للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

شَيْءٌ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ حُقُوقِ الْمِلْكِ وَلَا مِلْكَ لِأَهْلِ الشَّفَةِ فِي رَقَبَةِ النَّهْرِ بَلْ لَهُمْ حَقُّ شُرْبِ الْمَاءِ وَالسَّقْيِ لِلدَّوَابِّ فَقَطْ وَاخْتُلِفَ فِي كَيْفِيَّةِ الْكَرْيِ عَلَيْهِمْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: عَلَيْهِمْ أَنْ يَكْرُوا مِنْ أَعْلَاهُ وَإِذَا جَاوَزُوا أَرْضَ رَجُلٍ دَفَعَ عَنْهُ وَكَانَ الْكَرْيُ عَلَى مَنْ بَقِيَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ الْكَرْيُ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا مِنْ أَوَّلِهِ إلَى آخِرِهِ بِحِصَصِ الشِّرْبِ وَالْأَرَاضِي حَتَّى إنَّ النَّهْرَ لَوْ كَانَ بَيْنَ عَشَرَةِ أَنْفُسٍ أَرَاضِيهِمْ عَلَيْهِ لَأُخِّرَ كَرْيُ فُوَّهَةِ النَّهْرِ إلَى أَنْ يُجَاوِزَ شِرْبَ أَوَّلِهِمْ بَيْنَهُمْ عَلَى عَشَرَةِ أَسْهُمٍ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ الْعُشْرُ فَإِذَا جَاوَزُوا شِرْبَ الْأَوَّلِ سَقَطَ عَنْهُ الْكَرْيُ.

وَكَانَ عَلَى الْبَاقِينَ عَلَى تِسْعَةِ أَسْهُمٍ فَإِذَا جَاوَزُوا شِرْبَ الثَّانِي سَقَطَ عَنْهُ الْكَرْيُ وَكَانَ عَلَى الْبَاقِينَ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَسْهُمٍ هَكَذَا، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ.

(وَأَمَّا) عِنْدَهُمَا فَالْكَرْيُ بَيْنَهُمْ عَلَى عَشَرَةِ أَسْهُمٍ مِنْ أَعْلَى النَّهْرِ إلَى أَسْفَلِهِ.

(وَجْهُ) قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْكَرْيَ مِنْ حُقُوقِ الْمِلْكِ وَالْمِلْكَ فِي الْأَعْلَى مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْكُلِّ مِنْ فُوَّهَةِ النَّهْرِ إلَى شِرْبِ أَوَّلِهِمْ فَكَانَتْ مُؤْنَتُهُ عَلَى الْكُلِّ فَأَمَّا بَعْدَهُ فَلَا مِلْكَ لِصَاحِبِ الْأَعْلَى فِيهِ إنَّمَا لَهُ حَقٌّ وَهُوَ حَقُّ تَسْيِيلِ الْمَاءِ فِيهِ فَكَانَتْ مُؤْنَتُهُ عَلَى صَاحِبِ الْمِلْكِ لَا عَلَى صَاحِبِ الْحَقِّ وَلِهَذَا كَانَتْ مُؤْنَةُ الْكَرْيِ عَلَى أَصْحَابِ النَّهْرِ وَلَا شَيْءَ عَلَى أَهْلِ الشَّفَةِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لِأَصْحَابِ النَّهْرِ وَلِأَهْلِ الشَّفَةِ حَقُّ الشُّرْبِ وَسَقْيِ دَوَابِّهِمْ وَكَذَا كُلُّ مَنْ كَانَ لَهُ مَيْلٌ عَلَى سَطْحٍ مَمْلُوكٍ لِغَيْرِهِ فَكَانَتْ غَرَامَتُهُ عَلَى صَاحِبِ السَّطْحِ لَا عَلَيْهِ لِمَا قُلْنَا.

(وَأَمَّا) الْأَنْهَارُ الْعِظَامُ كَسَيْحُونَ وَدِجْلَةَ وَالْفُرَاتِ وَنَحْوِهَا فَلَا مِلْكَ لِأَحَدٍ فِيهَا وَلَا فِي رَقَبَةِ النَّهْرِ وَكَذَا لَيْسَ لِأَحَدٍ حَقٌّ خَاصٌّ فِيهَا وَلَا فِي الشِّرْبِ بَلْ هُوَ حَقٌّ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ فَلِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهَذِهِ الْأَنْهَارِ بِالشَّفَةِ وَالسَّقْيِ وَشَقِّ النَّهْرِ مِنْهَا إلَى أَرْضِهِ بِأَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً بِإِذْنِ الْإِمَامِ لَهُ أَنْ يَشُقَّ إلَيْهَا نَهْرًا مِنْ هَذِهِ الْأَنْهَارِ وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ وَلَا لِأَحَدٍ مَنْعُهُ إذَا لَمْ يَضُرَّ بِالنَّهْرِ وَكَذَا لَهُ أَنْ يَنْصِبَ عَلَيْهِ رَحًى وَدَالِيَةً وَسَانِيَةً إذَا لَمْ يَضُرَّ بِالنَّهْرِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَنْهَارَ لَمْ تَدْخُلْ تَحْتَ يَدِ أَحَدٍ فَلَا يَثْبُتُ الِاخْتِصَاصُ بِهَا لِأَحَدٍ فَكَانَ النَّاسُ فِيهَا كُلُّهُمْ عَلَى السَّوَاءِ، فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ بِسَبِيلٍ مِنْ الِانْتِفَاعِ لَكِنْ بِشَرِيطَةِ عَدَمِ الضَّرَرِ بِالنَّهْرِ كَالِانْتِفَاعِ بِطَرِيقِ الْعَامَّةِ وَإِنْ أَضَرَّ بِالنَّهْرِ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مَنْعُهُ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ حَقٌّ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ.

وَإِبَاحَةُ التَّصَرُّفِ فِي حَقِّهِمْ مَشْرُوطَةٌ بِانْتِفَاءِ الضَّرَرِ كَالتَّصَرُّفِ فِي الطَّرِيقِ الْأَعْظَمِ وَسُئِلَ أَبُو يُوسُفَ عَنْ نَهْرِ مَرْوَ وَهُوَ نَهْرٌ عَظِيمٌ أَحْيَا رَجُلٌ أَرْضًا كَانَتْ مَوَاتًا فَحَفَرَ لَهَا نَهْرًا فَوْقَ مَرْوَ مِنْ مَوْضِعٍ لَيْسَ يَمْلِكُهُ أَحَدٌ فَسَاقَ الْمَاءَ إلَيْهَا مِنْ ذَلِكَ النَّهْرِ فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إنْ كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِ مَرْوَ ضَرَرٌ فِي مَائِهِمْ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ لَا يَضُرُّهُمْ فَلَهُ ذَلِكَ وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَمْنَعُوهُ لِمَا قُلْنَا وَسُئِلَ أَيْضًا إذَا كَانَ لِرَجُلٍ مِنْ هَذَا النَّهْرِ كُوًى مَعْرُوفَةٌ هَلْ لَهُ أَنْ يَزِيدَ فِيهَا؟ فَقَالَ: إنْ زَادَ فِي مِلْكِهِ وَذَلِكَ لَا يَضُرُّ بِأَهْلِ النَّهْرِ فَلَهُ ذَلِكَ.

وَلَوْ كَانَ نَهْرٌ خَاصٌّ لِقَوْمٍ يَأْخُذُ الْمَاءَ مِنْ هَذَا النَّهْرِ فَأَرَادَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ أَنْ يَزِيدَ كُوَّةً لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ لَا يَضُرُّ بِالنَّهْرِ.

(وَوَجْهُ) الْفَرْقِ أَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ تَصَرُّفٌ فِي حَقٍّ مُشْتَرَكٍ بَيْنَ الْعَامَّةِ، وَحُرْمَةُ التَّصَرُّفِ فِي حُقُوقِ الْعَامَّةِ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِشَرِيطَةِ الضَّرَرِ، وَالزِّيَادَةُ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي تَصَرُّفٌ فِي مِلْكٍ مُشْتَرَكٍ بِأَخْذِ زِيَادَةِ الْمَاءِ فِي النَّهْرِ، وَالتَّصَرُّفُ فِي الْمِلْكِ الْمُشْتَرَكِ لَا تَقِفُ حُرْمَتُهُ عَلَى الضَّرَرِ بِالْمَالِكِ هُوَ الْفَرْقُ.

وَلَوْ جَزَرَ مَاءُ هَذِهِ الْأَنْهَارِ عَنْ أَرْضٍ فَلَيْسَ لِمَنْ يَلِيهَا أَنْ يَضُمَّهَا إلَى أَرْضِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَعُودَ مَاؤُهَا إلَى مَكَانِهِ وَلَا يَجِدُ إلَيْهِ سَبِيلًا فَيُحْمَلُ عَلَى جَانِبٍ آخَرَ فَيَضُرُّ، حَتَّى لَوْ أَمِنَ الْعَوْدَ أَوْ كَانَ بِإِزَائِهَا مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ أَرْضٌ مَوَاتٌ لَا يَسْتَضِرُّ أَحَدٌ بِحَمْلِ الْمَاءِ عَلَيْهِ فَلَهُ ذَلِكَ وَيَمْلِكُهُ إذَا أَحْيَاهُ بِإِذْنِ الْإِمَامِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ عَلَى الِاخْتِلَافِ الْمَعْرُوفِ.

وَلَوْ احْتَاجَتْ هَذِهِ الْأَنْهَارُ إلَى الْكَرْيِ فَعَلَى السُّلْطَانِ كِرَاهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهَا لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ فَكَانَتْ مُؤْنَتُهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِقَوْلِهِ «الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ» وَكَذَا لَوْ خِيفَ مِنْهَا الْغَرَقُ فَعَلَى السُّلْطَانِ إصْلَاحُ مُسَنَّاتِهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِمَا قُلْنَا - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ -.

[كِتَابُ الْأَرَاضِي]

[أَنْوَاعِ الْأَرَاضِي وَبَيَانِ حُكْمِ كُلِّ نَوْعٍ مِنْهَا]

(كِتَابُ الْأَرَاضِي)

الْكَلَامُ فِي مَوْضِعَيْنِ فِي بَيَانِ أَنْوَاعِ الْأَرَاضِي وَفِي بَيَانِ حُكْمِ كُلِّ نَوْعٍ مِنْهَا.

(أَمَّا) الْأَوَّلُ: فَالْأَرَاضِي فِي الْأَصْلِ نَوْعَانِ: أَرْضٌ مَمْلُوكَةٌ، وَأَرْضٌ مُبَاحَةٌ غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ، وَالْمَمْلُوكَةُ نَوْعَانِ: عَامِرَةٌ وَخَرَابٌ، وَالْمُبَاحَةُ نَوْعَانِ أَيْضًا: نَوْعٌ هُوَ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>