الْحَسَنِ أَنَّ حَرْفَ الْعَطْفِ قَدْ يُسْتَعْمَلُ لِلِاسْتِئْنَافِ وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ لِلصِّفَةِ فَإِنَّهُ يُقَالُ فُلَانٌ الْعَالِمُ وَالزَّاهِدُ وَالْجَوَادُ وَالشُّجَاعُ فَاحْتَمَلَ الْمُغَايِرَةَ وَاحْتَمَلَ الصِّفَةَ فَلَا تَثْبُتُ يَمِينٌ أُخْرَى مَعَ الشَّكِّ وَالْحَاصِلُ أَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ اخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي أَنَّ هَذَا يَكُونُ يَمِينًا وَاحِدَةً أَوْ يَكُونُ يَمِينَيْنِ، وَلَقَبُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ إدْخَالَ الْقَسَمِ عَلَى الْقَسَمِ قَبْلَ تَمَامِ الْكَلَامِ هَلْ يَجُوزُ؟ قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيٍّ الْفَسَوِيِّ وَالْخَلِيلِ حَتَّى حَكَى سِيبَوَيْهِ عَنْ الْخَلِيلِ أَنَّ قَوْلَهُ ﷿ ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى﴾ [الليل: ١] ﴿وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى﴾ [الليل: ٢] يَمِينٌ وَاحِدَةٌ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُ الزَّجَّاجِ وَالْفَرَّاءِ حَتَّى قَالَ الزَّجَّاجُ إنَّ قَوْلَهُ ﷿ ﴿ص﴾ [ص: ١] قَسَمٌ، وَقَوْلَهُ ﷿ ﴿وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ﴾ [ص: ١] قَسَمٌ آخَرُ، وَالْحُجَجُ وَتَعْرِيفُ تَرْجِيحِ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ عَلَى الْآخَرِ تُعْرَفُ فِي كُتُبِ النَّحْوِ، وَقَدْ قِيلَ فِي تَرْجِيحِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ عَلَى الثَّانِي إنَّا إذَا جَعَلْنَاهُمَا يَمِينًا وَاحِدَةً لَا نَحْتَاجُ إلَى إدْرَاجِ جَوَابٍ آخَرَ بَلْ يَصِيرُ قَوْلُهُ لَا أَفْعَلُ مُقْسَمًا عَلَيْهِ بِالِاسْمَيْنِ جَمِيعًا وَلَوْ جَعَلْنَا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَسَمًا عَلَى حِدَةٍ لَاحْتَجْنَا إلَى إدْرَاجِ ذِكْرِ الْمُقْسَمِ عَلَيْهِ لِأَحَدِ الِاسْمَيْنِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ وَاَللَّهِ وَاَللَّهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا فَعَلَى قِيَاسِ مَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ يَكُونُ يَمِينَيْنِ، وَرَوَى مُحَمَّدٌ فِي النَّوَادِرِ أَنَّهُ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ كَأَنَّهُ اسْتَحْسَنَ، وَحَمَلَهُ عَلَى التَّكْرَارِ لِتَعَارُفِ النَّاسِ، وَهَكَذَا ذُكِرَ فِي الْمُنْتَقَى عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إذَا قَالَ وَاَللَّهِ وَاَللَّهِ وَاَللَّهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا الْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ ثَلَاثَةَ أَيْمَانٍ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ وَاَللَّهِ وَالرَّحْمَنِ وَالرَّحِيمِ وَفِيهِ قُبْحٌ وَيَنْبَغِي فِي الِاسْتِحْسَانِ أَنْ يَكُونَ يَمِينًا وَاحِدَةً هَكَذَا ذُكِرَ، وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ وَاَللَّهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ أَنَّ الْقِيَاسَ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ وَلَكَنَّى أَسْتَحْسِنُ فَأَجْعَلُ عَلَيْهِ كَفَّارَةً وَاحِدَةً وَهَذَا كُلُّهُ فِي الِاسْمِ الْمُتَّفِقِ، تَرَكَ مُحَمَّدٌ الْقِيَاسَ وَأَخَذَ بِالِاسْتِحْسَانِ لِمَكَانِ الْعُرْفِ لِمَا زَعَمَ أَنَّ مَعَانِيَ كَلَامِ النَّاسِ عَلَيْهِ، هَذَا إذَا ذَكَرَ الْمُقْسَمَ بِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ، الْمُقْسَمَ عَلَيْهِ حَتَّى ذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ ثَانِيًا،.
فَأَمَّا إذَا ذَكَرَهُمَا جَمِيعًا ثُمَّ أَعَادَهُمَا فَإِنْ كَانَ بِحَرْفِ الْعَطْفِ بِأَنْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا وَالرَّحْمَنِ لَا أَفْعَلُ كَذَا أَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا وَاَللَّهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا فَلَا شَكَّ أَنَّهُمَا يَمِينَانِ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ فِي مَجْلِسَيْنِ أَوْ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ حَتَّى لَوْ فَعَلَ كَانَ عَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ وَكَذَا لَوْ أَعَادَهُمَا بِدُونِ حَرْفِ الْعَطْفِ بِأَنْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا وَقَالَ وَاَللَّهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا لِأَنَّهُ لَمَّا أَعَادَ الْمُقْسَمَ عَلَيْهِ مَعَ الِاسْمِ الثَّانِي عُلِمَ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ يَمِينًا أُخْرَى إذْ لَوْ أَرَادَ الصِّفَةَ أَوْ التَّأْكِيدَ لَمَا أَعَادَ الْمُقْسَمَ عَلَيْهِ، وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا أَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا.
وَقَالَ أَرَدْتُ بِالثَّانِي الْخَبَرَ عَنْ الْأَوَّلِ ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّهُ يُصَدَّقُ لِأَنَّ الْحُكْمَ الْمُتَعَلِّقَ بِالْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى هُوَ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ وَأَنَّهُ أَمْرٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَفْظُهُ مُحْتَمِلٌ فِي الْجُمْلَةِ وَإِنْ كَانَ خِلَافَ الظَّاهِرِ فَكَانَ مُصَدَّقًا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ ﷿ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ فَإِنَّ الْمُعَلَّى رَوَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ: فِي رَجُلٍ حَلَفَ فِي مَقْعَدٍ وَاحِدٍ بِأَرْبَعَةِ أَيْمَانٍ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ بِأَقَلَّ فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: سَأَلْتُ أَبَا حَنِيفَةَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ لِكُلِّ يَمِينٍ كَفَّارَةٌ، وَمَقْعَدٌ وَاحِدٌ وَمَقَاعِدُ مُخْتَلِفَةٌ وَاحِدٌ فَإِنْ قَالَ: عَنَى بِالثَّانِيَةِ الْأُولَى لَمْ يُصَدَّقْ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَيُصَدَّقُ فِي الْيَمِينِ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَالْفِدْيَةِ وَكُلُّ يَمِينٍ قَالَ فِيهَا عَلَيَّ كَذَا وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْيَمِينِ الْقُرْبُ فِي لَفْظِ الْحَالِفِ؛ لِأَنَّ لَفْظَهُ يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ وَهُوَ قَوْلُهُ عَلَيَّ كَذَا وَصِيغَةُ هَذَا صِيغَةُ الْخَبَرِ فَإِذَا أَرَادَ بِالثَّانِيَةِ الْخَبَرَ عَنْ الْأَوَّلِ صَحَّ بِخِلَافِ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّ الْوَاجِبَ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى لَيْسَ فِي لَفْظِ الْحَالِفِ لِأَنَّ لَفْظَهُ لَا يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ وَإِنَّمَا يَجِبُ بِحُرْمَةِ اسْمِ اللَّهِ وَكُلُّ يَمِينٍ مُنْفَرِدَةٍ بِالِاسْمِ فَيَنْفَرِدُ بِحُكْمِهَا فَلَا يُصَدَّقُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالثَّانِيَةِ الْأُولَى.
وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ: قَالَ: هُوَ يَهُودِيٌّ إنْ فَعَلَ كَذَا وَهُوَ نَصْرَانِيٌّ إنْ فَعَلَ كَذَا وَهُوَ مَجُوسِيٌّ إنْ فَعَلَ كَذَا وَهُوَ مُشْرِكٌ إنْ فَعَلَ كَذَا لِشَيْءٍ وَاحِدٍ قَالَ: عَلَيْهِ لِكُلِّ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ يَمِينٌ.
وَلَوْ قَالَ: هُوَ يَهُودِيٌّ هُوَ نَصْرَانِيٌّ هُوَ مَجُوسِيٌّ هُوَ مُشْرِكٌ فَهُوَ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ وَهَذَا عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي ذَكَرْنَا أَنَّهُ إذَا ذَكَرَ الْمُقْسَمَ بِهِ مَعَ الْمُقْسَمِ عَلَيْهِ ثُمَّ أَعَادَهُ فَالثَّانِي غَيْرُ الْأَوَّلِ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا وَإِذَا ذَكَرَ الْمُقْسَمَ بِهِ وَكَرَّرَهُ مِنْ غَيْرِ حَرْفِ الْعَطْفِ فَهُوَ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا.
[فَصْلٌ فِي شَرَائِطُ رُكْنِ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى]
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا شَرَائِطُ رُكْنِ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَأَنْوَاعٌ بَعْضُهَا يَرْجِعُ إلَى الْحَالِفِ، وَبَعْضُهَا يَرْجِعُ إلَى الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، وَبَعْضُهَا يَرْجِعُ إلَى نَفْسِ الرُّكْنِ، أَمَّا الَّذِي يَرْجِعُ إلَى الْحَالِفِ فَأَنْوَاعٌ مِنْهَا: أَنْ يَكُونَ عَاقِلًا بَالِغًا فَلَا يَصِحُّ يَمِينُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَإِنْ كَانَ عَاقِلًا؛ لِأَنَّهَا تَصَرُّفُ إيجَابٍ وَهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِ الْإِيجَابِ وَلِهَذَا لَمْ يَصِحَّ نَذْرُهُمَا، وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute