الْقُرْآنُ وَسُورَةُ كَذَا فَلِأَنَّ الْمُتَعَارَفَ مِنْ اسْمِ الْقُرْآنِ الْحُرُوفُ الْمَنْظُومَةُ وَالْأَصْوَاتُ الْمُقَطَّعَةُ بِتَقْطِيعٍ خَاصٍّ لَا كَلَامُ اللَّهِ الَّذِي هُوَ صِفَةٌ أَزَلِيَّةٌ قَائِمَةٌ بِذَاتِهِ تُنَافِي السُّكُوتَ وَالْآفَةَ.
وَلَوْ قَالَ بِحُدُودِ اللَّهِ لَا يَكُونُ يَمِينًا كَذَا ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ بِحُدُودِ اللَّهِ قَالَ بَعْضُهُمْ يُرَادُ بِهِ الْحُدُودُ الْمَعْرُوفَةُ مِنْ حَدِّ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ الشُّرْبِ وَالْقَذْفِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُرَادُ بِهَا الْفَرَائِضُ مِثْلُ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَغَيْرِهِمَا وَكُلُّ ذَلِكَ حَلِفٌ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَكُونُ يَمِينًا وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ «لَا تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ وَلَا بِالطَّوَاغِيتِ وَلَا بِحَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ وَلَا تَحْلِفُوا إلَّا بِاَللَّهِ وَمَنْ حُلِفَ لَهُ بِاَللَّهِ فَلْيَرْضَ وَمَنْ لَمْ يَرْضَ فَلَيْسَ مِنَّا» .
وَلَوْ قَالَ عَلَيْهِ غَضَبُ اللَّهِ أَوْ سَخَطُهُ أَوْ لَعْنَتُهُ إنْ فَعَلَ كَذَا لَمْ يَكُنْ يَمِينًا لِأَنَّهُ دُعَاءٌ عَلَى نَفْسِهِ بِالْعَذَابِ وَالْعُقُوبَةِ وَالطَّرْدِ عَنْ الرَّحْمَةِ فَلَا يَكُونُ حَالِفًا كَمَا لَوْ قَالَ عَلَيْهِ عَذَابُ اللَّهِ وَعِقَابُهُ وَبُعْدُهُ عَنْ رَحْمَتِهِ وَمِنْ مَشَايِخِنَا بِالْعِرَاقِ مَنْ قَالَ فِي تَخْرِيجِهِ الْقَسَمَ بِالصِّفَاتِ: أَنَّ الصِّفَاتِ عَلَى ضَرْبَيْنِ صِفَةٌ لِلذَّاتِ وَصِفَةٌ لِلْفِعْلِ وَفَصَلَ بَيْنَهُمَا بِالنَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ وَهُوَ أَنَّ مَا يُثْبَتُ وَلَا يُنْفَى فَهُوَ صِفَةٌ لِلذَّاتِ كَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَنَحْوِهِمَا وَمَا يُثْبَتُ وَيُنْفَى فَهُوَ صِفَةُ الْفِعْلِ كَالتَّكْوِينِ وَالْإِحْيَاءِ وَالرِّزْقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَجَعَلَ الرَّحْمَةَ وَالْغَضَبَ مِنْ صِفَاتِ الْفِعْلِ فَجَعَلَ صِفَةَ الذَّاتِ قَدِيمَةً وَصِفَةَ الْفِعْلِ حَادِثَةً فَقَالَ الْحَلِفُ بِصِفَةِ الذَّاتِ يَكُونُ حَلِفًا بِاَللَّهِ فَيَكُونُ يَمِينًا، وَالْحَلِفُ بِصِفَةِ الْفِعْلِ يَكُونُ حَلِفًا بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَكُونُ يَمِينًا وَالْقَوْلُ بِحُدُوثِ صِفَاتِ الْفِعْلِ مَذْهَبُ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْأَشْعَرِيَّةِ إلَّا أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي الْحَدِّ الْفَاصِلِ بَيْنَ الصِّفَتَيْنِ فَفَصَّلَتْ الْمُعْتَزِلَةُ بِمَا ذَكَرَهُ هَذَا الْقَائِلُ مِنْ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ وَالْأَشْعَرِيَّةُ فَصَّلَتْ بِلُزُومِ النَّقِيصَةِ وَعَدَمِ اللُّزُومِ وَهُوَ أَنَّهُ مَا يَلْزَمُ بِنَفْيِهِ نَقِيصَةٌ فَهُوَ مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ وَمَا لَا يَلْزَمُ بِنَفْيِهِ نَقِيصَةٌ فَهُوَ مِنْ صِفَاتِ الْفِعْلِ مَعَ اتِّفَاقِ الْفَرِيقَيْنِ عَلَى حُدُوثِ صِفَاتِ الْفِعْلِ.
وَإِنَّمَا اخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُهُمْ فِي التَّحْدِيدِ لِأَجْلِ الْكَلَامِ، فَكَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى مُحْدَثٌ عِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ لِأَنَّهُ يُنْفَى وَيُثْبَتُ فَكَانَ مِنْ صِفَاتِ الْفِعْلِ فَكَانَ حَادِثًا وَعِنْدَ الْأَشْعَرِيَّةِ أَزَلِيٌّ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ بِنَفْيِهِ نَقِيصَةٌ فَكَانَ مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ فَكَانَ قَدِيمًا، وَمَذْهَبُنَا وَهُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ أَنَّ صِفَاتِ اللَّهِ أَزَلِيَّةٌ وَاَللَّهَ تَعَالَى مَوْصُوفٌ بِهَا فِي الْأَزَلِ سَوَاءٌ كَانَتْ رَاجِعَةً إلَى الذَّاتِ أَوْ إلَى الْفِعْلِ فَهَذَا التَّخْرِيجُ وَقَعَ مَعْدُولًا بِهِ عَنْ مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَإِنَّمَا الطَّرِيقَةُ الصَّحِيحَةُ وَالْحُجَّةُ الْمُسْتَقِيمَةُ فِي تَخْرِيجِ هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْمَسَائِلِ مَا سَلَكْنَا - وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ لِلسَّدَادِ وَالْهَادِي إلَى سَبِيلِ الرَّشَادِ - وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا إذَا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْقَسَمِ مَرَّةً وَاحِدَةً فَأَمَّا إذَا كُرِّرَ فَجُمْلَةُ الْكَلَامِ فِيهِ أَنَّ الْأَمْرَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ ذَكَرَ الْمُقْسَمَ بِهِ وَهُوَ اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُقْسَمَ عَلَيْهِ حَتَّى ذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ - تَعَالَى ثَانِيًا ثُمَّ ذَكَرَ الْمُقْسَمَ عَلَيْهِ وَأَمَّا إنْ ذَكَرَهُمَا جَمِيعًا ثُمَّ أَعَادَهُمَا جَمِيعًا وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ بِحَرْفِ الْعَطْفِ أَوْ يَكُونَ بِدُونِهِ.
فَإِنْ ذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُقْسَمَ عَلَيْهِ حَتَّى كَرَّرَ اسْمَ اللَّهِ - تَعَالَى - ثُمَّ ذَكَرَ الْمُقْسَمَ عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بَيْنَ الِاسْمَيْنِ حَرْفُ الْعَطْفِ كَانَ يَمِينًا وَاحِدَةً بِلَا خِلَافٍ سَوَاءٌ كَانَ الِاسْمُ مُخْتَلِفًا أَوْ مُتَّفِقًا فَالْمُخْتَلِفُ نَحْوُ أَنْ يَقُولَ وَاَللَّهِ الرَّحْمَنِ مَا فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ حَرْفَ الْعَطْفِ، وَالثَّانِي يَصْلُحُ صِفَةً لِلْأَوَّلِ عُلِمَ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الصِّفَةَ فَيَكُونُ حَالِفًا بِذَاتٍ مَوْصُوفٍ لَا بِاسْمِ الذَّاتِ عَلَى حِدَةٍ وَبِاسْمِ الصِّفَةِ عَلَى حِدَةٍ، وَالْمُتَّفِقُ نَحْوُ أَنْ يَقُولَ: اللَّهِ وَاَللَّهِ مَا فَعَلْتُ كَذَا لِأَنَّ الثَّانِيَ لَا يَصْلُحُ نَعْتًا لِلْأَوَّلِ وَيَصْلُحُ تَكْرِيرًا وَتَأْكِيدًا لَهُ فَيَكُونُ يَمِينًا وَاحِدَةً إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِهِ يَمِينَيْنِ وَيَصِيرُ قَوْلُهُ: اللَّهِ ابْتِدَاءَ يَمِينٍ بِحَذْفِ حَرْفِ الْقَسَمِ وَأَنَّهُ قَسَمٌ صَحِيحٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِيمَا تَقَدَّمَ.
وَإِنْ أَدْخَلَ بَيْنَ الْقَسَمَيْنِ حَرْفَ عَطْفٍ بِأَنْ قَالَ: وَاَللَّهِ وَالرَّحْمَنِ لَا أَفْعَلُ كَذَا، ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ أَنَّهُمَا يَمِينَانِ، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي يُوسُفَ، وَرَوَى الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، أَنَّهُ يَكُونُ يَمِينًا وَاحِدَةً وَبِهِ أَخَذَ زُفَرُ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا أَيْضًا عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ.
وَجْهُ رِوَايَةِ الْمَذْكُورِ فِي الْجَامِعِ أَنَّهُ لَمَّا عُطِفَ أَحَدُ الِاسْمَيْنِ عَلَى الْآخَرِ فَكَانَ الثَّانِي غَيْرَ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْمَعْطُوفَ غَيْرُ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَمِينًا عَلَى حِدَةٍ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُعْطَفْ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُعْطَفْ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ يُجْعَلُ الثَّانِي صِفَةً لِلْأَوَّلِ لِأَنَّهُ يَصْلُحُ صِفَةً لِأَنَّ الِاسْمَ يَخْتَلِفُ وَلِهَذَا يَسْتَحْلِفُ الْقَاضِي بِالْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ مِنْ غَيْرِ حَرْفِ الْعَطْفِ فَيَقُولُ وَاَللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الطَّالِبِ الْمُدْرِكِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَحْلِفَ مَعَ حَرْفِ الْعَطْفِ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إلَّا يَمِينٌ وَاحِدَةٌ.
وَجْهُ رِوَايَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute