وَهُوَ حَقُّ الْحُرِّيَّةِ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ، كَمَا يَتَعَذَّرُ إثْبَاتُ الْحَقِيقَةِ فِي غَيْرِهِ فَتَأَخَّرَ الْحُكْمُ إلَى وَقْتِ الْمِلْكِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ، وَهُوَ قَوْلُ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ لِأَنَّ السَّبَبَ عِنْدَهُ عُلُوقُ الْوَلَدِ حُرًّا عَلَى الْإِطْلَاقِ وَلَمْ يُوجَدْ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ رَقِيقٌ فِي حَقِّ مَوْلَاهُ، وَإِذَا مَلَكَ وَلَدَهُ الَّذِي اسْتَوْلَدَهُ عَتَقَ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ أَمَّا عِنْدَنَا فَلِأَنَّهُ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ فَيَعْتِقُ.
وَأَمَّا عِنْدَهُ فَلِأَنَّهُ مَلَكَ وَلَدًا ثَابِتَ النَّسَبِ مِنْهُ شَرْعًا، وَكَذَلِكَ إذَا ثَبَتَ النَّسَبُ مِنْ غَيْرِ مَالِكِ الْجَارِيَةِ بِوَطْءٍ بِشُبْهَةٍ، ثُمَّ مَلَكَهَا فَقَدْ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ حِينَ مَلَكَهَا عِنْدَنَا لِوُجُودِ السَّبَبِ، وَعِنْدَهُ لَا؛ لِانْعِدَامِ السَّبَبِ، وَلَوْ مَلَكَ الْوَلَدَ عَتَقَ لِمَا قُلْنَا، وَلَوْ زَنَى بِجَارِيَةٍ فَاسْتَوْلَدَهَا بِأَنْ قَالَ: زَنَيْتُ بِهَا أَوْ فَجَرْت بِهَا أَوْ قَالَ: هُوَ ابْنِي مِنْ زِنًا أَوْ فُجُورٍ.
وَصَدَّقَتْهُ وَصَدَّقَهُ مَوْلَاهَا فَوَلَدَتْ ثُمَّ مَلَكَهَا لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ، وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ، وَالْقِيَاسُ أَنْ تَصِيرَ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ السَّبَبَ عِنْدَهُ ثُبُوتُ النَّسَبِ مُطْلَقًا، وَقَدْ ثَبَتَ النَّسَبُ حَقِيقَةً بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ تَمَلَّك الْوَلَدَ عَتَقَ عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا، وَالسَّبَبُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ هُوَ ثُبُوتُ نَسَبِ الْوَلَدِ شَرْعًا وَلَمْ يَثْبُتْ.
[فَصْلٌ فِي شَرْط الِاسْتِيلَاد]
وَأَمَّا شَرْطُهُ فَمَا هُوَ شَرْطُ ثُبُوتِ النَّسَبِ شَرْعًا، وَهُوَ الْفِرَاشُ وَلَا فِرَاشَ إلَّا بِمِلْكِ الْيَمِينِ، أَوْ شُبْهَةٍ، أَوْ تَأْوِيلِ الْمِلْكِ أَوْ مِلْكِ النِّكَاحِ، أَوْ شُبْهَتِهِ.
وَلَا تَصِيرُ الْأَمَةُ فِرَاشًا فِي مِلْكِ الْيَمِينِ بِنَفْسِ الْوَطْءِ بَلْ بِالْوَطْءِ مَعَ قَرِينَةِ الدَّعْوَى عِنْدَنَا، وَهِيَ مِنْ مَسَائِلِ كِتَابِ الدَّعْوَى، فَلَا يَثْبُتُ الِاسْتِيلَادُ بِدُونِ الدَّعْوَةِ، وَيَسْتَوِي فِي الِاسْتِيلَادِ مِلْكُ الْقِنَّةِ وَالْمُدَبَّرَةِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي إثْبَاتِ النَّسَبِ إلَّا أَنَّ الْمُدَبَّرَةَ إذَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ بَطَلَ التَّدْبِيرُ؛ لِأَنَّ أُمِّيَّةَ الْوَلَدِ أَنْفَعُ لَهَا.
أَلَا تَرَى أَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ لَا تَسْعَى لِغَرِيمٍ وَلَا لِوَارِثٍ، وَالْمُدَبَّرَةُ تَسْعَى وَيَسْتَوِي فِي ثَبَاتِ النَّسَبِ مِلْكُ كُلِّ الْجَارِيَةِ وَبَعْضِهَا، وَكَذَا فِي الِاسْتِيلَادِ حَتَّى لَوْ أَنَّ جَارِيَةً بَيْنَ اثْنَيْنِ عُلِّقَتْ فِي مِلْكِهِمَا فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا، يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ وَصَارَتْ الْجَارِيَةُ كُلُّهَا أُمَّ وَلَدٍ لَهُ بِالضَّمَانِ، وَهُوَ نِصْفُ قِيمَةِ الْجَارِيَةِ، وَيَسْتَوِي فِي هَذَا الضَّمَانِ الْيَسَارُ وَالْإِعْسَارُ وَيَغْرَمُ نِصْفَ الْعُقْرِ لِشَرِيكِهِ، وَلَا يَضْمَنُ مِنْ قِيمَةِ الْوَلَدِ شَيْئًا.
أَمَّا ثُبُوتُ النَّسَبِ فَلِحُصُولِ الْوَطْءِ فِي مَحَلٍّ لَهُ فِيهِ مِلْكٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ مِنْ الْمِلْكِ أَوْجَبَ ثُبُوتَ النَّسَبِ بِقَدْرِهِ، وَالنَّسَبُ لَا يَتَجَزَّأُ وَإِذَا ثَبَتَ فِي بَعْضِهِ ثَبَتَ فِي كُلِّهِ ضَرُورَةَ عَدَمِ التَّجَزُّؤِ، وَلِأَنَّ النَّسَبَ ثَبَتَ بِشُبْهَةِ الْمِلْكِ فَلَأَنْ يَثْبُتَ بِحَقِيقَةِ الْمِلْكِ أَوْلَى.
وَأَمَّا صَيْرُورَةُ الْجَارِيَةِ كُلِّهَا أُمَّ وَلَدٍ لَهُ، فَالنِّصْفُ قَضِيَّةٌ لِلتَّسَبُّبِ؛ لِأَنَّ نِصْفَ الْجَارِيَةِ مَمْلُوكٌ لَهُ، وَالنِّصْفُ الْآخَرُ إمَّا بِاعْتِبَارِ أَنَّ الِاسْتِيلَادَ لَا يَتَجَزَّأُ فِيمَا يُمْكِنُ نَقْلُ الْمِلْكِ فِيهِ، فَإِذَا ثَبَتَ فِي الْبَعْضِ يَثْبُتُ فِي الْكُلِّ لِضَرُورَةِ عَدَمِ التَّجَزُّؤِ وَإِمَّا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ وُجِدَ سَبَبُ التَّكَامُلِ، وَهُوَ النَّسَبُ عَلَى كَوْنِهِ مُتَجَزِّئًا فِي نَفَسِهِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الِاسْتِيلَادِ هُوَ ثُبُوتُ النَّسَبِ، وَالنَّسَبُ لَا يَتَجَزَّأُ وَالْحُكْمُ عَلَى وَفْقِ الْعِلَّةِ فَثَبَتَ الِاسْتِيلَادُ، وَفِي نَصِيبِهِ قَضِيَّةٌ لِلسَّبَبِ ثُمَّ يَتَكَامَلُ فِي الْبَاقِي بِسَبَبِ النَّسَبِ، وَإِمَّا بِاعْتِبَارِ سَبَبٍ آخَرَ أَوْجَبَ التَّكَامُلَ عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْخِلَافِيَّاتِ، ثُمَّ لَا سَبِيلَ إلَى التَّكَامُلِ بِدُونِ مِلْكِ نَصِيبِ شَرِيكِهِ فَيَصِيرُ مُتَمَلِّكًا نَصِيبَ شَرِيكِهِ ضَرُورَةَ صِحَّةِ الِاسْتِيلَادِ فِي ذَلِكَ النَّصِيبِ، وَلَا سَبِيلَ إلَى تَمَلُّكِ مَالِ الْغَيْرِ مِنْ غَيْرِ بَدَلٍ، فَيَتَمَلَّكُهُ بِالْبَدَلِ وَهُوَ نِصْفُ قِيمَتِهَا، وَإِنَّمَا اسْتَوَى فِي هَذَا الضَّمَانِ حَالَةُ الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ مِلْكٍ كَضَمَانِ الْمَبِيعِ.
وَأَمَّا وُجُوبُ نِصْفِ الْعُقْرِ فَلِوُجُودِ الْإِقْرَارِ مِنْهُ بِوَطْءِ مِلْكِ الْغَيْرِ، وَأَنَّهُ حَرَامٌ إلَّا أَنَّ الْحَدَّ لَمْ يَجِبْ لِمَكَانِ شُبْهَةٍ لِحُصُولِ الْوَطْءِ فِي مِلْكِهِ وَمِلْكِ شَرِيكِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ وُجُوبِ الْعُقْرِ وَلَا يَدْخُلُ الْعُقْرُ فِي ضَمَانِ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ نِصْفِ الْقِيمَةِ ضَمَانُ الْجُزْءِ، وَضَمَانُ الْبِضْعِ ضَمَانُ الْجُزْءِ، وَلِأَنَّ مَنَافِعَ الْبُضْعِ لَهَا حُكْمُ الْأَجْزَاءِ، وَضَمَانُ الْجُزْءِ لَا يَدْخُلُ فِي مِثْلِهِ.
وَأَمَّا عَدَمُ وُجُوبِ نِصْفِ قِيمَةِ الْوَلَدِ فَلِأَنَّهُ يَمْلِكُ نَصِيبَ شَرِيكِهِ بِالْعُلُوقِ السَّابِقِ فَصَارَ الْوَلَدُ جَارِيًا عَلَى مِلْكِهِ فَلَا يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ الْوَلَدَ فِي حَالِ الْعُلُوقِ لَا قِيمَةَ لَهُ فَلَا يُقَابَلُ بِالضَّمَانِ، وَلِأَنَّهُ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْأَوْصَافِ فَلَا يُفْرَدُ بِالضَّمَانِ، وَيَسْتَوِي فِي ثُبُوتِ النَّسَبِ وَصَيْرُورَةِ الْجَارِيَةِ أُمَّ وَلَدٍ مِلْكُ الذَّاتِ وَمِلْكُ الْيَدِ كَالْمُكَاتَبِ إذَا اسْتَوْلَدَ جَارِيَةً مِنْ إكْسَابِهِ عَلَى مَا نَذْكُرُ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَيَسْتَوِي فِي دَعْوَةِ النَّسَبِ حَالَةُ الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ مِنْ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ، وَكَذَلِكَ إذَا ادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا وَأَعْتَقَهُ الْآخَرُ وَخَرَجَ الْقَوْلُ مِنْهُمَا مَعًا، فَعِتْقُهُ بَاطِلٌ وَدَعْوَةُ صَاحِبِهِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الدَّعْوَةَ اسْتَنَدَتْ إلَى حَالَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ، وَهِيَ