لَعَمْرُك إنَّ الْمَوْتَ مَا أَخْطَأَ الْفَتَى … لَكَالطِّوَلِ الْمُرْخَى وَثِنْيَاهُ بِالْيَدِ
وَلَوْ قَالَ وَاَيْمُ اللَّهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا كَانَ يَمِينًا لِأَنَّ هَذَا مِنْ صِلَاتِ الْيَمِينِ عِنْدَ الْبَصْرِيَّيْنِ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ ﵁ حِينَ أَمَّرَهُ فِي حَرْبِ مُؤْتَةَ وَقَدْ بَلَغَهُ الطَّعْنُ وَاَيْمُ اللَّهِ لَخَلِيقٌ لِلْإِمَارَةِ» وَعِنْدَ الْكُوفِيِّينَ هُوَ جَمْعُ الْيَمِينِ تَقْدِيرُهُ وَأَيْمُنِ اللَّهِ إلَّا أَنَّ النُّونَ أُسْقِطَتْ عِنْدَ كَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ لِلتَّخْفِيفِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى - ﴿حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [النحل: ١٢٠] وَالْأَيْمُنُ جَمْعُ يَمِينٍ فَكَأَنَّهُ قَالَ وَيَمِينِ اللَّهِ وَإِنَّهُ حَلِفٌ بِاَللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ الْعَرَبَ تَعَارَفَتْهُ يَمِينًا قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ
فَقُلْتُ يَمِينُ اللَّهِ أَبْرَحُ قَاعِدًا … وَإِنْ قُطِعَتْ رَأْسِي لَدَيْكِ وَأَوْصَالِي
حَلَفْتُ لَهَا بِاَللَّهِ حَلْفَةَ فَاجِرٍ … لَنَامُوا فَمَا إنْ مِنْ حَدِيثٍ وَلَا صَالِي
وَقَالَتْ عُنَيْزَةُ
فَقَالَتْ يَمِينُ اللَّهِ مَا لَكَ حِيلَةٌ … وَمَا أَنْ أَرَى عَنْكَ الْغِوَايَةَ تَنْجَلِي
فَقَدْ اسْتَعْمَلَ امْرُؤُ الْقَيْسِ يَمِينَ اللَّهِ وَسَمَّاهُ حَلِفًا بِاَللَّهِ.
وَلَوْ قَالَ وَحَقِّ اللَّهِ لَا يَكُونُ حَالِفًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَرُوِيَ عَنْهُ رِوَايَةٌ أُخْرَى أَنَّهُ يَكُونُ يَمِينًا وَوَجْهُهُ أَنَّ قَوْلَهُ وَحَقِّ اللَّهِ وَإِنْ كَانَ إضَافَةَ الْحَقِّ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لَكِنَّ الشَّيْءَ قَدْ يُضَافُ إلَى نَفْسِهِ فِي الْجُمْلَةِ وَالْحَقُّ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى فَكَأَنَّهُ قَالَ وَاَللَّهِ الْحَقِّ، وَلَهُمَا أَنَّ الْأَصْلَ أَنْ يُضَافَ الشَّيْءُ إلَى غَيْرِهِ لَا إلَى نَفْسِهِ فَكَانَ حَلِفًا بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَكُونُ يَمِينًا وَلِأَنَّ الْحَقَّ الْمُضَافَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى يُرَادُ بِهِ الطَّاعَاتُ وَالْعِبَادَاتُ لِلَّهِ - تَعَالَى - فِي عُرْفِ الشَّرْعِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَقِيلَ لَهُ مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ فَقَالَ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا» وَالْحَلِفُ بِعِبَادَةِ اللَّهِ وَطَاعَتِهِ لَا يَكُونُ يَمِينًا وَلَوْ قَالَ وَالْحَقِّ يَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّ الْحَقَّ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ﴾ [النور: ٢٥] .
وَقِيلَ إنْ نَوَى بِهِ الْيَمِينَ يَكُونُ يَمِينًا وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّ اسْمَ الْحَقِّ كَمَا يُطْلَقُ عَلَى اللَّهِ - تَعَالَى - يُطْلَقُ عَلَى غَيْرِهِ فَيَقِفُ عَلَى النِّيَّةِ وَلَوْ قَالَ حَقًّا، لَا رِوَايَةَ فِيهِ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ لَا يَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّ قَوْلَهُ حَقًّا بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ صِدْقًا وَقَالَ أَبُو مُطِيعٍ هُوَ يَمِينٌ لِأَنَّ الْحَقَّ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ - تَعَالَى - فَقَوْلُهُ حَقًّا كَقَوْلِهِ وَالْحَقِّ.
وَلَوْ قَالَ أُقْسِمُ بِاَللَّهِ أَوْ أَحْلِفُ أَوْ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ أَوْ أَعْزِمُ بِاَللَّهِ كَانَ يَمِينًا عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَكُونُ يَمِينًا إلَّا إذَا نَوَى الْيَمِينَ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْحَالَ وَيَحْتَمِلُ الِاسْتِقْبَالَ فَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ وَلَنَا أَنَّ صِيغَةَ أَفْعَلُ لِلْحَالِ حَقِيقَةً وَلِلِاسْتِقْبَالِ بِقَرِينَةِ السِّينِ وَسَوْفَ وَهُوَ الصَّحِيحُ فَكَانَ هَذَا إخْبَارًا عَنْ حَلِفِهِ بِاَللَّهِ لِلْحَالِ وَهَذَا إذَا ظَهَرَ الْمُقْسَمُ بِهِ فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ بِأَنْ قَالَ أُقْسِمُ أَوْ أَحْلِفُ أَوْ أَشْهَدُ أَوْ أَعْزِمُ كَانَ يَمِينًا فِي قَوْلِ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ وَعِنْدَ زُفَرَ لَا يَكُونُ يَمِينًا.
(وَجْهُ) قَوْلِهِ إنَّهُ إذَا لَمْ يَذْكُرْ الْمَحْلُوفَ بِهِ فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْحَلِفَ بِاَللَّهِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْحَلِفَ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يُجْعَلُ حَلِفًا مَعَ الشَّكِّ.
(وَلَنَا) أَنَّ الْقَسَمَ لَمَّا لَمْ يَجُزْ إلَّا بِاَللَّهِ ﷿ كَانَ الْإِخْبَارُ عَنْهُ إخْبَارًا عَمَّا لَا يَجُوزُ بِدُونِهِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى - ﴿وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا﴾ [يوسف: ٨٢] وَنَحْوِ ذَلِكَ وَلِأَنَّ الْعَرَبَ تَعَارَفَتْ الْحَلِفَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ﴾ [التوبة: ٩٦] وَلَمْ يَقُلْ بِاَللَّهِ وَقَالَ ﷾ ﴿إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ﴾ [المنافقون: ١] فَاَللَّهُ ﷾ سَمَّاهُ يَمِينًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً﴾ [المجادلة: ١٦] .
وَقَالَ تَعَالَى ﴿إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ﴾ [القلم: ١٧] وَلَمْ يَذْكُرْ بِاَللَّهِ ثُمَّ سَمَّاهُ قَسَمًا وَالْقَسَمُ لَا يَكُونُ إلَّا بِاَللَّهِ تَعَالَى فِي عُرْفِ الشَّرْعِ وَاسْتَدَلَّ مُحَمَّدٌ بِقَوْلِهِ ﴿وَلا يَسْتَثْنُونَ﴾ [القلم: ١٨] فَقَالَ أَفَيَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ إلَّا فِي الْيَمِينِ؟ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لَا يَسْتَدْعِي تَقَدُّمَ الْيَمِينِ لَا مَحَالَةَ وَإِنَّمَا يَسْتَدْعِي الْإِخْبَارَ عَنْ أَمْرٍ يَفْعَلُهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ كَمَا قَالَ تَعَالَى ﴿وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا﴾ [الكهف: ٢٣] ﴿إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ﴾ [الكهف: ٢٤] وَقَوْلُهُ أَعْزِمُ مَعْنَاهُ أُوجِبُ فَكَانَ إخْبَارًا عَنْ الْإِيجَابِ فِي الْحَالِ وَهَذَا مَعْنَى الْيَمِينِ وَكَذَا لَوْ قَالَ عَزَمْتُ لَا أَفْعَلُ كَذَا كَانَ حَالِفًا وَكَذَا لَوْ قَالَ آلَيْتُ لَا أَفْعَلُ كَذَا لِأَنَّ الْأَلِيَّةَ هِيَ الْيَمِينُ وَكَذَا لَوْ قَالَ عَلَيَّ نَذْرٌ أَوْ نَذْرُ اللَّهِ فَهُوَ يَمِينٌ لِقَوْلِهِ ﷺ «مَنْ نَذَرَ وَسَمَّى فَعَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِمَا سَمَّى وَمَنْ نَذَرَ وَلَمْ يُسَمِّ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ» .
وَقَالَ ﷺ «النَّذْرُ يَمِينٌ وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ» وَرُوِيَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ قَالَ لَتَنْتَهِيَنَّ عَائِشَةُ عَنْ بَيْعِ رِبَاعِهَا أَوْ لَأَحْجُرَنَّ عَلَيْهَا فَبَلَغَ ذَلِكَ عَائِشَةُ فَقَالَتْ: أَوَقَالَ ذَلِكَ؟ قَالُوا: نَعَمْ: فَقَالَتْ: لِلَّهِ عَلَيَّ نَذْرٌ إنْ كَلَّمْتُهُ أَبَدًا فَأَعْتَقَ عَنْ يَمِينِهَا عَبْدًا وَكَذَا قَوْلُهُ عَلَيَّ يَمِينٌ أَوْ يَمِينُ اللَّهِ فِي قَوْلِ