للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِالنِّكَاحِ إذْ لَا يَحِلُّ لَهُنَّ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مَنْكُوحَةً فَيُوقِعُ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ تَطْلِيقَةً رَجْعِيَّةً وَيَتْرُكُهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا فَتَبِينَ وَإِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهُنَّ وَبِنَّ فَأَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْكُلَّ فِي عُقْدَةٍ وَاحِدَةٍ قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجْنَ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ مُطَلَّقَةٌ ثَلَاثَةً بِيَقِينٍ.

وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ فَالْأَحْسَنُ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَهَا إلَّا بَعْدَ أَنْ يَتَزَوَّجْنَ كُلُّهُنَّ بِزَوْجٍ آخَرَ لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ الَّتِي يَتَزَوَّجُهَا هِيَ الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا فَلَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِذَا تَزَوَّجْنَ بِغَيْرِهِ فَقَدْ حَلَلْنَ بِيَقِينٍ فَلَوْ أَنَّهُ تَزَوَّجَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجْنَ بِغَيْرِهِ جَازَ نِكَاحُهَا؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ يُحْمَلُ عَلَى الْجَوَازِ وَالصِّحَّةِ وَلَا يَصِحُّ إلَّا بِالْبَيَانِ فَكَانَ إقْدَامُهُ عَلَى نِكَاحِهَا بَيَانًا أَنَّهَا لَيْسَتْ بِمُطَلَّقَةٍ بَلْ هِيَ مَنْكُوحَةٌ.

وَكَذَا إذَا تَزَوَّجَ الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ جَازَ لِمَا قُلْنَا وَتَعَيَّنَتْ الرَّابِعَةُ لِلطَّلَاقِ ضَرُورَةَ انْتِفَاءِ الْمُزَاحِمِ.

وَكَذَا إذَا كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَتَزَوَّجَ إحْدَاهُمَا تَعَيَّنَتْ الْأُخْرَى لِلطَّلَاقِ؛ لِأَنَّا نَحْمِلُ نِكَاحَ الَّتِي تَزَوَّجَهَا عَلَى الْجَوَازِ وَلَا جَوَازَ لَهُ إلَّا بِتَعْيِينِ الْأُخْرَى لِلطَّلَاقِ فَتَتَعَيَّنُ الْأُخْرَى لِلطَّلَاقِ ضَرُورَةً هَذَا إذَا كَانَ الطَّلَاقُ ثَلَاثًا فَإِنْ كَانَ بَائِنًا يَنْكِحُهُنَّ جَمِيعًا نِكَاحًا جَدِيدًا وَلَا يَحْتَاجُ إلَى الطَّلَاقِ، وَإِنْ كَانَ رَجْعِيًّا يُرَاجِعُهُنَّ جَمِيعًا.

وَإِذَا كَانَ الطَّلَاقُ ثَلَاثًا فَمَاتَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ قَبْلَ الْبَيَانِ فَالْأَحْسَنُ أَنْ لَا يَطَأَ الْبَاقِيَاتِ إلَّا بَعْدَ بَيَانِ الْمُطَلَّقَةِ لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ الْمُطَلَّقَةُ فِيهِنَّ، وَإِنْ وَطِئَهُنَّ قَبْلَ الْبَيَانِ جَازَ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْعَاقِلِ الْمُسْلِمِ يُحْمَلُ عَلَى وَجْهِ الْجَوَازِ مَا أَمْكَنَ وَهَهُنَا أَمْكَنَ بِأَنْ يُحْمَلَ فِعْلُهُ عَلَى أَنَّهُ تَذَكَّرَ أَنَّ الْمَيِّتَةَ كَانَتْ هِيَ الْمُطَلَّقَةُ إذْ الْبَيَانُ فِي الْجَهَالَةِ الطَّارِئَةِ إظْهَارٌ وَتَعْيِينٌ لِمَنْ وَقَعَ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ بِلَا خِلَافٍ فَلَا تَكُونُ حَيَاتُهَا شَرْطًا لِجَوَازِ بَيَانِ الطَّلَاقِ فِيهَا وَإِذَا تَعَيَّنَتْ هِيَ لِلطَّلَاقِ تَعَيَّنَتْ الْبَاقِيَاتُ لِلنِّكَاحِ فَلَا يُمْنَعُ مِنْ وَطْئِهِنَّ بِخِلَافِ الْجَهَالَةِ الْأَصْلِيَّةِ إذَا مَاتَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ أَنَّهَا لَا تَتَعَيَّنُ لِلطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ هُنَاكَ يَقَعُ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَهُوَ الْبَيَانُ مَقْصُورًا عَلَيْهِ، وَالْمَحَلُّ لَيْسَ بِقَابِلٍ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ وَقْتَ الْبَيَانِ ثُمَّ الْبَيَانُ ضَرْبَانِ نَصٌّ وَدَلَالَةٌ: أَمَّا النَّصُّ فَهُوَ أَنْ يُبَيِّنَ الْمُطَلَّقَةَ نَصًّا فَيَقُولُ هَذِهِ هِيَ الَّتِي كُنْت طَلَّقْتُهَا.

وَأَمَّا الدَّلَالَةُ فَهِيَ أَنْ يَفْعَلَ أَوْ يَقُولَ مَا يَدُلُّ عَلَى الْبَيَانِ، مِثْلُ أَنْ يَطَأَ وَاحِدَةً أَوْ يُقَبِّلَهَا أَوْ يُطَلِّقَهَا أَوْ يَحْلِفَ بِطَلَاقِهَا أَوْ يُظَاهِرَ مِنْهَا فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ تَعَيَّنَتْ الْأُخْرَى لِلطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ أَوْ قَوْلَهُ يُحْمَلُ عَلَى الْجَوَازِ، وَلَا يَجُوزُ إلَّا بِتَعْيِينِ الْأُخْرَى لِلطَّلَاقِ فَكَانَ الْإِقْدَامُ عَلَيْهِ تَعْيِينًا لِلْأُخْرَى لِلطَّلَاقِ ضَرُورَةً.

وَكَذَا إذَا قَالَ هَذِهِ مَنْكُوحَةٌ، وَأَشَارَ إلَى إحْدَاهُمَا تَتَعَيَّنُ الْأُخْرَى لِلطَّلَاقِ ضَرُورَةً.

وَكَذَا إذَا قَالَ هَذِهِ مَنْكُوحَةٌ، وَإِنْ كُنَّ أَرْبَعًا أَوْ ثَلَاثًا تَعَيَّنَتْ الْبَاقِيَاتُ لِكَوْنِ الْمُطَلَّقَةُ فِيهِنَّ فَتَتَعَيَّنُ بِالْبَيَانِ نَصًّا أَوْ دَلَالَةً بِالْفِعْلِ أَوْ بِالْقَوْلِ عَلَى مَا مَرَّ بَيَانُهُ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ وَلَوْ كُنَّ أَرْبَعًا وَلَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهِنَّ فَتَزَوَّجَ أُخْرَى قَبْلَ الْبَيَانِ جَازَ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ وَاقِعٌ فِي إحْدَاهُنَّ فَكَانَ هَذَا نِكَاحَ الرَّابِعَةِ فَلَا يَتَحَقَّقُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْخَمْسِ فَيَجُوزُ.

وَإِنْ كُنَّ مَدْخُولًا بِهِنَّ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يَتَحَقَّقُ الْجَمْعُ لِقِيَامِ النِّكَاحِ مِنْ وَجْهٍ لِقِيَامِ الْعِدَّةِ وَلَوْ كَانَ الطَّلَاقُ فِي الصِّحَّةِ فَبَيَّنَ فِي وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ فِي مَرَضِهِ ثُمَّ مَاتَ لَمْ تَرِثْهُ؛ لِأَنَّ الْبَيَانَ هَهُنَا إظْهَارٌ وَتَعْيِينٌ لِمَنْ وَقَعَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ وَالْوُقُوعُ كَانَ فِي الصِّحَّةِ فَلَا تَرِثُ بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ.

(وَأَمَّا) الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ بَعْدَ مَوْتِ الزَّوْجِ فَأَحْكَامُهُ ثَلَاثَةٌ: حُكْمُ الْمَهْرِ، وَحُكْمُ الْمِيرَاثِ، وَحُكْمُ الْعِدَّةِ، وَقَدْ بَيَّنَّاهَا فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ، وَالْفَصْلَانِ لَا يَخْتَلِفَانِ فِي هَذِهِ الْأَحْكَامِ فَمَا عَرَفْت مِنْ الْجَوَابِ فِي الْأَوَّلِ فَهُوَ الْجَوَابُ فِي الثَّانِي، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

[كِتَابُ الظِّهَارِ]

[رُكْن الظِّهَار]

(كِتَابُ الظِّهَارِ) :

يُحْتَاجُ فِي هَذَا الْكِتَابِ إلَى مَعْرِفَةِ رُكْنِ الظِّهَارِ، وَإِلَى مَعْرِفَةِ شَرَائِطِ الرُّكْنِ، وَإِلَى مَعْرِفَةِ حُكْمِ الظِّهَارِ، وَإِلَى مَعْرِفَةِ مَا يَنْتَهِي بِهِ حُكْمُهُ، وَإِلَى مَعْرِفَةِ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ أَمَّا.

رُكْنُ الظِّهَارِ فَهُوَ اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى الظِّهَارِ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُ الرَّجُلِ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، يُقَالُ: ظَاهَرَ الرَّجُلُ مِنْ امْرَأَتِهِ وَظَاهَرَ وَتَظَاهَرَ وَأَظْهَرَ وَتَظْهَرُ أَيْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، وَيَلْحَقُ بِهِ قَوْلُهُ أَنْتِ عَلَيَّ كَبَطْنِ أُمِّي أَوْ فَخِذِ أُمِّي أَوْ فَرْجِ أُمِّي، وَلِأَنَّ مَعْنَى الظِّهَارِ تَشْبِيهُ الْحَلَالِ بِالْحَرَامِ؛ وَلِهَذَا وَصَفَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِكَوْنِهِ مُنْكَرًا مِنْ الْقَوْلِ وَزُورًا فَقَالَ فِي آيَةِ الظِّهَارِ ﴿وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا﴾ [المجادلة: ٢] .

وَبَطْنُ الْأُمِّ وَفَخِذُهَا فِي الْحُرْمَةِ مِثْلُ ظَهْرِهَا، وَلِفَرْجِهَا مَزِيدُ حُرْمَةٍ فَتَزْدَادُ جِنَايَتُهُ فِي كَوْنِ قَوْلِهِ مُنْكَرًا وَزُورًا فَيَتَأَكَّدُ الْجَزَاءُ وَهُوَ الْحُرْمَةُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>