الْوِلَادَةِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: لَيْسَ بِابْنِي وَجَبَ اللِّعَانُ لِوُجُودِ الْقَذْفِ.
وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَهِيَ حَامِلٌ: لَيْسَ هَذَا الْحَمْلُ مِنِّي لَمْ يَجِبْ اللِّعَانُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِعَدَمِ الْقَذْفِ بِنَفْيِ الْوَلَدِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: إنْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْقَذْفِ وَجَبَ اللِّعَانُ وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَمْ يَجِبْ.
وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّهَا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْقَذْفِ فَقَدْ تَيَقَّنَّا بِوُجُودِهِ فِي الْبَطْنِ وَقْتَ الْقَذْفِ وَلِهَذَا لَوْ أَوْصَى لِحَمْلِ امْرَأَتِهِ فَجَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ اسْتَحَقَّ الْوَصِيَّةَ، وَإِذَا تَيَقَّنَّا بِوُجُودِهِ وَقْتَ النَّفْيِ كَانَ مُحْتَمِلًا لِلنَّفْيِ إذْ الْحَمْلُ تَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَحْكَامُ، فَإِنَّ الْجَارِيَةَ تُرَدُّ عَلَى بَائِعِهَا وَيَجِبُ لِلْمُعْتَدَّةِ النَّفَقَةُ لِأَجْلِ حَمْلِهَا فَإِذَا نَفَاهُ يُلَاعِنُ فَإِذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَلَمْ تَتَيَقَّنْ بِوُجُودِهِ عِنْدَ الْقَذْفِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ حَادِثٌ وَلِهَذَا لَا تَسْتَحِقُّ الْوَصِيَّةَ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْقَذْفَ بِالْحَمْلِ لَوْ صَحَّ إمَّا أَنْ يَصِحَّ بِاعْتِبَارِ الْحَالِ أَوْ بِاعْتِبَارِ الثَّانِي لَا وَجْهَ لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ وُجُودُهُ لِلْحَالِ لِجَوَازِ أَنَّهُ رِيحٌ لَا حَمْلٌ وَلَا سَبِيلَ إلَى الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ فِي مَعْنَى التَّعْلِيقِ بِالشَّرْطِ كَأَنَّهُ قَالَ: إنْ كُنْتِ حَامِلًا فَأَنْتِ زَانِيَةٌ وَالْقَذْفُ لَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ بِخِلَافِ الرَّدِّ بِعَيْبِ الْحَبَلِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِالرَّدِّ عَلَى اعْتِبَارِ الْحَالِ لِوُجُودِ الْعَيْبِ ظَاهِرًا، وَاحْتِمَالُ الرِّيحِ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَلَا يُورِثُ إلَّا شُبْهَةً وَالرَّدُّ بِالْعَيْبِ لَا يَمْتَنِعُ بِالشُّبُهَاتِ بِخِلَافِ الْقَذْفِ، وَالنَّفَقَةُ لَا يَخْتَصُّ وُجُوبُهَا بِالْحَمْلِ عِنْدَنَا فَإِنَّهَا تَجِبُ لِغَيْرِ الْحَامِلِ، وَلَا يُقْطَعُ نَسَبُ الْحَمْلِ قَبْلَ الْوِلَادَةِ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُلَاعَنُ وَقَطْعُ النَّسَبِ مِنْ أَحْكَامِ اللِّعَانِ.
وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّ الْأَحْكَامَ إنَّمَا تَثْبُتُ لِلْوَلَدِ لَا لِلْحَمْلِ وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ اسْمَ الْوَلَدِ بِالِانْفِصَالِ وَلِهَذَا لَا يَسْتَحِقُّ الْمِيرَاثَ وَالْوَصِيَّةَ إلَّا بَعْدَ الِانْفِصَالِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُلَاعَنُ وَيُقْطَعُ نَسَبُ الْحَمْلِ وَاحْتَجَّ بِمَا رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لَاعَنَ بَيْنَ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ وَهِيَ حَامِلٌ وَأَلْحَقَ الْوَلَدَ بِهَا فَدَلَّ أَنَّ الْقَذْفَ بِالْحَمْلِ يُوجِبُ اللِّعَانَ وَقَطْعَ نَسَبِ الْحَمْلِ وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِيهِ؛ لِأَنَّ هِلَالًا لَمْ يَقْذِفْهَا بِالْحَمْلِ بَلْ بِصَرِيحِ الزِّنَا وَذَكَرَ الْحَمْلَ وَبِهِ نَقُولُ أَنَّ مَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: زَنَيْتِ وَأَنْتِ حَامِلٌ يُلَاعَنُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَلِّقْ الْقَذْفَ بِالشَّرْطِ وَأَمَّا قَطْعُ النَّسَبِ فَلِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَلِمَ مِنْ طَرِيقِ الْوَحْيِ أَنَّ هُنَاكَ وَلَدًا.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَالَ ﷺ: إنْ جَاءَتْ بِهِ عَلَى صِفَةِ كَذَا فَهُوَ لِكَذَا وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ عَلَى صِفَةِ كَذَا فَهُوَ لِكَذَا وَلَا يُعْلَمُ ذَلِكَ إلَّا بِالْوَحْيِ وَلَا طَرِيقَ لَنَا إلَى مَعْرِفَةِ ذَلِكَ فَلَا يُنْفَى الْوَلَدُ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.
[فَصْلٌ فِي شَرَائِطِ وُجُوبِ اللِّعَانِ وَجَوَازِهِ]
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا شَرَائِطُ وُجُوبِ اللِّعَانِ وَجَوَازِهِ فَأَنْوَاعٌ: بَعْضُهَا يَرْجِعُ إلَى الْقَاذِفِ خَاصَّةً، وَبَعْضُهَا يَرْجِعُ إلَى الْمَقْذُوفِ خَاصَّةً، وَبَعْضُهَا يَرْجِعُ إلَيْهِمَا جَمِيعًا، وَبَعْضُهَا يَرْجِعُ إلَى الْمَقْذُوفِ بِهِ، وَبَعْضُهَا يَرْجِعُ إلَى الْمَقْذُوفِ فِيهِ، وَبَعْضُهَا يَرْجِعَ إلَى نَفْسِ الْقَذْفِ.
أَمَّا الَّذِي يَرْجِعُ إلَى الْقَاذِفِ خَاصَّةً فَوَاحِدٌ وَهُوَ عَدَمُ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَطَ ذَلِكَ فِي آيَةِ اللِّعَانِ بِقَوْلِهِ ﷿ ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ﴾ [النور: ٦] الْآيَةَ حَتَّى لَوْ أَقَامَ أَرْبَعَةً مِنْ الشُّهُودِ عَلَى الْمَرْأَةِ بِالزِّنَا لَا يَثْبُتُ اللِّعَانُ وَيُقَامُ عَلَيْهَا حَدُّ الزِّنَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ ظَهَرَ زِنَاهَا بِشَهَادَةِ الشُّهُودِ وَلَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ أَحَدُهُمْ الزَّوْجُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ الزَّوْجِ قَذْفٌ قَبْلَ ذَلِكَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ وَيُقَامُ عَلَيْهَا الْحَدُّ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الزَّوْجِ عَلَيْهَا.
وَجْهُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الزَّوْجَ مُتَّهَمٌ فِي شَهَادَتِهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ حَمَلَهُ الْغَيْظُ عَلَى ذَلِكَ وَلَا شَهَادَةَ لِلْمُتَّهَمِ عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَلِأَنَّهُ يَدْفَعُ الْمَغْرَمَ عَنْ نَفْسِهِ وَهُوَ اللِّعَانُ وَلَا شَهَادَةَ لِدَافِعِ الْمَغْرَمِ عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَلَنَا أَنَّ شَهَادَتَهُ بِالْقَبُولِ أَوْلَى مِنْ شَهَادَةِ الْأَجْنَبِيِّ؛ لِأَنَّهَا أَبْعَدُ مِنْ التُّهْمَةِ إذْ الْعَادَةُ أَنَّ الرَّجُلَ يَسْتُرُ عَلَى امْرَأَتِهِ مَا يَلْحَقُهُ بِهِ شَيْنٌ فَلَمْ يَكُنْ مُتَّهَمًا فِي شَهَادَتِهِ فَتُقْبَلُ كَشَهَادَةِ الْوَالِدِ عَلَى وَلَدِهِ، وَقَوْلُهُ إنَّهُ يَدْفَعُ الْمَغْرَمَ عَنْ نَفْسِهِ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ مَمْنُوعٌ فَإِنَّهُ لَمْ يَسْبِقْ مِنْهُ قَذْفٌ يُوجِبُ اللِّعَانَ فَإِنَّهُ لَمْ يَسْبِقْ هَذِهِ الشَّهَادَةَ قَذْفٌ لِيَدْفَعَ اللِّعَانَ بِهَا فَصَارَ كَشَهَادَةِ الْأَجْنَبِيِّ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ وَلَا يُجْعَلُ دَافِعًا لِلْحَدِّ عَنْ نَفْسِهِ كَذَا هَذَا، وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ قَذَفَهَا أَوَّلًا ثُمَّ جَاءَ بِثَلَاثَةٍ سِوَاهُ فَشَهِدُوا فَهُمْ قَذَفَةٌ يُحَدُّونَ وَعَلَى الزَّوْجِ اللِّعَانُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا سَبَقَ مِنْهُ الْقَذْفُ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ اللِّعَانُ فَهُوَ بِشَهَادَتِهِ جُعِلَ دَافِعًا لِلضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَالزِّنَا لَا يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ ثَلَاثَةٍ فَصَارَ قَذَفَةً فَيُحَدُّونَ حَدَّ الْقَذْفِ، وَيُلَاعَنُ الزَّوْجُ لِقَذْفِ زَوْجَتِهِ فَإِنْ جَاءَ هُوَ وَثَلَاثَةٌ شَهِدُوا أَنَّهَا قَدْ زَنَتْ فَلَمْ يَعْدِلُوا فَلَا