النَّبِيِّ ﷺ «وَعَائِشَةُ ﵂ كَانَتْ تَقُومُ فِي حَيِّزِ صُفُوفِ النِّسَاءِ وَهُوَ آخِرُ الصُّفُوفِ، وَسَهْلُ بْنُ سَعْدٍ كَانَ مِنْ الصِّغَارِ وَكَانَ فِي أُخْرَيَاتِ الصُّفُوفِ وَكَانَا يَسْمَعَانِ التَّسْلِيمَةَ الْأَوْلَى لِرَفْعِهِ ﷺ بِهَا صَوْتَهُ وَلَا يَسْمَعَانِ الثَّانِيَةَ لِخَفْضِهِ بِهَا صَوْتَهُ» ، وَقَوْلُهُمْ التَّحْلِيلُ يَحْصُلُ بِالْأُولَى فَكَذَلِكَ وَلَكِنَّ الثَّانِيَةَ لَيْسَتْ لِلتَّحْلِيلِ بَلْ لِلتَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْقَوْمِ فِي التَّسْلِيمِ عَلَيْهِمْ وَالتَّحِيَّةِ، وَبِهِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى التَّسْلِيمَةِ الثَّالِثَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِهَا التَّحْلِيلُ وَلَا التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْقَوْمِ، وَالتَّحِيَّةُ وَرَدُّ السَّلَامِ عَلَى الْإِمَامِ يَحْصُلُ بِالتَّسْلِيمَتَيْنِ، إلَيْهِ أَشَارَ أَبُو حَنِيفَةَ حِينَ سَأَلَهُ أَبُو يُوسُفَ هَلْ يَرُدُّ عَلَى الْإِمَامِ السَّلَامَ مَنْ خَلْفَهُ فَيَقُولُ وَعَلَيْكَ؟ قَالَ: لَا.
وَتَسْلِيمُهُمْ رَدٌّ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ التَّسْلِيمَةَ الثَّالِثَةَ لَوْ كَانَتْ ثَابِتَةً لَفَعَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَلَعَلَّمَهَا الْأُمَّةَ فِعْلًا كَمَا فَعَلُوا التَّسْلِيمَتَيْنِ.
(وَأَمَّا) كَيْفِيَّةُ التَّسْلِيمِ فَهُوَ أَنْ يَقُولَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ.
وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ، وَقَالَ مَالِكٌ يَقُولُ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَلَا يَزِيدُ عَلَيْهِ وَالصَّحِيحُ قَوْلُ الْعَامَّةِ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعَمَّارٍ وَعُتْبَةَ وَغَيْرِهِمْ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ هَكَذَا.
(وَأَمَّا) سُنَنُ التَّسْلِيمِ فَنَذْكُرُهَا فِي بَابِ سُنَنِ هَذِهِ الصَّلَوَاتِ.
(وَأَمَّا) حُكْمُهُ فَهُوَ الْخُرُوجُ مِنْ الصَّلَاةِ، ثُمَّ الْخُرُوجُ يَتَعَلَّقُ بِإِحْدَى التَّسْلِيمَتَيْنِ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ.
وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ: التَّسْلِيمَةُ الْأُولَى لِلْخُرُوجِ وَالتَّحِيَّةِ، وَالتَّسْلِيمَةُ الثَّانِيَةُ لِلتَّحِيَّةِ خَاصَّةً، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَخْرُجُ مَا لَمْ يُوجَدْ التَّسْلِيمَتَيْنِ جَمِيعًا وَهُوَ خِلَافُ إجْمَاعِ السَّلَفِ، وَلِأَنَّ التَّسْلِيمَ تَكْلِيمُ الْقَوْمِ؛ لِأَنَّهُ خِطَابٌ لَهُمْ فَكَانَ مُنَافِيًا لِلصَّلَاةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ وُجِدَ فِي وَسَطِ الصَّلَاةِ يُخْرِجُهُ عَنْ الصَّلَاةِ؟ .
[فَصْلٌ حُكْمُ التَّكْبِيرِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ]
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا الَّذِي هُوَ فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْخُرُوجِ مِنْهَا، فَالتَّكْبِيرُ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فِيهِ يَقَعُ فِي مَوَاضِعَ، فِي تَفْسِيرِهِ، وَفِي وُجُوبِهِ، وَفِي وَقْتِهِ، وَفِي مَحَلِّ أَدَائِهِ، وَفِيمَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ، وَفِي أَنَّهُ هَلْ يُقْضَى بَعْدَ الْفَوَاتِ فِي الصَّلَاةِ الَّتِي دَخَلَتْ فِي حَدِّ الْقَضَاءِ؟ .
(أَمَّا) الْأَوَّلُ فَقَدْ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ عَنْ الصَّحَابَةِ ﵃ فِي تَفْسِيرِ التَّكْبِيرِ، رُوِيَ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ ﵄، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَأَجَلُّ، اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ، وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ.
وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ الْحَيُّ الْقَيُّومُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٍ، وَإِنَّمَا أَخَذْنَا بِقَوْلِ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ ﵄؛ لِأَنَّهُ الْمَشْهُورُ وَالْمُتَوَارَثُ مِنْ الْأُمَّةِ؛ وَلِأَنَّهُ أَجْمَعُ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى التَّكْبِيرِ وَالتَّهْلِيلِ وَالتَّحْمِيدِ فَكَانَ أَوْلَى.
[فَصْلٌ بَيَانُ وُجُوبِ تَكْبِيرِ التَّشْرِيقِ]
(فَصْلٌ) :
(وَأَمَّا) بَيَانُ وُجُوبِهِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ وَاجِبٌ، وَقَدْ سَمَّاهُ الْكَرْخِيُّ سُنَّةً ثُمَّ فَسَّرَهُ بِالْوَاجِبِ فَقَالَ: تَكْبِيرُ التَّشْرِيقِ سُنَّةٌ مَاضِيَةٌ نَقَلَهَا أَهْلُ الْعِلْمِ وَأَجْمَعُوا عَلَى الْعَمَلِ بِهَا، وَإِطْلَاقُ اسْمِ السُّنَّةِ عَلَى الْوَاجِبِ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ عِبَارَةٌ عَنْ الطَّرِيقَةِ الْمَرْضِيَّةِ أَوْ السِّيرَةِ الْحَسَنَةِ، وَكُلُّ وَاجِبٍ هَذِهِ صِفَتُهُ، وَدَلِيلُ الْوُجُوبِ قَوْله تَعَالَى ﴿وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ﴾ [البقرة: ٢٠٣] ، وَقَوْلُهُ ﴿وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ﴾ [الحج: ٢٧] إلَى قَوْلِهِ ﴿فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ﴾ [الحج: ٢٨] قِيلَ: الْأَيَّامُ الْمَعْدُودَاتُ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ، وَالْمَعْلُومَاتُ أَيَّامُ الْعَشْرِ، وَقِيلَ: كِلَاهُمَا أَيَّامُ التَّشْرِيقِ، وَقِيلَ: الْمَعْلُومَاتُ يَوْمُ النَّحْرِ وَيَوْمَانِ بَعْدَهُ، وَالْمَعْدُودَاتُ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَ فِي الْأَيَّامِ الْمَعْدُودَاتِ بِالذِّكْرِ مُطْلَقًا، وَذَكَرَ فِي الْأَيَّامِ الْمَعْلُومَاتِ الذِّكْرَ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ، وَهِيَ الذَّبَائِحُ وَأَيَّامُ الذَّبَائِحِ يَوْمُ النَّحْرِ وَيَوْمَانِ بَعْدَهُ وَمُطْلَقُ الْأَمْرِ لِلْوُجُوبِ.
وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «مَا مِنْ أَيَّامٍ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ تَعَالَى الْعَمَلُ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ فَأَكْثِرُوا فِيهَا مِنْ التَّكْبِيرِ وَالتَّهْلِيلِ وَالتَّسْبِيحِ» .
[فَصْلٌ وَقْتُ تَكْبِير التَّشْرِيقِ]
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا وَقْتُ التَّكْبِيرِ فَقَدْ اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ ﵃ فِي ابْتِدَاءِ وَقْتِ التَّكْبِيرِ وَانْتِهَائِهِ، اتَّفَقَ شُيُوخُ الصَّحَابَةِ نَحْوُ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَعَائِشَةَ ﵃ عَلَى الْبِدَايَةِ بِصَلَاةِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ وَبِهِ أَخَذَ عُلَمَاؤُنَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْخَتْمِ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: يُخْتَمُ عِنْدَ الْعَصْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ يُكَبِّرُ ثُمَّ يُقْطَعُ وَذَلِكَ ثَمَانِ صَلَوَاتٍ وَبِهِ أَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ ﵀، وَقَالَ عَلِيٌّ يَخْتِمُ عِنْدَ الْعَصْرِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَيُكَبِّرُ لِثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ صَلَاةً، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ عُمَرَ ﵁ وَبِهِ أَخَذَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ عُمَرَ ﵁ يَخْتِمُ عِنْدَ الظُّهْرِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ.
وَأَمَّا الشُّبَّانُ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ فَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى الْبِدَايَةِ بِالظُّهْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ أَخَذَ بِهِ غَيْرَ أَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي الْخَتْمِ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَخْتِمُ عِنْدَ