أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ.
وَقَالَ زُفَرُ لَهُ عَلَيَّ يَمِينٌ لَا يَكُونُ يَمِينًا.
(وَجْهُ) قَوْلِهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْيَمِينَ قَدْ يَكُونُ بِاَللَّهِ وَقَدْ يَكُونُ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَنْعَقِدُ يَمِينًا بِالشَّكِّ.
(وَلَنَا) أَنَّ قَوْلَهُ عَلَيَّ يَمِينٌ أَيْ يَمِينُ اللَّهِ إذْ لَا يَجُوزُ الْيَمِينُ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَوْلُهُ يَمِينُ اللَّهِ دُونَ قَوْلِهِ عَلَيَّ يَمِينٌ فَكَيْفَ مَعَهُ؟ أَوْ يُقَالُ مَعْنَى قَوْلِهِ عَلَيَّ يَمِينٌ أَوْ يَمِينُ اللَّهِ أَيْ عَلَيَّ مُوجِبُ يَمِينِ اللَّهِ إلَّا أَنَّهُ حَذَفَ الْمُضَافَ وَأَقَامَ الْمُضَافَ إلَيْهِ مَقَامَهُ طَلَبًا لِلتَّخْفِيفِ عِنْدَ كَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَلَوْ قَالَ عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ أَوْ ذِمَّةُ اللَّهِ أَوْ مِيثَاقُهُ فَهُوَ يَمِينٌ لِأَنَّ الْيَمِينَ بِاَللَّهِ - تَعَالَى - هِيَ عَهْدُ اللَّهِ عَلَى تَحْقِيقٍ أَوْ نَفْيِهِ أَلَا تَرَى إلَى قَوْله تَعَالَى ﴿وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ﴾ [النحل: ٩١] ثُمَّ قَالَ ﷾ ﴿وَلا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا﴾ [النحل: ٩١] وَجُعِلَ الْعَهْدُ يَمِينًا، وَالذِّمَّةُ هِيَ الْعَهْدُ وَمِنْهُ أَهْلُ الذِّمَّةِ أَيْ أَهْلُ الْعَهْدِ وَالْمِيثَاقِ وَالْعَهْدُ مِنْ الْأَسْمَاءِ الْمُتَرَادِفَةِ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ «كَانَ إذَا بَعَثَ جَيْشًا قَالَ فِي وَصِيَّتِهِ إيَّاهُمْ وَإِنْ أَرَادُوكُمْ أَنْ تُعْطُوهُمْ ذِمَّةَ اللَّهِ وَذِمَّةَ رَسُولِهِ فَلَا تُعْطُوهُمْ» أَيْ عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ وَلَوْ قَالَ إنْ فَعَلَ كَذَا فَهُوَ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ أَوْ مَجُوسِيٌّ أَوْ بَرِيءٌ عَنْ الْإِسْلَامِ أَوْ كَافِرٌ أَوْ يَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْ يَعْبُدُ الصَّلِيبَ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا يَكُونُ اعْتِقَادُهُ كُفْرًا فَهُوَ يَمِينٌ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ يَمِينًا وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ.
وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّهُ عَلَّقَ الْفِعْلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ بِمَا هُوَ مَعْصِيَةٌ فَلَا يَكُونُ حَالِفًا كَمَا لَوْ قَالَ إنْ فَعَلَ كَذَا فَهُوَ شَارِبٌ خَمْرًا أَوْ آكِلٌ مَيْتَةً.
وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْحَلِفَ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ مُتَعَارَفٌ بَيْنَ النَّاسِ فَإِنَّهُمْ يَحْلِفُونَ بِهَا مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إلَى يَوْمِنَا هَذَا مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ حَلِفًا لَمَا تَعَارَفُوا لِأَنَّ الْحَلِفَ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى مَعْصِيَةٌ فَدَلَّ تَعَارُفُهُمْ عَلَى أَنَّهُمْ جَعَلُوا ذَلِكَ كِنَايَةً عَنْ الْحَلِفِ بِاَللَّهِ ﷿ وَإِنْ لَمْ يُعْقَلْ.
وَجْهُ الْكِنَايَةِ فِيهِ كَقَوْلِ الْعَرَبِ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَضْرِبَ ثَوْبِي حَطِيمَ الْكَعْبَةِ إنَّ ذَلِكَ جُعِلَ كِنَايَةً عَنْ التَّصَدُّقِ فِي عُرْفِهِمْ وَإِنْ لَمْ يُعْقَلْ وَجْهُ الْكِنَايَةِ فِيهِ كَذَا هَذَا، هَذَا إذَا أَضَافَ الْيَمِينَ إلَى الْمُسْتَقْبَلِ فَأَمَّا إذَا أَضَافَ إلَى الْمَاضِي بِأَنْ قَالَ هُوَ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ إنْ فَعَلَ كَذَا لِشَيْءٍ قَدْ فَعَلَهُ فَهَذَا يَمِينُ الْغَمُوسِ بِهَذَا اللَّفْظِ وَلَا كَفَّارَةَ فِيهِ عِنْدَنَا لَكِنَّهُ هَلْ يُكَفَّرُ؟ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْأَصْلِ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُقَاتِلٍ الرَّازِيّ أَنَّهُ يَكْفُرُ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الْكُفْرَ بِشَيْءٍ يُعْلَمُ أَنَّهُ مَوْجُودٌ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ هُوَ كَافِرٌ بِاَللَّهِ وَكَتَبَ نَصْرُ بْنُ يَحْيَى إلَى ابْنِ شُجَاعٍ يَسْأَلُهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ لَا يَكْفُرُ وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ مَا قَصَدَ بِهِ الْكُفْرَ وَلَا اعْتَقَدَهُ وَإِنَّمَا قَصَدَ بِهِ تَرْوِيحَ كَلَامِهِ وَتَصْدِيقَهُ فِيهِ وَلَوْ قَالَ عَصَيْتُ اللَّهَ إنْ فَعَلْتُ كَذَا أَوْ عَصَيْتُهُ فِي كُلِّ مَا افْتَرَضَ عَلَيَّ فَلَيْسَ بِيَمِينٍ لِأَنَّ النَّاسَ مَا اعْتَادُوا الْحَلِفَ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ.
وَلَوْ قَالَ هُوَ يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ أَوْ يَسْتَحِلُّ الدَّمَ أَوْ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ أَوْ يَتْرُكُ الصَّلَاةَ وَالزَّكَاةَ إنْ فَعَلَ كَذَا فَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ يَمِينًا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِإِيجَابٍ بَلْ هُوَ إخْبَارٌ عَنْ فِعْلِ الْمَعْصِيَةِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ هُوَ يَهُودِيٌّ أَوْ نَحْوِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ إيجَابٌ فِي الْحَالِ وَكَذَلِكَ لَوْ دَعَا عَلَى نَفْسِهِ بِالْمَوْتِ أَوْ عَذَابِ النَّارِ بِأَنْ قَالَ عَلَيْهِ عَذَابُ اللَّهِ إنْ فَعَلَ كَذَا أَوْ قَالَ أَمَاتَهُ اللَّهُ إنْ فَعَلَ كَذَا لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِإِيجَابٍ بَلْ دُعَاءٌ عَلَى نَفْسِهِ وَلَا يُحْلَفُ بِالْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ وَالْأَبْنَاءِ وَلَوْ حَلَفَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لَا يَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّهُ حَلِفٌ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَالنَّاسُ وَإِنْ تَعَارَفُوا الْحَلِفَ بِهِمْ لَكِنَّ الشَّرْعَ نَهَى عَنْهُ وَرُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ «لَا تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ وَلَا بِالطَّوَاغِيتِ فَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَذَرْ» وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ ﷺ «مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ أَشْرَكَ» وَلِأَنَّ هَذَا النَّوْعَ مِنْ الْحَلِفِ لِتَعْظِيمِ الْمَحْلُوفِ وَهَذَا النَّوْعَ مِنْ التَّعْظِيمِ لَا يَسْتَحِقُّهُ إلَّا اللَّهُ تَعَالَى.
وَلَوْ قَالَ وَدِينِ اللَّهِ أَوْ طَاعَتِهِ أَوْ شَرَائِعِهِ أَوْ أَنْبِيَائِهِ وَمَلَائِكَتِهِ أَوْ عَرْشِهِ لَمْ يَكُنْ يَمِينًا لِأَنَّهُ حَلِفٌ بِغَيْرِ اللَّهِ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ قَالَ الْحَلِفُ بِالْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَغَيْرِهِمْ يَمِينٌ وَهَذَا غَيْرُ سَدِيدٍ لِلْحَدِيثِ وَلِأَنَّهُ حَلِفٌ بِغَيْرِ اللَّهِ فَلَا يَكُونُ قَسَمًا كَالْحَلِفِ بِالْكَعْبَةِ كَذَا لَوْ قَالَ وَبَيْتِ اللَّهِ أَوْ حَلَفَ بِالْكَعْبَةِ أَوْ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ أَوْ بِالصَّفَا أَوْ بِالْمَرْوَةِ أَوْ بِالصَّلَاةِ أَوْ الصَّوْمِ أَوْ الْحَجِّ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ حَلِفٌ بِغَيْرِ اللَّهِ ﷿ وَكَذَا الْحَلِفُ بِالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَالْقَبْرِ وَالْمِنْبَرِ لِمَا قُلْنَا وَلَا يَحْلِفُ بِالسَّمَاءِ وَلَا بِالْأَرْضِ وَلَا بِالشَّمْسِ وَلَا بِالْقَمَرِ وَالنُّجُومِ وَلَا بِكُلِّ شَيْءٍ سِوَى اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ الْعَلِيَّةِ لِمَا قُلْنَا وَقَدْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُحْلَفُ إلَّا بِاَللَّهِ مُتَجَرِّدًا بِالتَّوْحِيدِ وَالْإِخْلَاصِ.
وَلَوْ قَالَ وَعِبَادَةِ وَحَمْدِ اللَّهِ فَلَيْسَ بِيَمِينٍ لِأَنَّهُ حَلِفٌ بِغَيْرِ اللَّهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْعِبَادَةَ وَالْحَمْدَ فِعْلُكَ.
وَلَوْ قَالَ بِالْقُرْآنِ أَوْ بِالْمُصْحَفِ أَوْ بِسُورَةِ كَذَا مِنْ الْقُرْآنِ فَلَيْسَ بِيَمِينٍ لِأَنَّهُ حَلِفٌ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَمَّا الْمُصْحَفُ فَلَا شَكَّ فِيهِ وَأَمَّا