الْمُحَرَّمَاتِ بِالْقَرَابَةِ بَيَانَ إبْلَاغٍ وَبَيَّنَ الْمُحَرَّمَاتِ بِالرَّضَاعَةِ بَيَانَ كِفَايَةٍ حَيْثُ لَمْ يَذْكُرْ عَلَى التَّصْرِيحِ وَالتَّنْصِيصِ إلَّا الْأُمَّهَاتِ وَالْأَخَوَاتِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ﴾ [النساء: ٢٣] لِيُعْلَمَ حُكْمُ غَيْرِ الْمَذْكُورِ بِطَرِيقِ الِاجْتِهَادِ بِالِاسْتِدْلَالِ.
وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ نَذْكُرُهُ فِي كِتَابِ الرَّضَاعِ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ: ﷺ «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» ، وَعَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ أَيْضًا.
وَكَذَا كُلُّ مَنْ يَحْرُمُ مِمَّنْ ذَكَرْنَا مِنْ الْفِرَقِ الْأَرْبَعِ بِالْمُصَاهَرَةِ يَحْرُمُ بِالرَّضَاعِ، فَيَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ أُمُّ زَوْجَتِهِ وَبِنْتُهَا مِنْ الرَّضَاعِ إلَّا أَنَّ الْأُمَّ تَحْرُمُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ إذَا كَانَ صَحِيحًا، وَالْبِنْتُ لَا تَحْرُمُ إلَّا بِالدُّخُولِ بِالْإِحْرَامِ.
وَكَذَا جَدَّاتُ الزَّوْجَةِ لِأَبِيهَا وَأُمِّهَا، وَإِنْ عَلَوْنَ وَبَنَاتُ بَنَاتِهَا وَبَنَاتُ أَبْنَائِهَا وَإِنْ سَفَلْنَ مِنْ الرَّضَاعِ.
وَكَذَا يَحْرُمُ حَلِيلَةُ ابْنِ الرَّضَاعِ وَابْنِ ابْنِ الرَّضَاعِ، وَإِنْ سَفَلَ عَلَى أَبِي الرَّضَاعِ وَأَبِي أَبِيهِ وَتَحْرُمُ مَنْكُوحَةُ أَبِي الرَّضَاعِ وَأَبِي أَبِيهِ، وَإِنْ عَلَا عَلَى ابْنِ الرَّضَاعِ وَابْنِ ابْنِهِ وَإِنْ سَفَلَ وَكَذَا يَحْرُمُ بِالْوَطْءِ أُمُّ الْمَوْطُوءَةِ وَبِنْتُهَا مِنْ الرَّضَاعِ عَلَى الْوَاطِئِ.
وَكَذَا جَدَّاتُهَا وَبَنَاتُ بَنَاتِهَا وَتَحْرُمُ الْمَوْطُوءَةُ عَلَى أَبِي الْوَاطِئِ وَابْنِهِ مِنْ الرَّضَاعِ.
وَكَذَا عَلَى أَجْدَادِهِ وَإِنْ عَلَوْا وَعَلَى أَبْنَاءِ أَبْنَائِهِ وَإِنْ سَفَلُوا سَوَاءٌ كَانَ الْوَطْءُ حَلَالًا بِأَنْ كَانَ يَمْلِكُ الْيَمِينَ أَوْ كَانَ الْوَطْءُ بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ أَوْ شُبْهَةِ نِكَاحٍ أَوْ كَانَ زِنًا، وَالْأَصْلُ أَنَّهُ يَحْرُمُ بِسَبَبِ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ بِسَبَبِ النَّسَبِ وَسَبَبِ الْمُصَاهَرَةِ إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ يَخْتَلِفُ فِيهِمَا حُكْمُ الْمُصَاهَرَةِ وَالرَّضَاعِ نَذْكُرُهُمَا فِي كِتَابِ الرَّضَاعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
[فَصْلٌ أَنْوَاعُ الْجَمْع بَيْنَ ذَوَاتِ الْأَرْحَامِ مِنْهُ جَمْعٌ فِي النِّكَاحِ]
(فَصْلٌ) :
وَمِنْهَا أَنْ لَا يَقَعَ نِكَاحُ الْمَرْأَةِ الَّتِي يَتَزَوَّجُهَا جَمْعًا بَيْنَ ذَوَاتِ الْأَرْحَامِ وَلَا بَيْنَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ فِي الْأَجْنَبِيَّاتِ.
وَجُمْلَةُ الْكَلَامِ فِي الْجَمْعِ أَنَّ الْجَمْعَ فِي الْأَصْلِ نَوْعَانِ: جَمْعٌ بَيْنَ ذَوَاتِ الْأَرْحَامِ وَجَمْعٌ بَيْنَ الْأَجْنَبِيَّاتِ، أَمَّا.
الْجَمْعُ بَيْنَ ذَوَاتِ الْأَرْحَامِ فَنَوْعَانِ: أَيْضًا جَمْعٌ فِي النِّكَاحِ وَجَمْعٌ فِي الْوَطْءِ وَدَوَاعِيهِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ، أَمَّا.
الْجَمْعُ بَيْنَ ذَوَاتِ الْأَرْحَامِ فِي النِّكَاحِ فَنَقُولُ: لَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ فِي النِّكَاحِ حَرَامٌ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ﴾ [النساء: ٢٣] مَعْطُوفًا عَلَى قَوْلِهِ ﷿: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ﴾ [النساء: ٢٣] ، وَلِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا يُفْضِي إلَى قَطِيعَةِ الرَّحِمِ؛ لِأَنَّ الْعَدَاوَةَ بَيْنَ الضَّرَّتَيْنِ ظَاهِرَةٌ، وَأَنَّهَا تُفْضِي إلَى قَطِيعَةِ الرَّحِمِ، وَقَطِيعَةُ الرَّحِمِ حَرَامٌ فَكَذَا الْمُفْضِي، وَكَذَا الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَبِنْتِهَا لِمَا قُلْنَا بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ قَرَابَةَ الْوِلَادِ مُفْتَرَضَةُ الْوَصْلِ بِلَا خِلَافٍ، وَاخْتُلِفَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ ذَوَاتَيْ رَحِمٍ مَحْرَمٍ سِوَى هَذَيْنِ الْجَمْعَيْنِ بَيْنَ امْرَأَتَيْنِ لَوْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا رَجُلًا لَا يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُ الْأُخْرَى مِنْ الْجَانِبَيْنِ جَمِيعًا أَيَّتُهُمَا كَانَتْ غَيْرَ عَيْنٍ كَالْجَمْعِ بَيْنَ امْرَأَةٍ وَعَمَّتِهَا، وَالْجَمْعِ بَيْنَ امْرَأَةٍ وَخَالَتِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ.
قَالَ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ: لَا يَجُوزُ وَقَالَ عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ: الْجَمْعُ فِيمَا سِوَى الْأُخْتَيْنِ وَسِوَى الْمَرْأَةِ وَبِنْتِهَا لَيْسَ بِحَرَامٍ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ﴾ [النساء: ٢٤] ذَكَرَ الْمُحَرَّمَاتِ.
وَذَكَرَ فِيمَا حَرَّمَ الْجَمْعَ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ، وَأَحَلَّ مَا وَرَاءَ ذَلِكَ، وَالْجَمْعُ فِيمَا سِوَى الْأُخْتَيْنِ لَمْ يَدْخُلْ فِي التَّحْرِيمِ فَكَانَ دَاخِلًا فِي الْإِحْلَالِ إلَّا أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَبِنْتِهَا حُرِّمَ بِدَلَالَةِ النَّصِّ؛ لِأَنَّ قَرَابَةَ الْوِلَادِ أَقْوَى، فَالنَّصُّ الْوَارِدُ ثَمَّةَ يَكُونُ وَارِدًا هَهُنَا مِنْ طَرِيقِ الْأَوْلَى، وَلَنَا الْحَدِيثُ الْمَشْهُورُ، وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا وَلَا عَلَى خَالَتِهَا وَلَا عَلَى ابْنَةِ أَخِيهَا وَلَا عَلَى ابْنَةِ أُخْتِهَا» ، وَزَادَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ " لَا الصُّغْرَى عَلَى الْكُبْرَى وَلَا الْكُبْرَى عَلَى الصُّغْرَى " الْحَدِيثَ أَخْبَرَ أَنَّ مَنْ تَزَوَّجَ عَمَّةً ثُمَّ بِنْتَ أَخِيهَا أَوْ خَالَةً ثُمَّ بِنْتَ أُخْتِهَا لَا يَجُوزُ، ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّهُ إذَا تَزَوَّجَ بِنْتَ الْأَخِ أَوَّلًا ثُمَّ الْعَمَّةَ أَوْ بِنْتَ الْأُخْتِ أَوَّلًا ثُمَّ الْخَالَةَ لَا يَجُوزُ أَيْضًا لِئَلَّا يُشْكِلَ أَنَّ حُرْمَةَ الْجَمْعِ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مُخْتَصَّةً بِأَحَدِ الطَّرَفَيْنِ دُونَ الْآخَرِ كَنِكَاحِ الْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَيَجُوزُ نِكَاحُ الْحُرَّةِ عَلَى الْأَمَةِ؛ وَلِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ ذَوَاتَيْ رَحِمٍ مَحْرَمٍ فِي النِّكَاحِ سَبَبٌ لِقَطِيعَةِ الرَّحِمِ؛ لِأَنَّ الضَّرَّتَيْنِ يَتَنَازَعَانِ وَيَخْتَلِفَانِ وَلَا يَأْتَلِفَانِ هَذَا أَمْرٌ مَعْلُومٌ بِالْعُرْفِ وَالْعَادَةِ، وَذَلِكَ يُفْضِي إلَى قَطْعِ الرَّحِمِ، وَأَنَّهُ حَرَامٌ، وَالنِّكَاحُ سَبَبٌ فَيَحْرُمُ حَتَّى لَا يُؤَدِّيَ إلَيْهِ، وَإِلَى هَذَا الْمَعْنَى أَشَارَ النَّبِيُّ ﷺ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ فِيمَا رُوِيَ أَنَّهُ قَالَ: «إنَّكُمْ لَوْ فَعَلْتُمْ ذَلِكَ لَقَطَعْتُمْ أَرْحَامَهُنَّ» وَرُوِيَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ