلَى خَادِمَةٍ لَا يَمْلِكُهَا فَخَدَمَتْهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَا يَحْنَثُ لِعَدَمِ سَبْقِ الِاسْتِخْدَامِ لِيَكُونَ التَّمْكِينُ مِنْ الْخِدْمَةِ إبْقَاءً لَهَا عَلَى الِاسْتِخْدَامِ وَلِتَعَذُّرِ جَعْلِ التَّمْكِينِ دَلَالَةَ الِاسْتِخْدَامِ لِأَنَّ اسْتِخْدَامَ جَارِيَةِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ مَحْظُورٌ فَلَا يَكُونُ إذْنًا بِهِ مِنْ طَرِيقِ الدَّلَالَةِ فَهُوَ الْفَرْقُ حَتَّى لَوْ كَانَ نَهَى خَادِمَتَهُ الَّتِي كَانَتْ تَخْدُمُهُ عَنْ خِدْمَتِهِ ثُمَّ خَدَمَتْهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ قِيلَ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ بِالتَّمْكِينِ قَطَعَ اسْتِخْدَامَهَا السَّابِقَ فَقَدْ وُجِدَ مِنْهَا بِغَيْرِ اسْتِخْدَامٍ فَلَا يَحْنَثُ وَلَوْ حَلَفَ لَا تَخْدُمُهُ فُلَانَةُ فَخَدَمَتْهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ أَوْ بِأَمْرِهِ وَهِيَ خَادِمَتُهُ أَوْ خَادِمَةُ غَيْرِهِ حَنِثَ لِأَنَّهُ عَقَدَ الْيَمِينَ عَلَى فِعْلِهَا وَهُوَ خِدْمَتُهَا لَا عَلَى فِعْلِهِ وَهُوَ اسْتِخْدَامُهُ وَقَدْ خَدَمَتْهُ.
وَكُلُّ شَيْءٍ مِنْ عَمَلِ بَيْتِهِ فَهُوَ خِدْمَتُهُ لِأَنَّ الْخِدْمَةَ عِبَارَةٌ عَنْ عَمَلِ الْبَيْتِ الَّذِي يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْغَالِبِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَسْتَخْدِمُ خَادِمَةً لِفُلَانٍ فَسَأَلَهَا وَضُوءًا أَوْ شَرَابًا أَوْ أَوْمَأَ إلَيْهَا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ حِينَ حَلَفَ حَنِثَ إنْ فَعَلْت ذَلِكَ أَوْ لَمْ تَفْعَلْ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى حِينَ حَلَفَ أَنْ لَا يَسْتَعِينَ بِهَا فَتُعِينَهُ فَلَا يَحْنَثُ حَتَّى تُعِينَهُ لِأَنَّهُ عَقَّهُ يَمِينَهُ عَلَى فِعْلِهِ وَهُوَ الِاسْتِخْدَامُ وَقَدْ اسْتَخْدَمَ وَإِنْ لَمْ تُجِبْهُ فَإِنْ عَنَى أَنْ تَخْدُمَهُ فَقَدْ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ كَلَامُهُ فَيُصَدَّقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ حَلَفَ لَا يَخْدُمُنِي خَادِمٌ لِفُلَانٍ فَهُوَ عَلَى الْجَارِيَةِ وَالْغُلَامِ وَالصَّغِيرُ الَّذِي يَخْدُمُ وَالْكَبِيرُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ لِأَنَّ اسْمَ الْخَادِمِ يَجْمَعُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى وَالصَّغِيرَ وَالْكَبِيرَ إذَا كَانَ الصَّغِيرُ مِمَّنْ يَقْدِرُ عَلَى الْخِدْمَةِ وَاَللَّهُ ﷿ أَعْلَمُ.
[فَصْلٌ فِي الْحَلِفِ عَلَى الْمَعْرِفَةِ]
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا الْحَلِفُ عَلَى الْمَعْرِفَةِ فَإِذَا حَلَفَ عَلَى إنْسَانٍ أَنَّهُ لَا يَعْرِفُهُ وَهُوَ يَعْرِفُهُ بِوَجْهِهِ لَكِنَّهُ لَا يَعْرِفُ اسْمَهُ فَقَدْ بَرَّ فِي يَمِينِهِ وَلَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْرِفَ اسْمَهُ لَمْ يَعْرِفْهُ بِدَلِيلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ «سَأَلَ رَجُلًا عَنْ رَجُلٍ، وَقَالَ لَهُ هَلْ تَعْرِفُهُ؟ فَقَالَ الرَّجُلُ نَعَمْ فَقَالَ هَلْ تَدْرِي مَا اسْمُهُ؟ فَقَالَ لَا فَقَالَ إنَّك لَمْ تَعْرِفْهُ» وَلِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْرِفْهُ بِاسْمِهِ وَإِنْ عَرَفَهُ بِوَجْهِهِ لَمْ يَكُنْ عَارِفًا بِهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ بَلْ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ وَمِنْ شَرْطِ حِنْثِهِ الْمَعْرِفَةُ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَلَمْ تُوجَدْ فَلَا يَحْنَثُ.
وَقَالَ خَلَفُ بْنُ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَدَخَلَ بِهَا وَلَا يَدْرِي مَا اسْمُهَا فَحَلَفَ إنَّهُ لَا يَعْرِفُهَا قَالَ لَا يَحْنَثُ لِمَا بَيَّنَّا وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا وُلِدَ لَهُ مَوْلُودٌ فَأَخْرَجَهُ إلَى جَارٍ لَهُ وَلَمْ يَكُنْ سَمَّاهُ بَعْدُ فَحَلَفَ جَارُهُ هَذَا أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ هَذَا الصَّبِيَّ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ مَعْرِفَتَهُ بِمَعْرِفَةِ اسْمِهِ فَلَا يُعْرَفُ قَبْلَ التَّسْمِيَةِ.
[فَصْلٌ فِي الْحَلِفِ عَلَى أَخْذِ الْحَقِّ وَقَبْضِهِ وَقَضَائِهِ وَاقْتِضَائِهِ]
وَأَمَّا الْحَلِفُ عَلَى أَخْذِ الْحَقِّ وَقَبْضِهِ وَقَضَائِهِ وَاقْتِضَائِهِ إذَا حَلَفَ الرَّجُلُ لَيَأْخُذَن مِنْ فُلَانٍ حَقَّهُ أَوْ لَيَقْبِضَن مِنْ فُلَانٍ حَقَّهُ فَأَخَذَ مِنْهُ بِنَفْسِهِ أَوْ أَخَذَ مِنْهُ وَكِيلُهُ أَوْ أَخَذَهُ مِنْ ضَامِنٍ عَنْهُ أَوْ مُحْتَالٍ عَلَيْهِ بِأَمْرِ الْمَطْلُوبِ بَرَّ لِأَنَّ حُقُوقَ الْقَضَاءِ لَا تَرْجِعُ إلَى الْفَاعِلِ فَتَرْجِعُ إلَى الْآمِرِ فَكَأَنَّ قَبْضَ وَكِيلِ الطَّالِبِ قَبْضُهُ مَعْنًى وَكَذَا الْقَبْضُ مِنْ وَكِيلِ الْمَطْلُوبِ أَوْ كَفِيلِهِ أَوْ الْمُحْتَالِ بِأَمْرِهِ عَلَيْهِ قَبْضًا مِنْهُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى وَلَوْ قَبَضَ مِنْ رَجُلٍ بِغَيْرِ أَمْرِ الْمَطْلُوبِ أَوْ كَانَتْ الْكَفَالَةُ أَوْ الْحَوَالَةُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ حَنِثَ فِي يَمِينِهِ وَلَمْ يَبَرَّ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ مِنْ الْمَطْلُوبِ حَقَّهُ حَقِيقَةً فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا إلَّا أَنَّهُ جُعِلَ قَابِضًا عَنْهُ مَعْنًى فِي مَوْضِعِ الْآمِرِ وَجُعِلَ الْقَبْضُ مِنْ الْغَيْرِ كَالْقَبْضِ مِنْهُ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِأَمْرِهِ لَمْ تَكُنْ إضَافَتُهُ إلَيْهِ وَلِهَذَا لَمْ يَرْجِعْ إلَى الدَّافِعِ إلَيْهِ بِمَا أَعْطَاهُ فَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ قَبْضُ حَقِّهِ فَلَمْ يَبَرَّ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْحَالِفُ هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْمَالُ فَحَلَفَ لَيَقْضِيَن فُلَانًا حَقَّهُ أَوْ لَيُعْطِيَن فَأَعْطَاهُ بِنَفْسِهِ أَوْ بِرَسُولٍ أَوْ بِإِحَالَةٍ أَوْ أَمْرِ مَنْ ضَمِنَهُ لَهُ فَأَخَذَهُ الطَّالِبُ بَرَّ الْحَالِفُ فِي يَمِينِهِ لِأَنَّ حُقُوقَ الْقَضَاءِ لَا تَتَعَلَّقُ بِالْفَاعِلِ فَتَتَعَلَّقُ بِالْآمِرِ.
فَكَانَ هُوَ الْقَاضِيَ وَالْمُعْطِيَ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ حَنِثَ الْحَالِفُ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْضِ حَقَّهُ وَلَا أَعْطَاهُ أَصْلًا وَرَأْسًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ الدَّافِعُ إلَيْهِ وَإِنْ قَالَ الْحَالِفُ فِي هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ أَرَدْت أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِنَفْسِي كَانَ كَمَا قَالَ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ حَنِثَ لِأَنَّهُ شَدَّدَ عَلَى نَفْسِهِ وَإِنْ كَانَ الْمَطْلُوبُ حَلَفَ أَنْ لَا يُعْطِيَهُ فَأَعْطَاهُ عَلَى أَحَدِ هَذِهِ الْوُجُوهِ حَنِثَ فَإِنْ قَالَ إنَّمَا أَرَدْت أَنْ لَا أُعْطِيَهُ أَنَا بِنَفْسِي لَمْ يُدَيَّنْ فِي الْقَضَاءِ وَدُيِّنَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ الْعَطَاءَ بِفِعْلِهِ وَبِفِعْلِ غَيْرِهِ سَوَاءٌ فِي الْقَصْدِ فَتَنَاوَلَهُ الْيَمِينُ فَإِذَا نَوَى أَنْ لَا يُعْطِيَهُ بِنَفْسِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute